
أماه منت الوالد (43 سنة) بدأت تجربة غسل الكلى عام 2005، وهي الآن مسجلة بمستشفى زايد بالعاصمة نواكشوط، حاولت الحصول على فرصة للذهاب للخارج لكن إمكاناتها المادية تحول دون ذلك.
وتقول "نعاني من انقطاع الكهرباء أثناء عملية الغسل، ومن البنية التحتية للمركز المتهالكة، فأجهزة الغسل الكلوي القديمة القليلة مقارنة بعدد المرضى، إضافة إلى تعطل بعضها..".
أما جارية بنت علي التي كانت تتابع حصة العلاج بإحدى العيادات حيث ترقد وقد أسلمت ذراعها للوصلات الممتدة الشفافة لمكانة الغسيل الكلوي.. تتجاذب أحيانا أطراف الحديث مع النسوة اللواتي يجلسن إلى جانبها في نفس الغرفة لكن الكل الآن يلوذ بالصمت فيما تحاول بعضهن استراق غفوة وقت القيلولة والهاجرة.. فلا بد من احترام وقت الجلسات الذي لا يكاد ينقطع في إحدى عيادات التصفية بنواكشوط.
تقول جارية بنت علي إنها تصفي منذ 2010 بعد تعرضها لنزيف ناتج عن ولادة متعثرة وهي الآن تتابع حصص العلاج الثلاث كل أسبوع، تحضر من دار النعيم حيث تقيم أسرتها المكونة من زوج وثلاثة أطفال يملؤون حياتها رغم معاناة المرض والبؤس.
تتحدث جارية كغيرها من مرضى التصفية عن فاتورة باهظة للأدوية التي تتعاطها بما فيها أدوية الضغط وعن معاناة النقل وتكلفته التي تزيد على 800 أوقية في الذهاب والعودة إلى العيادة وعن حاجة المريض لنظام عذائي خاص مكلف لا يملك الكثيرون الوفاء باحتياجاته المادية لكن ما يؤرقها أكثر هو تكلفة الفحوصات الدورية وأدوية الحديد والكالسيوم التي لا يتكفل بها صندوق التأمين الصحي.
وهو ما تراه مطلب ملح على السلطات تلبيته لصالح المرضى حتى يكون التكفل بهم شاملا وذا جدوائية.
حراك دون جدوى
قادت مجموعة من مرضى الفشل الكلوي السنة الماضية حراكا من داخل المستشفى الوطني، حيث نظموا وقفات أمام الإدارة، وتطور الأمر بالتنسيق مع بقية زملائهم في المستشفيات الأخرى، ووصل حراكهم إلى التظاهر أمام القصر الرئاسي.
كانوا يأملون منه رمي حجر في المياه الراكدة منذ سنوات، ليحركوا بذلك الجهات المعنية من أجل تغيير الوضعية التي يعيشها من يعاني من مرض الفشل الكلوي.
يقول المتحدث باسمهم اعل ولد سالم إن إدارة المستشفى الوطني استدعته في البداية للاستماع إلى مشاكلهم، ووعدتهم بتحسين الظروف. لكنها لم تتحرك بعد، ملخصا رأيه حول القضية بأن المشكلة هي غياب الإرادة لدى الإدارة.
قلة الحيلة
وأمام هذا الوضع الصعب في المستشفيات العمومية، تقول أماه إن من لديهم الإمكانات من المرضى يذهبون إلى الخارج بحثا عن مستشفيات أفضل، أو إلى عيادات خاصة.
يرتاد مركز الغسل الكلوي بالمستشفى الوطني أكثر من 290 شخص، يتقاسمون معاناة المرض ذاته. وحال المركز المريع: قطط تتجول بين الأسرّة، وأسرّة متهالكة بعضها يقف على حجارة مما يجعل حياة مستخدمها في خطر.
لا يعتبر المرضى أن هناك مشكلة في تعامل فريق العمل نفسه مع مرتادي المستشفى، بل في العمل الموكل إليهم نظرا لعددهم القليل، ويضيفون "مشكلتنا الحقيقية في الأسرّة، فقد أصبحت غير صالحة لشيء، نقضي عليها أربع ساعات، ولا نقوم حتى نصاب بآلام في الظهر، كما أن أجهزة الغسل الكلوي أصبحت قديمة، وبعضها لم يعد يعمل".
حالة مركز الغسل الكلوي بالمستشفى الوطني وعيادة الحياة لايختلفان عن غيرهما من مراكز التصفية في العاصمة نواكشوط وفي مدن الداخل.
نصف مليار أوقية
وخلال العام 2020 قالت وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة، إن أكثر من نصف مليار أوقية من ميزانية الدولة الموريتانية مخصص سنويا لمرضى الفشل الكلوي.
وأعلنت الوزارة حينها في بيان صادر عنها ان هذا المبلغ موجه للتكفل بجميع حصص التصفية مجانا لجميع مرضى التصفية من المواطنين على عموم التراب الوطني.
وبحسب البيان يستفيد جميع أفراد هذه الفئة الكريمة( من غير المستفيدين من التامين الصحي ) من دعم مالي سنوي مخصص للنقل، و تستعد الدفعة الأولى منهم لاستلامه برسم السنة الجارية 2020.
