السياحة الداخلية فرصة لتعزيز الاقتصاد الدائري / باركلل محمد أحمد

اثنين, 2025/08/11 - 19:39
المهندس باكلل محمد أحمد

السياحة الداخلية والتقليل من الانبعاثات الكربونية: فرصة لتعزيز الاقتصاد الدائري ودعم الهوية المعمارية للمناطق

دعوة رئيس الجمهورية لقضاء العطلة داخل الوطن تحمل أبعادًا بيئية واقتصادية واجتماعية متكاملة

كمتخصص في الأبنية الخضراء والاستدامة، وكمهتم منذ سنوات بتطوير استراتيجيات تقلل الانبعاثات وتدعم الاقتصاد المحلي، وجدت في دعوة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لقضاء العطلة الصيفية داخل البلاد رسالة عملية تحمل أبعادًا متعددة. هذه الدعوة ليست مجرد حافز للسفر الداخلي، بل خطوة عملية لدعم الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الخارج.

البعد البيئي للسفر الخارجي

تشير تقارير دولية إلى أن السياحة مسؤولة عن نحو 8% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وأن حوالي 90% من هذه الانبعاثات تأتي من النقل، وخاصة الطيران. وفي موريتانيا، يمثل السفر الجوي إلى الخارج أحد أبرز مصادر الانبعاثات المرتبطة بالسياحة. توجيه جزء من هذا الطلب نحو الوجهات الداخلية يقلل هذه الانبعاثات ويوجه الإنفاق نحو الداخل بدل خروجه إلى اقتصادات أخرى.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي

من خلال تجربتي الشخصية في العمل مع المنظمات الدولية وزياراتي لعدة مناطق في موريتانيا، رأيت بنفسي كيف يمكن للسياحة الداخلية أن تعزز الاقتصاد المحلي وتدعم المجتمعات. السياحة الداخلية تعني أن الأوقية التي تُنفق تبقى داخل الدورة الاقتصادية الوطنية، بدل أن تتحول إلى عملة صعبة تُنفق في الخارج.

في قطاع الفنادق ودور الضيافة، ارتفاع نسب الإشغال يشجع على الاستثمار في توسعة المرافق وتحسين الخدمات.

أما الأسواق والمطاعم المحلية، فإن زيادة الإقبال عليها ترفع مبيعات المنتجات الوطنية، من التمور والحرف اليدوية في المدن التاريخية، إلى المأكولات البحرية الطازجة في المدن الساحلية. هذا الطلب يدعم المنتجين المحليين، ويشجع على الاستمرار في الحرف التقليدية وتطويرها لتلبية ذوق السائح المحلي.

وفي قطاع النقل الداخلي، يخلق ارتفاع حركة المسافرين حافزًا لتحسين الأسطول البري ، وزيادة عدد الرحلات، وتخفيض الأسعار في بعض الخطوط خلال مواسم الإجازات. هذه الخطوات، إلى جانب تحسين البنية التحتية على الطرق، تسهّل الوصول إلى الوجهات السياحية، وتخدم في الوقت نفسه حركة التنقل العامة داخل البلاد.

على المستوى الاجتماعي، تشجع السياحة الداخلية على التعارف بين سكان المناطق المختلفة، وتعزز الروابط بين الولايات. كما توفر فرص عمل مباشرة للشباب في مجالات الإرشاد السياحي، وتنظيم الرحلات، والأنشطة الثقافية، إضافة إلى فرص غير مباشرة في قطاعات الخدمات المساندة. كما أنها تشجع على تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية وفنية في مواسم العطل، وهو ما ينعكس إيجابًا على الحياة الاجتماعية في المناطق المستقبلة للسياح.

بهذه الطريقة، تتحول السياحة الداخلية إلى رافعة اقتصادية واجتماعية متكاملة، تدعم استقرار الاقتصاد الوطني، وتحافظ على الأوقية داخل البلاد، وتخلق حركية اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على جميع الأطراف.

الفنادق ودورها في الاقتصاد الدائري

هنا يظهر جانب مهم يتمثل في تطوير الفنادق بما يتماشى مع هوية كل منطقة، مع استخدام مواد البناء المحلية وأساليب العمارة التقليدية:

• آدرار: استخدام الحجر المحلي الذي ينسجم مع المناخ ويوفر عزلاً حراريًا طبيعيًا، وهو ما لاحظته خلال عملي في مشاريع للطاقة والاستدامة بالمنطقة..

• انواذيبو: موقع ساحلي يتيح الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل الفنادق والمنتجعات، بالإضافة إلى إمكانية تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المتجددة.

• الترارزة : المنطقة غنية بـ"التيفا" كمورد طبيعي للبناء، وهي مادة أثبتت فعاليتها بيئيًا واقتصاديًا عند ضغطها وتحويلها إلى طوب مضغوط من التربة المحلية.

في كل هذه التجارب، تبين أن الحفاظ على الطابع المعماري المحلي ليس مجرد مسألة جمالية، بل هو عنصر أساسي لخفض الانبعاثات وتقليل الاعتماد على مواد مستوردة، وبالتالي دعم الاقتصاد الدائري.

خاتمة

دعوة فخامة الرئيس لقضاء العطلة في الداخل ليست مجرد نصيحة، بل هي فرصة اقتصادية وبيئية واجتماعية متكاملة. من خلال تطوير الفنادق بالمواد المحلية، وتحسين البنية التحتية للنقل، وتنظيم فعاليات سياحية وثقافية، يمكن تحويل هذه الدعوة إلى سياسة عملية تدعم التنمية المستدامة، وتقلل الانبعاثات، وتحافظ على الأوقية داخل البلاد.

المهندس: باركلل محمد أحمد

مهندس متخصص في الأبنية الخضراء والطاقة النظيفة

معتمد من قبل المجلس الأمريكي للأبنية الخضراء

التاريخ

11/08/2025 دبي