مراجعة التربية الإسلامية: تحصين مناهج أم قربان لأطراف دولية؟

سبت, 2017/07/08 - 12:51

في الوقت الذي يعيش العالم العربي والإسلامي في ظروف متأزمة، تطفو مناهج التربية الإسلامية على السطح، وتقدم كبش فداء يلقى عليه بكل ما يعيشه العالم الإسلامي من مشاكل وأزمات تتسارع وتيرتها وتشتد وطأتها ويضيق خناقها، وذلك تحت يافطة كبيرة كتب عليها: محاربة الغلو والتطرف، من أجل دحر الغول الذي لم تعرف طبيعته ولم يتفق على تعريف مانع جامع له وهو "الإرهاب".

الساحل.. يراجع المناهج المدرسية للتربية الإسلامية لاجتثاث الغلو

حتى دول الساحل الإفريقي التي تعتنق المذهب المالكي المعروف بسماحته وتوسيعه حيث تقوم إحدى ركائزه على  مراعاة الخلاف، وفق إمام الجامع الكبير بنواكشوط،  و امتازت الطرق الصوفية السائدة فيها _أي في هذه البلدان_ على امتداد الحقب الماضية بالمسالمة؛ رغم كل ذلك فإن مراجعة مناهج التربية الإسلامية مطروحة، حتى بالنسبة لهذه الدول التي تمتاز بهذه الميزات.

فقد أطلق وزير الشؤون الإسلامية الموريتاني الخميس ملتقى يدوم يومين لعلماء ودعاة وأئمة دول الساحل من أجل مراجعة المناهج المتبعة في تدريس التربية الإسلامية على مستوى المدارس النظامية في هذه الدول بغية تحصينها من الغلو والتطرف.

التربية الإسلامية والمحاربة العسكرية للإرهاب

ربط الوزير الموريتاني بين المراجعة التي يعكف علماء ودعاة وأئمة الساحل عليها لمناهج تدريس التربية الإسلامية وبين الجهود العسكرية المبذولة من أجل محاربة الإرهاب، وقد أكد الوزير أن موريتانيا المنخرطة في قوة عسكرية لدول الساحل ترمي إلى مواجهة الإرهاب "أعطت حيزا رحبا لهذا التوجه ضمن مقاربتها الأمنية والعسكرية لمحاربة التطرف والغلو حيث أصبحت قدوة ونموذجا يحتذى به إقليميا ودوليا وأشاد بها الجميع"بحسب حديث الوزير في الافتتاح.

وتعد موريتانيا عضوا بارزا في حلف الساحل المذكور، والذي ترعاه فرنسا وتدعمه الأمم المتحدة وأوربا بالمال، حيث توجد في موريتانيا أمانة دول الساحل الدائمة كما توجد فيها أكاديمية حربية تابعة للمجموعة، وكل ذلك يجعل من ملتقى انواكشوط المذكور غير بعيد من مساعي موريتانيا لمحاربة الإرهاب ضمن مقاربتها التي سوقتها في أكثر من محفل إقليمي ودولي.

رأس الإسلام وتيليرسون الوسطي المجدد

المملكة العربية السعودية الموصوفة بأنها للإسلام بمثابة الرأس من الجسد، ويؤكد ذلك تاريخ حافل من العطاء العلمي ونشر المعاهد السعودية للإسلام في عدد كبير من البلدان ومنها موريتانيا التي قررت مؤخرا إعادة فتح المعهد السعودي مجددا بعد إغلاقه من طرف نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع.

إلى ذلك فإن المملكة رأس الإسلام أصبحت تحت ضغوط ورهن تعليمات مباشرة وتوجيه من الوسطي المجدد ريكس تلرسون وزير الخارجية الأمريكي الذي طالب المملكة السعودية بسحب جميع الكتب "الوهابية" التي تغذي التطرف والإرهاب من كافة أرجاء العالم الإسلامي، واستبدالها بأخرى أكثر ملاءمة للعصر ووسطية واعتدالا، آخذا بذلك من رأس الإسلام رئاستها، ومنفردا بالريادة في الوسطية والتجديد.

