يوم اقتربتُ من أبي عبيدة/د. زينب الددة

اثنين, 2025/09/01 - 15:34

يقول شيخنا الراشد – جعله الله في علييّين – إن كان في الأمة رواحل، فرجال "حماس" هم رواحل هذه الأمة، و معدنها النفيس، ومستقبلها الواعد.

لقد أخذوا الكتاب بقوة، وأيقنوا أن الجهاد أشرف مبتغى، فكانوا صف الأمة الأمامي وحراس هويتها.

 

منذ أن سمعت خبر استشهاد أبي عبيدة، الذي لم يتأكد بعد، لم أستطع الخروج من المنزل، ولا النظر في أي شيء. أعلم أن الشهادة اصطفاء، وأن المقاومة تستحق هذا الوسام، لكن علاقتي بأبي عبيدة خاصة، إذ رأيته بعيني، وكان على بُعد أمتار معدودة مني.

 

لم تدفعني العاطفة للاقتراب منه، أو توصيته بالدعاء، لأن اللحظة كانت لحظة يقظة أمنية نادرة: كل قادة حماس الذين في غزة كانوا حاضرين على المنصة، مع أبي الوليد الذي شاركنا الدخول من الخارج للمشاركة في ذكرى تأسيس الحركة عام 2012. كانت المنصة عالية، أنيقة، مضيئة بوجوه وضاءة، وأيادٍ متوضئة طاهرة. وعلى جانبها الأيمن مجسّم صاروخ شغل تفكيري النظر فيه عن الأناشيد والألحان التي ملأت المكان. كنت أتساءل: ما رمزية وجود الصاروخ في هذه المنصة؟ أهو رسالة بأن السياسة والمفاوضات لا تخرج إلا من رحم القوة المقاومة؟ أم هو تأكيد أن المواجهة حتمية وقادمة؟

 

كان المهرجان ذاك العام تخليدا لا يمكن وصفه، الحضور نوعي ومميز، والوفود تجاوزت ثلاثة آلاف، وجددنا جميعًا بيعة التأسيس لحركة حماس. وكانت الكلمة الأولى لتاج الأمة وحامل همّها الشيخ محمد الحسن الددو – حفظه الله – الذي أفتى في كلمته بوجوب دعم المقاومة بالمال والسلاح. تلاه أبو الوليد بكلمة قوية حددت الوجهة وصقلت المسار بأسلوب سياسي قوي وكيس في آن واحد.

 

ثم قال صاحب الربط : “الكلمة الآن مع أبي عبيدة”… وهنا ارتجف قلبي، وشعرت أني على موعد مع لحظة استثنائية. خرج أبو عبيدة من قلب ذلك الصاروخ المجسّم، في مشهد رمزي عظيم، وألقى كلمته. لكني لم أسمع من كلماته شيئًا، فقد غلبتني الدموع، وبقيت واقفة أدعو الله أن يحفظه، لأنه ارتبط في ذهني بلحظات مفصلية من تاريخ المقاومة وبطولاتها النادرة.

 

لم أتقدم خطوة نحوه رغم قربه الشديد. كنت أريد أن يختفي بسرعة، أن يغادر المنصة دون أن يصيبه مكروه. ورغم أنني لم أفهم كيف غادر، وما كنت أظن مكانته في القلب يمكن أن تزداد إلا أنني أحسست أن رؤيتي له نسجت له مكانة خاصة في سويداء قلبي، وأحكمت بيننا رابطة استثنائية، مع يقيني أنه سيمضي شهيدًا كما اختار لنفسه طريق ذات الشوكة.. جهاد النصر أو الاستشهاد.

 

أمثاله في المقاومة كثير – والحمد لله – لكني لم أحتج إلى ذات القدر من التصبّر عند ذكر استشهاده كما وجدت مع غيره من القادة. ربما لأن اللقاء المباشر يترك في القلب أثرًا لا يزول. ومع ذلك، أعلم أن الله لن يخذلهم، ولن يضيع جهادهم، وأن اختيار الله لعباده اصطفاء ورحمة، وقضاؤه كله خير.

 

لقد كانت كلمته الأخيرة كأنها كلمة مودّع، أقلقتنا على أنفسنا، لكنها زادت يقيننا بأن هذه الدماء الطاهرة هي التي تصنع النصر وتكتب للأمة حياة جديدة.

 

لقد ردد بصوته الصادق في جميع خرجاته تقريبا كلمة صادقة مؤثرة، بساطة ألفاظها وقوة معانيها ستجعل العدو يتيقن قبل غيره صدق أولئك الرجال مع ربهم. هل تذكرونها؟ إنها لازمة خرجاته الخالدة. 

 

"إنه جهاد، نصر أو استشهاد"