في إحدى زوايا السوق المزدحم يقف الشاب محمدو ولد سعيد ليلتقط أنفاسه بعدما اشترى بغيته من الخضروات والتي لم تكن سوى رزم صغيرة لا تتجاوز بضع كلغرمات من البطاطس والبصل والجزر والطماطم هي كلما جاد به دخله المتواضع لشراء احتياجات رمضان، فالغلاء والمضاربة في الأسعار هي ما جعله يقصد سوق "المغرب" بحثا عن سعر أفضل وسلعة أجود.
يقول محمدو وهو يشير إلى خنش البطاطس والبصل المكدسة أمام محل قريب "تصور أننا نشتري كلغ البصل أوالبطاطس بأزيد من 350 أوقية في الوقت الذي لا يزيد سعره في السوق اليوم عن 180أوقية لكنه الجشع والانتهازية لدى تجار التجزئة والذين يجدون ضالتهم في مثل هذه المواسم.."
زحام واكتظاظ
غير بعيد كان البائع سعد بوه ولد محمدفال ينادى على معروضاته من البطاطس والبصل في الوقت الذي تراجع فيه إقبال المتسوقين مع ارتفاع النهار واشتداد الحرارة لا يعرف المراهق سعدبوه بالتحديد أسباب غلاء الخضروات هذا العام فقد ترك التعليم من المرحلة الابتدائية قبل أربع سنوات ليتفرغ لبيع الخضروات في سوق المغرب لكنه لا يتوقع أي انخفاض في الأسعار في الأسبوع الأول من الشهر الفضيل وبعدما وصل سعر "ربطة " البصل والبطاطس 7100أوقية بعدما كان سعر الرابطة قبل رمضان في حدود 5000أوقية .
من أعلى تبدو السوق كفضاء من الأخبية ومظلات الشمس المتراصة في غير نظام تقطعها جيئة وذهابا حركة الباعة والمتسوقين ودافعي العربات اليدوية فيما تزكم الأنوف عفونة الخضروات والفواكه والتي تجذب الذباب وقطعان الماشية بينما تظل محلات الدور الأول من السوق الاسمنتي خاوية على عروشها ولا تجد من يؤجرها ليس بسبب غلاء الإيجار والذي قد يصل70ألف أوقية عن المحل الواحد ولكن بحثا عن موقع بيع أفضل حتى ولو كان نهر الشارع العمومي يقول بائع الخضروات المصطفى ولد أبريك إن العرض في الشارع أقل تكلفة رغم ما يتسبب فيه من زحمة واكتظاظ وإعاقة لأي جهود إنقاذ في حالة الطوارئ –لا قدر الله – لكن صغار الباعة ليسوا المستفيدين وحدهم من هذا الوضع بل تعمل السلطات البلدية والأمنية على تكريسه من خلال تحصيل رسم 500أوقية شهريا عن كل منفذ عرض ، وتفرض عناصر الشرطة إتاوة بمبلغ 200أوقية كل أسبوع على الباعة حتى لا تجليهم عن المكان.
مضاربات وتقلبات في الأسعار
يرى البائع ولد ابريك إن هناك ضعفا في حركة السوق بداية رمضان هذا العام مقارنة بالعام الماضي مما جعله يعزف عن شراء سلع جديدة ويكتفي بعرض رزم من تشكيلات محدودة من الخضروات، فلا أثر للسيولة والنقود وهناك أزمة غلاء في الأسعار تتفاقم عاما بعد آخر، وباعة الخضروات التي لا تتحمل طول التخزين هم الأكثر تضررا من تقلبات الأسعار وكساد السوق من وجهة نظره.
في المقابل يرى البائع الهادي ولد يرب إن أسعار الخضروات محكومة بمعادلة العرض والطلب فعندما يرتفع الاقبال كما هو الحال في رمضان يتراجع العرض وتترفع الأسعار ومع تغطية العجز يعود السعر إلى ثباته لكن ذلك لا يلغي تأثير عوامل المضاربة والاحتكار والتي تظل السبب المباشر وراء غلاء الخضروات على قاعدة أن السوق مواسم وفرص وليس هناك سقفا أعلى للربح !!
كما أن الاعتماد على الاستيراد وغياب أي سياسات جادة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الحبوب والخضروات تشجع حالات انفلات الاسعار وخروجها عن نطاق المعقول يعلق البائع وهو يشير إلى بعض الخضروات التي بلغت أسعارها مستويات غير مسبوقة هذا العام كالفلقل الأخضر "البافوره " بيع الكلغ منه بأكثر من 600أوقية وكذا الليمون الذي كان رمضان الماضي ب200أوقية واليوم بأزيد من 600أوقية في السوق وهو مكون أساسي في مشروبات "البيصام " لدى بعض الصائمين.
وهوما ينطبق على البطاطا التي تباع في الخشنة اليوم بأزيد من 13000أوقية بعدما كانت رمضان الماضي ب10000أوقية فقط.
معيلو ومعيلات أسر
أكثرما يميز سوق خضروات "المغرب " كثرة البائعات واللائي هن في الغالب من معيلات الأسر دفعتهن الحاجة إلى هذا العمل رغم ما فيه من مشاق ومخاطر تهددن بالخسارة كل حين تقول البائعة الخظرة بنت أجيد إن حركة البيع ضعيفة حتى الآن وسرعة تلف الخضروات بسبب الحرارة يتهدد معروضاتها المجزاة بالكساد، كما سبق أن عانت من الخسارة أول عهدها بدخول سوق المغرب عندما اقترضت 10آلآف أوقية واشترت منها خضروات سرعان ما تلفت لتكتفي اليوم بتخصيص مبلغ بسيط لتجارتها من الخضروات.
تعمل الخظرة وزميلاها على بيع الخضروات بالتجزئة والمساعدة بتجهيزها وتقطيعها لمن يرغب مقابل مبلغ 50أوقية عن كل كلغ لتعويض جزء من الخسارة ،فيما يبعن التالف منها لجامعي الأعلاف تعلق إحداهن.
لكن الشكوى الأبرز لهن هي من دفع إتاوات البلدية والشرطة في مقابل السماح لهن بالبيع وسط الشارع رغم ما يكلفهن ذلك أحيانا عندما لا يجد دافعو العربات ممرا إلا فوق معروضاتهن من الخضروات والتي هي أعز ما يملكن.
تقول الخظرة إنها مطلقة وهي من تصرف على أطفالها بعدما هجرهم أبوهم وهي تأتي من الترحيل كل صباح لبيع الخضروات ، عمل رغم مشاقه وقلة ريعه يظل أفضل من البقاء في البيت أو استجداء عطف وشفقة الأقارب والجيران.
كانت الشمس في كبد السماء عندما غادرنا سوق الخضروات المعروف شعبيا بسوق المغرب اكتظاظ وازدحام وصيحات وضجيج و شاحنات نقل تفرغ حمولتها من الخضروات والفواكه فيتلقفها عشرات الباعة والبائعات ليعيدوا توزيعها في جنبات السوق المزدحم أو لتشحن إلى مدن الداخل في رحلة تسويق طويلة لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.