غزة والاحتلال..من يحاصر من؟!

ثلاثاء, 2025/06/03 - 18:34

لم يسبق أن انتصر المسلمون بسبب عددهم وعدتهم، بل بالتوكل والأخذ بالأسباب التي من أهمها فهم رقعة المعركة وأسلوب إيلام العدو وكسر هيبته ومعتقده.. وما يحصل من استنزاف للعدو في وحل غزة، صورة نصر تمرّغ أنفة جيش عاجز عن حسم معركة ضد عشرات الشباب في غزة، وتصيبه في الماديات التي لا يؤمن بسواها كمخلّص وعامل للتفوق والحسم.

 

حركات التحرر على مرّ التاريخ لم تهزم قوى الطغيان عسكريًّا،-وليس ذلك مطلوبًا منها-، لكنها كانت تضرب الغزاة في عمق معتقدهم المادي وتدخل إلى أنفسهم الشك عبر سياسة الاستنزاف.

 

في أفغانستان مثلًا غادرت أمريكا بعد 20 عامًا، يوم أدركت متأخرة أنها دخلت حربًا كلّفتها المليارات ولم تستطع حسمها بتفوقها العسكري، نفس الشيء حصل في تحرر فيتنام والجزائر وغيرهما.

 

فقوى الطغيان والظلم على مرّ التاريخ تؤمن بالأسباب المادية وتخوض الحروب بها ولأجلها، لذلك يؤدي استنزافها إلى تآكلها مع الوقت معنويًّا وحسابيًّا، وليس معيار فارق القوة العسكرية مانعًا من تفككها أو تراجعها وانكسارها.

 

وإذا عدنا إلى خطاب قريش لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحد عندما أخذ المسلمون وضعية الدفاع...قالوا: "العزى لنا ولا عزى لكم" — يوم قالها قادة قريش، لم تكن تعبيرًا عقائديًّا صرفًا فحسب عن رفيقة "اللات" و"مناة" و"هبل". بل كانت ذات مغزى دلالي أعمق يفخر صاحبه بوجود بيت يجمع آلهة العرب وقريش، يقصده الناس ويحجون إليه، ومنطقة ازدهرت اقتصاديًّا وسياسيًّا بفضل هذا البيت المقدس.

 

فكأن قريشًا تقول للمسلمين: إن إلهًا يُعبد في فلاة من الأرض من قلة مستضعفين، لا يُقارن بآخر جلب لأهله السيادة والريادة والمال والجاه، وجعل مكة معبرًا تجاريًّا كبيرًا ومرجعًا روحيًّا عظيمًا.

 

فالعقيدة هنا لا تنفكّ أو تنفصل عن الاقتصاديات والأسباب المادية، وعندما تتهاوى تلك الأسباب، تبدأ العقيدة ذاتها بالتآكل والانكشاف.

 

إذ لا بُعد روحيًّا حقيقيًّا يُسندها، بل تقوم على ما تجلبه من نفعٍ فوريّ، أو تفوّقٍ تقنيّ، أو وفرةٍ في العتاد، فإذا ضُربت في صميم هذه المرتكزات، تراجع الإيمان بها، وتسلّل الشكّ إلى صفوف أتباعها.

 

وهذا تماما ما تفعله حركات التحرر حين تُخضع الخصم لنزيف ماديٍّ ونفسيٍّ متواصل، فتتسلّل الهزيمة أولا إلى معنوياته، ثم إلى قراره السياسي، ولو بعد حين؛ لأن المعادلة عنده: ما لا يربح… لا يستحق أن يُؤمن به!

بقلم الإعلامي المصطفى محمد محمود