وقال البيان، إن "القطاع بادر في غضون هذه الظروف الاستثنائية التي يعرفها البلد و العالم أجمع إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الخاصة بهم منها تزويد وكالة تآزر وبشكل خاص بلائحة جميع مرضى الفشل الكلوي متضمنة أرقامهم الوطنية وأرقام هواتفهم وقد تأكد القطاع انه تم الاتصال بهم لتحديد أماكن تواجدهم تمهيدا لاستفادتهم من الدعم المقدم للفئات الأكثر هشاشة".
وتابع البيان قائلا: "هذا بالإضافة إلى تخصيص ثلاث حافلات نقل و تسهيل عمل بعض الجمعيات لنقل مرضى الفشل الكلوي الذين يستفيدون من حصص التصفية داخل أوقات حظر التجول؛ واستفادة مائة أسرة من أسرهم من الدعم المقدم لبعض الأسر الهشة ( معيلات أسر و ذوي إعاقة) بالتعاون مع مفوضية الأمن الغذائي، تسليمهم عددا معتبرا من أدوات النظافة".
النقل مجانيا
وأعلنت الوزارة خلال شهر ديسمبر من نفس العام التكفل بنقل مرضى "تصفية الكلى" من مراكز التصفية إلى منازلهم أثناء فترة حظر التجوال.
وحددت الوزارة المستشفيات والعيادات التالية لنقل مرضى التصفية منها نحو منازلهم:
- مركز الاستطباب الوطني
- مستشفى الصداقة
- مستشفى الشيخ زايد
- عيادة الحياة.
معاناة تتفاقم
الدكتور المصطفى ولد سيدي اخصائي أمراض باطنية قال إن مرضى الفشل الكلوي معاناتهم تتفاقم بشكل يومي، لا فتا إلى أن كل مريض يزور الطبيب أكثر من مرتين في الأسبوع للتصفية، مردفا أن النظام الغذائي يشكل هو الآخر معاناة يصعب وصفها، خاصة إذا عاد المريض إلى ذويه، لأن هناك كثير من الأسر لايمكنه توفير بعض الأغذية التي ينصح بها الطبيب، مثل اللحوم الببضاء والأسماك وغيرهما من بقية الأطعمة، رغم أنه في المقابل هناك كثير من الأطعمة التي يحرَِمها الطبيب على مرضى الفشل الكلوي.
وأشار ولد سيدي إلى أن المرضى الذين يعانون فشلا كلويا مزمنا يجري الواحد منهم ثلاث حصص للتصفية كل أسبوع، مؤكدا أن كل حصة تتواصل لمدة 4 ساعات على الأقل.
وأكد ولد سيدي أن كل حصة من تلك الحصص الثلاثة سيكون فيها دواء تارة يكون عبارة عن حقنة لنقص مادة الحديد لدى بعض المرضى بالإضافة إلى كثير من الأدوية الأخرى كأدوية السكري والضغط الخ.
ولفت ولد سيدي إلى أن هذه الأدوية المزمنة يشتريها المريض بأثمان باهضة رغم أن أغلب المرضى يعانون من الفقر وسوء التغذية، رغم أنه في المقابل يمكن لأي مرض أن يؤثر على المصابين بالفشل الكلوي.
وأشار ولد سيدي إلى أنه لوحظ مؤخرا أن المرض ازداد بشكل مطرد، في حين أن الحكومة والجهات المعنية لاتوجد لديها سياسة واضحة الاستيعابهم، لافتا إلى أن أزمة كوفيد - 19 ضاعفت من معاناتهم.
وأضاف: "مراكز التصفية تزداد فيها الأعداد والمعاناة بشكل يومي رغم أن بعض المراكز أصبحت غير قادرة على استيعاب المرضى هذا إذا ما استثيننا المركز الذي تم الإعلان عنه مؤخرا في المستشفى الوطني، رغم أنه ليست هناك إحصائيات رسمية لمرضى الفشل الكلوي هذه السنة على الأقل".
أرقام مخيفة
الأمين العام لجمعية بإحساننا تستقيم الحياة محمد ولد الطالب قال إن مرضى الفشل الكلوي لايمكن حصر معاناتهم وقد ازدادت بسبب أزمة كوفيد - 19.
وأردف ولد الطالب أن مرضى الفشل الكلوي ينقسمون إلى قسمين قسم يأتي للمستشفيات 3 مرات أسبوعيا من أجل التصفية، وقسم مصاب بالفشل الكلوي لكنه لايحتاج التصفية.
وأضاف ولد الطالب: "بالنسبة للذين يحتاجون التصفية عددهم يزيد على 1000 بقليل وقد ينقص عنها، أما القسم الثاني فلاتوجد إحصائيات رسمية عن عددهم".
وأشار إلى أن مرضى الفشل الكلوي الذين يحتاجون التصفية يرتادون المستشفيات التالية:
- المستشفى الوطني 270 تزيد وتنقص.
- عيادة الحياة 120
- مستشفى الصداقة 130
- مستشفى الشيخ زايد 85 ويصل في بعض الأحيان 90 و 100.
- عيادة الصفاء تصل 40 وفي بعض الأحيان تزيد على ال 50.
وتابع ولد الطالب قائلا: "هذا بالإضافة إلى عواصم الولايات فكل عاصمة ولاية توجد فيها مابين 30 إلى 40 ممن مرضى الفشل الكلوي الذين يحتاجون التصفية".
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.