أقوال العلماء في حُكم الأخذ من شعَر المضحي بعد دخول العشر/د. مولاي إسماعيل الشريف

ثلاثاء, 2025/05/27 - 23:50
الدكتور مولاي إسماعيل القرشي الشريف - باحث متخصص في الدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

أقوال العلماء في حكم الأخذ من الشعر والظفر -بعد دخول عشر ذي الحجة- لمن أراد أن يضحي:

اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال وذلك بسب وجدود حديثين ظاهرهما التعارض وهما: 

1-عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، ‌وَأَرَادَ ‌أَحَدُكُمْ ‌أَنْ ‌يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، قِيلَ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرْفَعُهُ، قَالَ: «لَكِنِّي أَرْفَعُهُ» رواه مسلم 3/1565برقم 1977

2- ما رواه الشيخان من حديث عائشة ما يدل على خلاف هذا وهو قولها رضي الله عنها: 

عَنْ ‌مَسْرُوقٍ: «أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ، فَلَا يَزَالُ مِنْ ذَلِكِ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ ‌كُنْتُ ‌أَفْتِلُ ‌قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ.» ورواه مسلم بلفظ : «‌كُنْتُ ‌أَفْتِلُ ‌قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ، ثُمَّ لَا يَعْتَزِلُ شَيْئًا وَلَا يَتْرُكُهُ» 

قال النووي في شرح مسلم 13/ 138: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا دخلت العشر ‌وأراد ‌أحدكم ‌أن ‌يضحى فلا يمس من شعره وبشره شيئا) وفى رواية فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظُفُرًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أصحاب الشافعي أنه يحرم عليه أخذ شيء مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تنزيه وليس بحرام وقال أبو حنيفة لا يكره وقال مالك في رواية لا يكره وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يقلده ويبعث به ولا يحرم عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا يحرم ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الظُّفُرِ والشعر النهى عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أَوْ غَيْرِهِ وَالْمَنْعُ مِنْ إِزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إِحْرَاقٍ أَوْ أَخْذِهِ بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءُ شَعْرُ الْإِبْطِ وَالشَّارِبِ وَالْعَانَةِ وَالرَّأْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُعُورُ بَدَنِهِ .

الخلاف في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول : الكراهة وهو قول أكثر أهل العلم وبه قال الشافعي لتعارض مع حديث عائشة وهو في الصحيحين وهذا في مسلم و الجمع بينهما يقتضي الأخذ بأقل ما يحمل عليه النهي وهو الكراهة ، وقياسا على الهدي فإذا كان الهدي لا يمنع من شيء فكيف تمنع منه مجرد نية التضحية؟ 

وقال الشوكاني -رحمه الله- : لِأَنَّ التَّفْوِيضَ إلَى الْإِرَادَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ 

القول الثاني : التحريم أعني تحريم إزالة الشعر وقد الأظافر في الأيام العشر لمن أراد أن يضحي وبه قال أحمد وداوود لأنه الأصل في النهي وقول فيقدم على الفعل ولأنه خاص فيقضي على العام وهو قول أحمد ، والقائلون بالتحريم لا يوجبون منه شيئا يقول ابن قدامة -رحمه الله- : إذا ثبت هذا، فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار، فإن فعل استغفر الله تعالى. ولا فدية فيه إجماعا، سواء فعله عمدا أو نسيانا .

القول الثالث : الإباحة وهو قول أبي حنيفة ورواية عن مالك لأن المضحي لا يحرم عليه الوطء واللباس، فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار، كما لو لم يرد أن يضحي ، قال أبو عمر بن عبد البر : وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ .

والقول بالإباحة هو الذي رجحه أبو عمر بن عبد البر فقال : وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي عليه السلام أنه قال: إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره؛ لأن في هذا الحديث النهي عن أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره أو من شعره كل من أراد أن يضحي، والهدي في حكم الضحية، وفي حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد تقليده الهدي لم يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم فهو معارض لأم سلمة، وهو أثبت منه وأصح. ، وذكر أن حديث أم سلمة فيه ضعف وبينه بما ذكر مما فيه من جهالة بأحد رواته ، ثم قال أبو عمر : ترك مالك أن يحدث بهذا الحديث في آخر عمره وقال عنه عمران بن أنس فقال : ليس من حديثي قال فقلت لجلسائه فقد رواه عنه شعبة وهو يقول ليس من حديثي ، وهذا ما يؤكد قول أبي عمر إنه رجع عنه.

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

كتبه . مولاي إسماعيل الشريف

M2IM2I2011@GMIL.COM

مكة المكرمة -غرة ذي الحجة -عام 1446هـ