
قد يعتقد الناظر بشكل سطحي وسريع للمشهد السياسي الوطني أن ذوبان أحزاب المعارضة بين ذراعي النظام أمر إيجابي ومؤشر على نمو روح الانسجام والتفاهم بين مختلف شرائح الطيف السياسي لكن هيهات أن يكون الأمر كذلك لأن الأساس الذى بني عليه هذا التفاهم أساس مغشوش هش لايعدو كونه مجرد بت فى أمور ذاتية وتحقيق مآرب شخصية لزعامات الطيف السياسي المعارض .
ومن المعلوم لدى كل ذى لب أن السبب فى اعتلاء هذه الزعامات مناصب قيادية فى أحزابها وتصدرها للمشهد السياسي وخطفها الأنظار هو مناداتها بمعاناة المواطنين والمطالبة بحقوقهم والصدح بها وطرح مطالب الطبقة الكادحة عامة (البروليتاريا) ولعل هذه الأخيرة خاصة البروليتريا العاملة فى قطاع الخدمات _الأكثر وعيا_بدأت تدرك أن ذلك الانسجام لم يأت لتوفير مناخ سياسي _حتى تتم تسويةمظالمها ويحد من معاناتها _وإنما جاء على حساب مصالحها مجسد الشق الأخير من مقولة جورج أورويل "السياسيون كالقرود فى الغابة إذا تشاجروا أفسدوا الزرع وإذا تصالحوا أكلوا المحصول ".
صبرت الطبقة الكادحة فى موريتانيا على الرئيس الجديد نصف مأموريته تقريبا لكن طارئا لم يطرأ وأطرها السياسية ممثلة فى أحزاب المعارضة لم تحرك ساكننا بل زادت التطبيع وتدهورت أحوال هذه الطبقة الاقتصادية والاجتماعية وازدادت سوء وبلغ الفساد منتهاه. _الممارسات الكاشفة الفاضحة:
ا_ تدوير المفسدين فعند كل تعيين حكومة أو تعديل وزاري تشرئب أعناق الكادحين من أناس عاديين وعمال قطاع عام للتغيير وتتوق أنفسهم لاسترجاع الثقة فى النظام الجديد ورموزهم المهادنة له وتتمنى أن يتلاشى خيط الشكوك الذى بدأ يلفها وفور إعلان الحكومة الجديدة أو التعديل الحكومي يزادد ذلك الخيط كثافة وسمكا وطولا لأنهم يرون أسماء مسؤولين من سود الصحائف لابيض الصفائح عرف عنهم النهب والتسريب والجوسسة والتهريب والتزوير والكذب والنفاق.
ب_استمرار صفقات التراضى : فعند وصول هذا النظام دفة الحكم لاحظنا أن صفقات التراضى لم تنقطع وإنما زادت وانتشرت حيث _والعهدة على موقع الأخبار_سجلت حوالي 113صفقة تراض فى الفترة الممتدة من 1ابريل إلى31يوليو 2020(أربعة أشهر) وكل هذه الصفقات تتم بصورة غير قانونية وقد شملت هذه الصفقات أغلب القطاعات الحيوية كالصحة والأمن الغذائي والنقل والتعليم بشقيه.
ومن شأن صفقات التراضى تكريس المحسوبية والزبونية وهي مظهر من مظاهر عدم الشفافية فى تسيير الشأن العام وغالبا ماتؤدى إلى الإثراء غير المشروع لثلة قليلة مقابل ضياع حقوق شريحة كبيرة من المجتمع كان من المنتظر أن تستفيد منها وهذا مايؤدى إلى اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء ولعمرى فإن هذا أكبر مسبب للثورات والحروب الأهلية ولنا فى الثورات التى قامت على أنظمة الإقطاع فى أوروبا خلال العصور الوسطى خير واعظ وزاجر.
ج_عودة حزب النظام والحشد له (الحملات الأخيرة والاجتماعات القبلية والجهوية دعما وتأييدا للحزب ومشاركة وزراء ومسؤولين فيها وانصرافهم عن مشاكل قطاعاتهم)وتدهور الأوضاع الأمنية (انتشار جرائم القتل والاغتصاب واقتحام المنازل على أصحابها ضحى وعمليات الاختطاف)وتصفية الحساب مع أصحاب الرأي والفكر والإعلام والارتفاع غير المسبوق للأسعار وتحكم أصحاب رؤوس المال فى الأسواق مقابل غياب رقابة السلطات ووقوفها متفرجة دون حراك .
_البروليتاريا المتمردة:
وأمام هذه الوضعية المزيرية وبعد يأس الطبقة الكادة من تغيير أوضاعها لم يعد هناك بد من الخروج للشارع وعرض المطالب وربما التصعيد فى آجال لاحقة فى المستقبل القريب إذا لم يتلاف الأمر وتوضع المطالب نصب الأعين ويحقق على الأقل بعضها خاصة أن هذه الطبقة بدأت تتمرد على الأطر التقليدية التى كانت تلجمها وتؤطرها ممثلة فى الأحزاب والنقابات بعد أن تبين خور هذه الأخيرة وتمالؤها مع النظام بل وارتماء بعضها فى أحضانه ولعل أبرز ملامح تملص الطبقة الكادحة من أطرها التقليدية المذكورة آنفا لجؤها إلى الحراكات الشبابية والانخراط فيها فأصبحنا نسمع بين الفينة والأخرى عن حركات متعدد التسميات مجهولة القيادة والاديولوجيا وأكثر من ذلك أصبحنا نرى بعض التظاهرات العفوية المنبثقة من رحم المعناة وصارت النقابات العمالية مجبرة على مواكبة تلك الحراكات والمظاهرات ،مجبرةعلى توحيد الجهود نزولا عند رغبة الطبقة المتمردة ممثلة فى العمال بدل الجري خلف الأحزاب وإلا فإنها ستدق آخر مسمار فى نعشها . وفى ظل هذا الوضع المتأزم و المطالبة بالنظر فى الأجور وتسوية المظالم وانكشاف الحجب بين التابع والمتبوع على النظام الجديد أن يفهم أن الواقع تغير وأن الانسجام أصبح متجاوزا ويبادر بالاصلاح قبل فوات الأوان.