
بقلم: الأستاذة خدجة بنت سدينا
يشهد العالم اليوم الكثير من الأحداث المتلاحقة والفتن مسرحها أساسا العالم العربي والإسلامي ، ولا يخفى على أحد دور القوى العظمى فى تذكية الصراع، كما لم يعد سرًّا وجود عدو مشترك للدول الغربية هو الإسلام والمسلمون. هذه الأحداث ليست وليدة اللحظة بل نتاج تراكمات تاريخية دافعها الميل إلى التفوق الحضاري، لنشر الثقافة والدين والتوسع الاقتصادي وتجلّى ذلك أكثر فى العصر الوسطي كانت دعوة البابوية للحروب الصليبية التي بدأها البابا اوربان الثاني في نوفمبر 1095 بعقده مجمعا لرجال الدين في مدينة كليرمون فران الفرنسية، وقد برِّرَ الكثير من الحملات بتطبيق "ارادة الرب" عن طريق الحج إلى الأرض المقدسة للتكفير عن الخطايا، و الدعوات آنذاك تروي عن اضطهاد الحكم الإسلامي للمسيحيين في الأرض المقدسة وتدعو إلى تحريرهم، كما كان للحملات الصليبية أثار دموية، فبالإضافة إلى سفك الدماء في الحروب في الشرق، ظلّت الاقليات من غير المسيحيين تعاني الامرين، فتعرَّض الهراطقة الالبيجيين في جنوب فرنسا واليهود في ألمانيا وهنغاريا لمذابح بوصفهم "كفرة" أو "قتلة المسيح"، وادى ذلك إلى تنمية التمييز العرقي بين شعوب أوروبا الذي كان تكتل اليهود في أوروبا وعزلهم من نتائجه، الأمر الذي الهم فيما بعد الفكر النازي والفاشي في فترة مراهقة الدول القومية في أوروبا. وأحسّت على إثره بعقدة الذنب, وتمت بعد ذلك بفترة بلورة "ابروتوكولات حكماء صهيون" والتى تلخصها هذه الجملة << نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه، ومحركي الفتن فيه وجلاديه".(الدكتور أوسكار ليفي) ، وتدعو لبروتوكولات لخلق الفتن والفوضى الخلّاقة،ولا يوجد حرفٌ في هذا الكتاب أي لبروتوكولات لم يتم تطبيقه في الغرب، بل وفي الشرق، ، ولا يوجد بندا واحدا فيها غير مطبّق ، في نظام الحكم والاقتصاد والإعلام والتعليم والثقافة والأدب والفن!!!!!.. حتّى ضريبة المبيعات ستجد فكرتها في هذا الكتاب.. !!! وفكرة الحكومة العالميّة اليهوديّة، تعتبر في موضع التنفيذ منذ بداية تسعينات القرن العشرين، فقد راحت أمريكا تحكم العالم باسم النظام العالميّ الجديد لمصلحة اليهود، ولم يبقَ إلا أن تقوم حكومة عالميّة يهوديّة صريحة! ولكن جدير بالذكر عراقة هذه الدول الغربية (قرون) التى نشأت من البروقراطيات المركزية بعد التفتت المسيحي خلافا لبلداننا الفتية حيث نشأت فى جلّها بعد إنسحاب الإستعمار ووضعه للحدود، إذ حافظت الدول الغربية على تاريخها ،و حضارتها كما ثبَّتت أهدافها التى تكمن فى تفوق الحضاري والأمني من أجل نشر الثقافة والدين واتخذت لذلك أدوات عدّة: الإعلام، جامعات عريقة مراكز بحوث ودراسات الأديان والمجتمعات والسلالات البشرية مراكز دراسة الّاهوت والكنائس والمنظمات الكاتولكية واللوتينية ومنظمات حقوق الإنسان مدعّمة بمكتبات كبيرة وقديمة ومراكز توثيق ........إلخ ،هذه المؤسسات الاجتماعية الدينية والثقافية سائرة بغض النظر عن تغير الأحكام المركزية فذلك لا يغيّر من السياسات والاستراتجيات العامّة، ولقد اتضح لديهم أنه لا توجد حضارة تضاهيهم بقوة وعراقة الحضارة الإسلامية، لذلك وجهت كل تلك الأدوات المؤسساتية ضدّهم وكانت كل السياسات والاستراتجيات والتحالفات لإفشال الإسلام والمسلمين( مع علمنا أن الله حافظه)، وفي المقابل توجد دول إسلامية وعربية محكومة بدعم من الغرب لا يفقهون ولا يسْعَوْنَ إلَّا لحفظ كراسيهم فشتّان ما بين النموذجين! فأنتجت هذه الدول شعوبا منقطعة مع تاريخها وحضارتها الإسلامية لا استراتجيا ت ولا أهداف عامّة قومية ولا دينية، تائهة، تميل حيث مالت لرياح, حكّام مستبدين عاثوا فى الأرض فسادا محكومون بالمصالح، وشعب موجه بالإعلام الغربي أو بإعلام عربي موجه من الغرب! منبهر بحضارة الغرب بقيمه الزائفة التى أصبح تتردّد على ألسنة كل فرد منّا ، كحقوق الإنسان، اللحاق بالركب لحضاري، الديمقراطية، التعايش السلمي، الحرية، قيم الإنسانية المثلى....