مظلومية المادة 6 و استيلاب ثقافي على أعتاب نوفمبر!!

جمعة, 2025/11/28 - 14:30

" اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية "(1).

لا يكاد ينقضي عجبي من درس المادة 6 التي لقناها منذ بدايات مرحلتنا الجامعية ، فهي إذا قورنت مع كل ما المتناقضات و الفجوات في هذا المنتبذ القصي، فهي لوحدها تستحق تسطيرا تحت السطور و هوامشا تحت الهوامش حتى يفهم مغزى وجودها التي تستحق عليها جائزة ذهبية في تشبيك السواعد فما فعل ظلم مثل ما فعل بها و لا سال حبر مثل ما سال على مظلوميتها الخالدة في هذه الأرض. 

فهي لوحدها على حد تعبير المصريين كوم وكل المتناقضات الأخرى كوم آخر، فهي المادة المكرسة في أعالي الدستور قانون القوانين!، الذي هو القاعدة الأعلى و من تحصيل الحاصل عند العارفين بالمجال ان القانون الأدنى لا يمكن أن يخالف القانون الأعلى!! 

و يا ليت العارفين اطلعو على كم خالف القانون الأدنى القانون الأعلى! و كم كان القانون الأعلى قانونا أدنى و حدث و لا حرج.. 

فنحن الذين تخاطبنا جامعاتنا وفي وطننا وبين أهلينا وتحت اسم موريتانيا بلغة "فرنسا" الأوروبية!! 

كأنما هم قد تمت تعبئتهم بجالون كبير من المخدرات، فما دامت تلك الطبقة الحاكمة المصونة فأين نحن لا أقول مثقفو و أكادميو و مؤطرو جامعة الخلوات ، بل فقط أين نحن دهماء وعامة الناس من ذلك؟ 

 فحينئذ لا تحدثني عن لغة الإدارة وأنها ينبغي أن تكون لغة الدستور وأن لا تكون هوة بينهما، وأن لا تكون لغة المراسلات فكل تلك الاسطوانة تكون مشروخة و تصبح مجرد مواد جامدة قد مللنا من تكرارها وقفزنا نحن أيضا من فوقها كما تقفز السلطة التنفيذية على أختها التشريعية..

لا تحدثني عن المادة 6 وجامعة انواكشوط مازالت تخاطب أبناءها الموريتانيين بلغة "مولير" وقد كنت شاهدا على ذلك من خطابات الإدارة الرسمية وجداول الامتحان والاختبارات التي تنشر بتلك اللفة لغة فرنسا بين طلاب جامعة انواكشوط الشنقيطية بين قوسين : المحافظة !!.

و حتى أنك ترى ذلك في لحن الأطر و الكوادر التعليمية الكبيرة في البلد خصوصا تلك التي رضعت لبان التعليم ما بعد الحقبة الاستعمارية و نشؤو على الاستماع إلى المذياع الصباحي بتلك اللغة لتكون أول ما يطن في آذانهم في ذلك اليوم و ينفث أحدهم قبل ذلك نفثات من الدخان في السماء كأنما ينفث معها وطنه الذي لا يكترث له تلك سيماهم ، لا يخفى عليك في ذلك شيئ من فرنسة الدولة ،حيث طفت المسألة بشكل جلي على السطح و لم تعد مجرد مسألة عادية لا تتعدى أكثر من اثنين يتناجيان بفرنسية ركيكة. 

و هنا لا أتكلم عن الفرنسية كوسيلة و آلية للتعايش و إنما عنها كثقافة تخترق البنية في الثوب اللغوي البراق، و إلا لو كان خلاف ذلك لما وجدت رجلا من صحرائنا في جامعة انواكشوط يكلم صاحبه علنا و دون استحياء بل بتعال ثقافي في كثير من الأحيان بلغة مولير الفرنسي ابا عن جد، ابن فرنسا الاستعمارية و يبرر ذلك بمحاكاة العصر! و هو الذي لو كلم ابن جلدته باللغة المشتركة بينهما لكان ذلك أكثر سلاسة. 