مناهج تليرسون تقتلع الدعوة السلفية بجذورها

تقوم المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد عبد العزيز آل سعود في بدايات القرن العشرين على ركيزتين هما: عقيدة محمد عبد الوهاب وابن تيمية وابن باز ومن سار سيرهم، القائمة على انتزاع الدين من أيدي المبتدعين وأتباع الخرافة من الطوائف الإسلامية الأخرى، وعلى مؤازرة كل جهد يحارب هذه الطوائف الكافرة _بنظر السلفيين_ أو يحارب الكفر ذاته، ويدل على ذلك دعم شباب من السعودية للأفغان في حربهم ضد السوفييت في الثمانينيات وسيذيع من بين هؤلاء الشباب حملة الدعوة السلفية السعودية ذكر أسامة بن لادن الذي سيتزعم القاعدة ويتولى كبر قصف برجي التجارة العالميين بنيويورك ويحمل السعودية بعد ذلك ب15 سنة عبء ذلك حين ترتفع الأصوات المطالبة بالتعويض لضحايا الأحداث (قانون جاستا).

أما الركيزة الثانية التي تقوم عليها المملكة فهي المذهب الحنبلي الفقهي المرتبط أساسا بالشعائر لا العقائد، وهذا ما يعني أن مناهج تليرسون المتوخاة من دعوته للسعودية بسحب المناهج المغذية للعنف والتطرف، تقتضي سلب السعودية أهم ما نالت به منزلتها من الإسلم (الرأس من الجسد) وهو الدعوة السلفية، لتحتفظ بالمذهب الفقهي غير الملزم حقيقة، إذ المذاهب الإسلامية أربعة صحيحة، وقد عمد عدد من العلماء المسلمين إلى تجاوزها حتى، نحو التوفيق بينها واختيار أصحها دليلا وأقواها حجة، وهو ما يرى مفتي موريتانيا العلامة أحمدو ولد المرابط أن اتباعه أولى في خطبه التي طالما أكد فيها أن ذلك هو الأصل وهو المعتمد عند المالكيين، بل دعامة من دعامات المذهب.

حرب على الإرهاب أم تنافس في القرابين

وهكذا يبقى "تحصين" المناهج المتبعة في تدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس مجهول المحل من الإعراب، اللهم إذا ربطناه في السعودية بما يصبو إليه وزير الخارجية الأمريكي ومن ورائه الكونغرس، والذي يرمي إلى حذف كل مادة دينية إسلامية قد تدفع مسلما إلى استلال سيفه مدافعا عن نفسه أو إلى استخدام مفردة "الجهاد" المحظورة، والتي أحل الغرب محلها مفردة "الدفاع" التي يوجهها هو في مهاجمة الآخرين ويستخدم بها جيوش الدول المسلمة في حروبها بالوكالة عنه في أكثر من بؤرة صراع، كما يستنزف بها خيراتها ليكرس _أكثر_ حقيقة الخور والهوان المرتبطة بمنظومات الدفاع العربي المعتمدة في بعض الدول بالكامل على القواعد الأمريكية والأجنبية والمنشغلة بفاقتها وجوع شعبها في بلدان أخرى، وفي ظرف هكذا فمن الضروري التنازل عن من كانوا بالنسبة لرأس الإسلام يوما أئمة هادين مهديين وعن كل أفكارهم "المتطرفة"، في سوق القرابين المقدمة لصالح المخفر الأميركي المتحكم في العالم ولعالِمه ريكس.

وهنا في دول الساحل حيث انعقد ملتقى نواكشوط يومي الخميس والجمعة 6 و 7 يوليو 2017 تستطيل علامات التعجب على وجوه القراء وهم يقرؤون أن علماء وأئمة ودعاة الساحل يعكفون على السبل الكفيلة بإعطاء عناية أكبر للتربية الإسلامية في المناهج المدرسية ثم يكتشفون من وراء ذلك أن الهدف غير ذلك بل التنافس في استعراض منظومة أنجع ضد الإرهاب غير بعيد عن مقاربة أمنية (عسكرية) ضد هذا الغول مجهول التعريف، المرتبط فقط بالدين الإسلامي الذي طالما أكد ذات العلماء أنه دين السماحة والسلم مع المسالمين، فمن سيكسب الرهان في هذا التنافس المحموم المقتصر على نزع "ذات الشوكة" من دين الإسلام ولو مال اليمين حدَّ السقوط في أديان أخرى؟