إلخ كانت العراق نشازا بالنسبة لهم وتمثل شوكة حلق وأستطاعوا بدعم من حلفائهم العرب أو خلفائهم إزاحة حكمها القومي المبني على إديولوجيا وقناعة يصعب معها صياغة جديدة للمنطقة كما أنها أصبحت قوة تشكل تهديدا لإسرائيل! بعدها أفتعلت إسرائيل حرب 2006 مع حزب الله لجسِّ النبض حينها أعلنت كوندليزا رايس عن ميلاد عسير "للشرق الأوسط الجديد" ولكن هذا الميلاد أصطدم بما يسمى آنذاك محور المقاومة فكان الإمداد من إيران وسوريا عن طريق الحدود السورية اللبنانية, فأجهض ذلك الميلاد وهزمت إسرائيل شرّ هزيمة! فاستخدمت آنذاك أدوات لغوية جديدة : محور الإعتدال. محور التطرّف أو الشر، الإرهاب، الإسلام المتسامح ، الإسلام المتشدِّد..... إلخ ، ثم خططوا -لإضعاف المقاومة وبتر أوصالها وللمزيد من التفرقة بين المسلمين، ولعزل فلسطين إستئساد إسرائيل, و ذلك بإشعال فتنة طائفية فكان لهم ما أرادوا، فتن وثورات أنتجت فوضى هذه المرة بمشاركة أدواة عربية: إعلام وحتى جيوش! إنها الفوضى الخلّاقة كما نظَّر لها بني صهيون! قتل ، دمار، تشريد، تدميرو نهب التراث والمتاحف ، حرق مكتبات، إنه طمر للحضارة فى أشرف معاقلها، العراق، سوريا، اليمن....إلخ فى هذه المعمعة ولدت تنظيمات جهادية ، (إن لم ينتج بعضها الغرب أو يساهم فى بزوغها إلى النور) داعش ، النصرة وأخريات وقبلهم القاعدة، ولدوا ( بعضهم ) من رحم الظلم والمعاناة وبفكر مشوّه فى ظل التشرذم العربي والإسلامي (فى غياب تنظير إسلامي عام وقيادة مشتركة), كل حسب مشربه هذا إن أخذنا لهم أحسن المخارج; (مع شكوكنا فى أهدافهم الحقيقية، لسبب بسيط ، لم نرهم وجهوا أسلحتهم لإسرائيل بل كانت موجهة أساسا ضدَّ إخوتهم فى الدين وبني جلدتهم!) كانت عملية باريز إسثناء حيث أعلنوا أنهم أرادوا أن يسقوا فرنسا من نفس الكأس التى سقت منها الإخوان فى سوريا! وهذه الجماعة بالتحديد يمكن أن نعتبرها من سفهائنا << ولقد ذلَّ قوم لا سفيه لهم>> ، أماّ التباكي حكوماتا وشعبا على ضحايا أحداث باريز وإظهار إنسانية أكثر تماهيا مع قيم الغرب الشعاراتية، وإستعمال ألفاظه :الإرهاب ، وبدون تحديم مفهومه !، فى الوقت الذى تراق فيه دماء المسلمين على مدار الساعة ولا تنديدا من الغرب أو الشرق، من القريب أو البعيد ! وقد وصل ببعض المحللين من أصول عربية على قنوات فرنسية حدَّ النفور من مجتماعتهم إظهارا للاندماج التام فى المجتمع الفرنسي، فذلك لن يقربهم قيد أنملة فالفرنسيون والغرب عموما لا يفهمون من الضمائر إلّا (نحن وهم) وليس بإستطاعتهم الترفع عن النظرة العنصرية والحاقدة على الإسلام والمسلمين، والإنتقامية، والله لو خرج كل عربي ومسلم من جلده لما أَمِنَهُْم ، كلكم مشروع هدف فرادى وجماعات! فليعلم العرب والمسلمون أن الإرتماء فى الحضارة الغربية والتنكر للثقافة والتاريخ لا يرفع درجات بقدر ما يحطها، وصاحبه لا يوثق به ولا يؤتمن ولن يَأْمَنَ ، فالأولى التشبث بالدين والتعمق فيه ودراسة التاريخ ، وتدريس كليهما لفائدة النشر، والاعتزازبالحضارة الإسلامية، سبيلا فى تجذير الكينونة، ومن يجهل نفسه وتاريخه لا يقيم أيّ وزن سيجهله ويتجاهله الآخرون، وكل انفصام عن التاريخ يعبّر عن انفصام فى الشخصية!