الفيسبوك الموريتاني.. فضاء متنوع المضامين متحد المعايير

أربعاء, 2017/06/28 - 14:40

أنشأ الأمريكي مارك زوكربيرغ موقع "فيسبوك" عام 2004 كفضاء للتواصل الاجتماعي مع الأقارب والزملاء في الدراسة والمعارف الذين تعرفهم على أرض الواقع، وظل إلى حد قريب صارما في الحفاظ على هذه الطبيعة، ملغيا حسابات كل من يتبين خروجه عنها، فيظن المتضرر أحيانا أن حسابه قرصن، فيستميت في استعادته وأحيانا يُفلِح وغالبا ما يُخفق، بيد أن هذه الطبيعة لم تعد بتلك الصرامة ولا ذلك الصمود في بلدان كثيرة ليست نشازا عنها موريتانيا.

التطور الخارق في أعداد المستخدمين

تشير الإحصاءات في نهاية شتمبر من عام 2016 إلى وجود 1،79 مليار مستخدم “فعال ومتفاعل” شهرياً، وذلك بارتفاع نسبته 16% عن العام 2015، كما تشير الإحصاءات إلى أن فيسبوك أيضا هو الشبكة الاجتماعية الأكثر رواجاً في البلدان العربية، حيث بلغت الحسابات الفاعلة المتفاعلة بداية عام 2017 ما يقرب من 156 مليون مستخدم “فعال ومتفاعل”، بزيادة 41 مليون مستخدم مقارنة بعام 2016، الذي كان فيه إجمالي عدد المستخدمين في الدول العربية 115 مليونا.

موريتانيا وإن تأخرت على مستوى ترتيب أعداد المستخدمين في العالم العربي فقد ارتفعت نسبة "الفسابكة" _كما يطلقون على أنفسهم_ فيها لتصل عام 2017 نسبة 13% من السكان وفق إحصاءات موقع weedoo.tech المتخصص، وهي في المرتبة عشرين عربيا قبل الصومال وجزر القمر من حيث أعداد المستخدمين وهي التاسعة عشر في ترتيب الدول العربية من حيث مقدار الزيادة في عدد مستخدمي الفيسبوك عام 2017.

ويعتبر كثيرون هذه النسبة مرتفعة في بلد صغير لا يكاد يناهز تعداد سكانه ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة منها نسبة 54% فقط بين سن 15 و64، كما تعتبر زيادة المستخدمين انفجارا مفاجئا إذا ما قارنا النسبة المستخدمة بالنسبة التي كانت تتصفح الموقع خلال 2009 والتي لم تكن إلا أفرادا لا يصلون في أحسن الأحوال إلى نسبة 1%، فماذا يقرأ المتابع في الجمود على نسبة 1% من 2004 حتى 2010 والصعود إلى نسبة 13% بين 2010 و2017 في شعب أكثريته تحت سن الثامن عشرة؟

الطبقية في الفيسبوك الموريتاني

أبت الطبقية إلا أن تتجلى في الفيسبوك الموريتاني بشكل أو بآخر وإن لم تكن الطبقية بالمعيار الاجتماعي التقليدي، وتمكن الإشارة إلى أربع طبقات كبيرة بالرجوع إلى معيار المتابعين والأصدقاء وتسجيلات الإعجاب، فهناك طبقة النخبة النشطة والنخبة الهادئة والتفاعليون والحسابات شبه الميتة.

تتميز صفحات النخبة النشطة بالإكثار من المنشورات والخصومات مع من يرى أصحابها أنهم أنداد لهم، كما تستغرق هذه الصفحات إعجابات الكثيرين وتستحوذ على التعليقات المجاملة في أغلب الأحيان، خوفا من سيف الحظر المسلول دائما والذي ما يفتأ "النخوبي النشط" يهدد به أصدقاء صفحته ومتابعيها، مُقْنِعا إياهم بأن هذه الصفحة ملك شخصي له وله كامل الحرية في التصرف فيها كما يشاء، ونادرا ما تنزل تسجيلات الإعجاب في مثل هذه الصفحات عن حاجز المائة إعجابا مع عشرات التعليقات.

وتوجد على فضاء التواصل الاجتماعي هذا مجراتٌ كبيرة بعُمَّارٍ قلة، فطبقة النخبة منها ما يرفض الظهور في كامل حلته المعرفية، مكتفيا ببعض النقاشات في شكل ردود على بعض منشورات وتعاليق الأصدقاء، مُبقيا قامته منتصبة في شكل صورة ومعلومات وإن لم تعضدها منشورات وتفاعل بقيمتها وحجمها، اللهم إذا استثنينا منشورا نادرا تغطي عليه كثرة الغياب غالبا.

ولعل من أكثر طبقات الفيسبوك الموريتاني انتشارا طبقة المقلدين والنسخ واللصق والمنشورات الفكاهية القصيرة التي تعتمد أساسا على التفاعل مع اشتراط الرد بالمثل أو التفاعل بدون شروط مع الطبقتين الأُوليَيْن، كما تحوز الحسابات الميتة وشبه الميتة على نسبة معتبرة من مجموع الحسابات الموريتانية على الفيسبوك.

تنوع المضامين بتعدد الاهتمامات

ينقسم المدونون في الفيسبوك الموريتاني إلى فصائل من حيث اهتمامهم، فهناك الناشط الجمعوي والمناضل السياسي والمكافح الحقوقي والأديب واللغوي، إضافة إلى مزدوجي الاهتمام والخط التدويني وكذلك الفكاهيين، ولعل من غريب هؤلاء أن أغلبهم ينظر إلى المضامين والمحتويات _من صفحات لها اهتمام مختلف_ من زاوية اهتمامه هو على سبيل النقد، فمن الملاحظ مثلا أن ذا الميول الأدبية عندما يلتقي الناشط السياسي ينتقد عليه قيمةَ ما يكتبه الفنية وينصحه بترك ما هو منشغل به لعدم جدواه، تماما كما يفعل الحقوقي مع الأديب حينما يأخذ عليه إنشاء قصيدة رومانسية أو قصة من وحي الخيال، فالأَوْلى عند الحقوقي أن يصرف الأديب أدبه مباشرة لصالح المهمشين وهذا ما يقتل في نظر الأديب الأدب.

ويبقى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في موريتانيا، منبرا مهما وحرا يصعده الجميع، فهو عكاظ للشعراء، وكوفة وبصرة للنحويين، وروما في عزها للروائيين، ومحكمة سامية يحاكم فيها الحقوقيون النظام على واقع المسحوقين والمهمشين، كما أنه برلمان يستضيف أصحاب الرؤى السياسية المختلفة على سبيل المناظرة والمحاججة السياسية بأسلوبيها اللين والفظ الغليظ، دون أن يضيق مجال بغير المتخصصين.