متلازمة ترامب .. امتزاج الإثارة والغرائبية/ اشريف محمد يحيى

أحد, 2025/04/27 - 06:39

 كُرّه إليه من دنيا الناس حضور المرأة، وجُعِلت قرة عينه في فرض الرسوم الجمركية!..

  إنه دونالد ترمب الرئيس الذي لُدِغت أمريكا من جحره مرتين؛ فدخلها على حين غفلة من تاريخها، ثم لما ألقته من نافذة إنهاء العهدة عاد من باب الانتخاب كَرّة أخرى، متأبّطا شعار: "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"!..

   عظمة أقامها ترمب على ركنين: احتقار المغلوب، ومناطحة المنافِس -خارجيا- ورصد لدعايتها الانتخابية -داخليا- لسان سلْقٍ سلّطه على خصمه مرشح الحزب الديمقراطي. 

**ترمب.. وعقدة نون النسوة!**

وقد نصبَ له حظّه فخّ مفارقة حين أوقعه في مستنقع الولوغ في "العرض السياسي" لمنافستَيه في سباقي الرئاسة: هيلاري كلينتون (في الجولة الأولى)، وكامالا هارس (في الجولة الثانية)، ليأتي كابوس نانسي بيلوسي فاصل اعتراض بين هيلاري وكامالا؛ إذ جدّت رئيسة مجلس النواب الأمريكي (في مأمورية ترمب الأولى) في إزاحة أبي إيفانكا وسعت لمحاكمته، ثم شفعَت الإجراء القانوني بالإهانة المعنوية حين أحالت أوراق أهليته إلى المصحّة العقلية، ثم صعّدت حدّة "التحدي" فمزّقت خطاب ترمب -داخل قاعة الكونغرس- أمام عينيه، بعد تجاهله مصافحتها، في خطوة قد تدرك بها "تاء التأنيث" الأمريكية -خصوصا- و"نون النسوة" الغربيةُ -عموما- بعض ثأرها عند الرئيس الأمريكي، وهي "استفادة" دخلت على خطّها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي شربت من كأس التجاهل، حين ردّ ترمب يدها صفرا في موقف شبيه بموقفه مع نانسي!

**بين فرض الرسوم وسخرية "الرسوم"**

    ويبدو أن الرئيس الأميركي غريبَ الأطوار قد ضغط تصفية حسابه مع المرأة في "مكسب" إزاحة منافسته كامالا، لينتقل إلى ملفّ الرسوم الجمركية؛ التي كان يَعدّ فرضها يومَ عيد وطنيا!

     ومن هنا بدأت "حرب الرسوم"، التي كانت "جمركية" اقتصادية في نسخة واشنطن، و"متحرّكة" ساخرة في نسخة بيجين!

   وقد لخّصت الصين الحرب في "معركة القبّعة"؛ مقدّمة قبعة ترمب الانتخابيةَ الحمراء آيةَ نصر صيني، ودليل انكسار أمريكي. فقد نشرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ -عبر حسابها على منصة "X"- صورة قبعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي كان يعتمرها في الانتخابات، وكان مكتوبا عليها بخطّ عريض شعاره الانتخابي البارز: "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، ومهرَت ماو الصورة بتعليق شارح، حيث كتبت: (قبعة ترمب "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" صنعت في الصين)!

   ليبدأ "مفعول" التغريدة من حيث توقف مُخرَج "رسوم" ساخرة تظهر مشاعر الكآبة على وجوه الأطفال الأمريكيين، وهم يتجولون في أروقة محلات الألعاب في واشنطن ملتمسين أجنحة عرض طالما غزتها المنتجات الصينية في عقر دارها، فلا يجدون بديلا مقنعا، بل لا يجدون إلا أشباح ألعاب لا تُلهي ولا تُمتع!

  ومواكبة للعصر جاءت "الرسوم المتحركة" الصينية على شكل مقاطع مصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي، منها مشهد متخيل لروبوتات ترقص في شوارع مدمرة، على أنغامٍ آليةٍ، مردّدة هتافا موحدا: 

"وعدتَنا بالنجوم في يوم التحرير، لكنّ الرسوم (الجمركية) دمّرت سياراتنا الصينية الرخيصة"! (و"يوم التحرير" هو الاسم الدعائي الذي وضعه ترمب عنوانا لإعلان قرار فرض الرسوم الجمركية الأمريكية)!

