
ظهرت مقالات عدة لمسؤولين كبار من بينهم وزراء؛خلال الأيام القليلة الماضية؛ يتناولون فيها وجهة نظرهم حول سنتين من تسيير النظام الحالي الذي هم جزء من مسيرته.
حضر المسؤولون في الفضاء المكتوب معبرين عن وجهة نظرهم كنخبة لهذا البلد و كمسؤولين عن تسييره من ناحية أخرى.
و كتبوا آراءهم و عرضوا معطياتهم بكل أريحية و إنسيابية؛ الفرق الوحيد بينهم و بين الكتاب الآخرين؛ أنهم يُسيرون مرافق عمومية هي محل تقييم و تساؤل لكل مواطن يتابع نهضة وطنه.
و من الطبيعي جدا أن يختلف قالب المقال الرسمي الذي يكتبونه عن قالب المقال العمومي الذي نكتبه؛ فلكل كاتب بيئة و حيز شخصي يؤثر على كتابته دون أن يفقد المضمون بوصلته.
إن نزول المسؤولين الرسميين إلى فضاء الكتابة في المواقع الإلكترونية، ظاهرة إيجابية تقلص الهوة بين رسائل الكتاب "العمومين" الذين يحملون رسائل العامة(موالاة و معارضة)؛ و بين بريد أصحاب الشأن العام الذين تعودوا أن لا يتفاعلوا مع تلك الرسائل إلا بعد كثير من الوقت و التكرار و حتى تأخذ مسارا أكثر ملامسة لبرجهم الرسمي.
إنها ظاهرة صحية تواكب صدى صوت النخبة المثقفة في منصاتها الإلكترونية لتعطي صورة حية لواقع حركة قطار التنمية و بشكل أكثر تنوعا و أقوى دلالة.
و لأنها ظاهرة جديدة نوعا ما على ساحة الفضاء المكتوب؛ لا بد أن تمر بمرحلة شد و جذب حتى تستقر و تصبح قاعدة و ليست خطوة عابرة.
و لاشك أن كتاباتكم -أيها المسؤولون- تهمنا جيدا ككتاب؛ و تمنحنا فرصة جواب أسئلة و طرح أسئلة أخرى؛ فالعملية الإصلاحية هي عملية حوارية تشاورية على كل المستوايات.
و لئن كان الخطاب الموالي يُؤخذ عليه المبالغة في نقل الصورة بشكل وردي لا شائبة فيه؛
و الخطاب المعارض يُؤخذ عليه قراءة الأوضاع بأسلوب جاف لا وردية فيه،
فإن إلتقاء الخطابين و تلاحمهما؛ يصقلهما و ينمي فيهما روح الألفة و الإنصاف و الواقعية.
فحري بنا أن ننصت مليا لأصوات من يسيرون البلد حين يوجهون خطاباتهم إلينا بأسلوب أكثر إنفتاحا.
و أن نحاول مسايرتهم في ما يسردون من حقائق بتسجيل ملاحظاتنا بكل تريث و أناة، لتكون جزءا من بنية إطلالاتنا المستقبلية؛ دون ان ننزوي في برجنا الإفتراضي و نبحث عن رد على تساؤلاتنا بعيدا عن الواقع.
و لا شك أيضا ان كتاباتكم- أيها المسؤولون- تهمنا كقراء حتى نتمكن من نقل الصورة مباشرة ممن هو المسؤول الأول عنها.
و لئن كان الواقع يتحدث عن نفسه؛ إلا أن حديث الموقعين بإسمه يفك شفرات و يفسر معان لحديث الواقع، قد تكون غائبة عن الكثيرين.
إن البحث عن المثالية من طرف الناقد و المنتقَد قد يجعل عملية البحث عن الحقيقة و معالجتها؛ تسير ببطئ شديد.
فلا أنت ايها الناقد المحنك و الكاتب الماهر بمعزل عن الخطإ و المبالغة و الإكراهات أحيانا.
و لا أنت أيها المسؤول الرسمي بمأمن عن العثرات و التعالي و التكلف.
فالجميع وجهان لعملة واحدة يراد لها أن تكون قوية و متميزة.
و لن تكون كذلك إلا بحضور الوجهين في وقت واحد.