و هنا تحضرني واقعة – ليست باليتيمة- لا استطيع نسيانها كلما ذكرت الفرنسة و ذكرت الإدارة فكأنما هما شيئان يصبان في نفس الاتجاه، فمما أسجله على جبين دولتنا المليئ بخطوط الكلمات اللاتينية المزركشة و غير المزركشة، وصمة عار لا أنساها تتعلق بتاريخنا الناصع بالضعف و الفرنكفونية. 

زرت ذات مرة إحدى كبريات مؤسساتنا و هي إدارة كبيرة الحجم، ضخمة البناية و الشكل ، عندما تدخلها تعتقد أنك في وزارة ، المهم أن اهتمامي كان يتعلق بتشريع معين و قد مررت عليهم في طريقي، حيث ذكر لي أنه قد يكون عندهم، حتى قالولي :كم تريد نسخة منه، فقلت لهم أنني لا أود غير نسخة واحدة و طلبو مني تسليم ناقل الملفات..

المهم أن ذلك المسؤول الذي قيل لي أنه يشغل منصب مدير في المؤسسة، ما ان فتح الجهاز حتى بدأ ينطق اسم القانون باللغة الفرنسية ،فأعربت له أنني لا أريده غير بلغتي الأم، المهم أنه تنحنح مرات بسبب شعوره بالخجل و لا أعتقد أنه عرف كيف يداري ذلك، ضغط ازرار الجهاز مرات بشكل سريع، ثم أخبرني بنفس السرعة بعد أن اقفل الجهاز أن جميع التشريعات التي عندهم حتى بما فيها تلك التي تتكأ عليها مؤسستهم موجودة فقط باللغة الفرنسية وقد قال ذلك بوجه كاسف و الغريب انه ذيل كل ذلك الاعتذار بعبارة يتحسر فيها قائلا ".. و صرتك بعد الا افظاحة..!!". 

نعم " افظاحة" و شر البلية ما يضحك، نعم افظاحة حين ما تتاح لك الوسائل و لا تتحرر من عقد المستعمر ، نعم افظاحة حين ما لا تستخدم الترابية الهرمية في خدمة الوطن و تقييم ومراقبة القوانين ، نعم افظاحة عندما نعين الموظفين غير الأكفاء في المؤسسات الكبيرة و السيادية للدولة أبناء القبائل و أبناء الحظوة السياسية. 

تصورو معي هذه المؤسسة ذات الاستقلالية و مثيلاتها الكثيرة في بلادنا المستقلة منذ الستينات تصورو أنهم لم يتحررو حتى اليوم من القيود الثقافية للمستعمر درجة ان تسجل كل النظم التشريعية الخاصة بك و التي تصدر عن الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية بالعربية فتأبى الا ان تختار لغة المستعمر انبهارا أو لا مبالاة فالنتيجة واحدة : استيلاب ثقافي!.

------------

1)-لأمرالقانوني رقم 1991-022 المتعلق بدستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية بتاريخ 20 يوليو 1991 – الجريدة الرسمية رقم 763 بتاريخ 30 يوليو 1991. 

المعدل بموجب :

-القانون الدستوري رقم 2006-014 بتاريخ 12 يوليو 2006 – الجريدة الرسمية رقم 1122 بتاريخ 15 يوليو 2006. 

-القانون الدستوري رقم 2012-015 بتاريخ 20 مارس 2012 – الجريدة الرسمية رقم 1262 بتاريخ 30 ابريل 2012. 

-القانون الدستوري رقم 2017 -021 بتاريخ 15 اغشت 2017 – الجريدة الرسمية رقم 1393 مكرر بتاريخ 15 أغشت2017. 

-القانون الدستوري رقم 2017 -022 بتاريخ 15 أغشت2017 – الجريدة الرسمية رقم 1393 مكرر بتاريخ 15 أغشت 2017