   ولم تكتف الصين بالرد على الرسوم الجمركية بـ"رسوم" دعائية؛ بل جزَتها بمثلها؛ إذ أعلنت -رسميا- إجراءاتٍ اقتصاديةً مضادة، شملت فرض رسوم جمركية على واردات أمريكية، وقيودٍ على بعض الصادرات.. 

ليأتي الرد "الكلامي" من ترمب، الذي عدّ المقاطع الساخرة "مجرد إزعاج"!. على حين وصف متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية رسوم ترمب الجمركية بأنها "تنمّر اقتصادي"!

   **بوش/ترمب.. وسيرك الاستعراض**

  شعار "عظمة أمريكا" الذي رفعه ترمب تصريحا، استحضره سلفه الجمهوري جورج بوش (الابن) ضمنيا؛ وتحت دخانه قاد واشنطن نحو غزو بغداد وكابل، ليكون اسم "كلينتون" لافتة مرور بارزة وعنوانا مشتركا في صراعي الرئيسين الجمهوريين بوش وترمب مع الحزب الديمقراطي و"إدارَتَيه"، إذ أزاح بوش غريمه بيل كلينتون (الزوج)، وأطاح ترمب بمنافسته هيلاري كلينتون (الزوجة)، ليؤلّف بين الاثنين جامع الغطرسة والسفور -في السياسة والموقف- ويستأثر دونالد ترمب بدور "المهرّج المرِح". ذلك الدور الذي افتتحه من حلبة المصارعة الحرّة -قبل الرئاسة- لمّا ظهر في مقطع مصور، وهو يجزّ رأس أحد المصارعين بآلة الحلاقة، في مشهد سيُقرأ -لاحقا- من زاوية أخرى: غيرةِ ترمب على شعر رأسه من "المنافسة" وإدلاله به عند التفاخر، ومن هذا الباب تصريح "طريف" انتقل فيه ترمب -خلال مأموريته المنفصلة الحالية- من التصرف الشخصي إلى الموقف السياسي، حين قال: "في حالتي أحب الاستحمام جيدا؛ للعناية بشعري الجميل".. ثم أردف -في التصريح نفسِه: "أؤمّل أن يوافق الكونغرس على إلغاء لوائح المياه لتخليد ذكراه" (يعني إبطال لوائح بايدن الخاصة بالمياه)!

 **غريب أطوار برتبة رئيس**

 ولو ذهبت أتتبع "طرائف" ترمب "السياسية" لخرجت من ذلك بما يصلح مادة لمجلّد عن "نوادر" ذلك "الرئيس المهرّج الذي أدار البيت الأبيض على مزاجه"، وكان يطلق التصريحات "في الهواء" وهو على متن طائرته، ويعلن الإقالات عبر منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن تلفظَه الأخيرة -من خلال حظره على منصتي فيسبوك وتويتر- ليذهب مغاضبا، ويمارس هوايته في "المناطَحة"، فينشئ -ضِرارا ومراغمةً- منصته الرقمية "تروث سوشيال" (Truth Social) ويجعلها عصب مجموعة "ترامب ميديا أند تكنولوجي" (Trump Media & Technology" Group)، وقريب من موقف ترمب من المرأة والسياسة الخارجية -مع فارق "التوقيت السياسي"- ما ترويه كتب التراث ومصادر التاريخ الإسلامي عن ملك الروم نقفور، الذي "تنمّر" على الإمبراطورة إريني التي كانت تحكم قبله، وأرسل إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد يطلب منه إرجاع الجزية التي كانت تدفعها لبغداد، عادّا موقفها "حمقا نسائيا"، ملوحا باجتياح العراق، وطيّ الخلافة العباسية في أملاك الإمبراطورية البيزنطية.. على أنّ مختصر المفارقة في "الظاهرة الترمبية" -العابرة للتاريخ والجغرافيا- كامن في مسألتين:

ثراء متحكِّم، وجنون مُطاع!