
عندما أذاعت راديو فرنسا الدولية في نشرتها السادسة صباحا نبأ إعدام قادة كوماندوز 16 مارس 1981 كان معتقل إدارة الإطفاء مكتظا بالسجناء السياسيين، وغالبيتهم من أنصار الرئيس السابق المختار ولد داداه، أو من أقارب قادة الانقلابيي
وكان من بين هؤلاء أمير الترارزة، احبيب ولد أحمد سالم الذي كان يومها في وضع صحي غير جيد، بعد عملية جراحية اجريت له في القلب، ولم يشأ المعتقلون أن يخبروا الأمير بإعدام من هو منه بمكانة الابن، الضابط أحمد سالم ولد سيدي، مخافة أن يتأثر صحيا، لكن الخبر السيئ لم يطل انتظاره، فقد تلقى الأمير بعد ذلك نبأ الفاجعة، وتعامل معه بصبر محير، وتسليم نبيل.
لقد كان أمام ولد هيدالة خيارات متعددة، للتعامل مع الضباط المذكورين، بعد أن فل شوكتهم، وأصبحوا في قضبة الأمن، لكنه اختار أقسى الخيارات، وأصر عليه، وهو خيار الإعدام، مع أن التقاليد القديمة تحرم قتل "اصفر دم" لم يعد له حول ولا قوة.
وبعدمغادرة هؤلاء للحياة، وإخفاء قبورهم طيلة أربعة عقود، بقى عشرات آخرون من المعتقلين السياسيين رهن الاعتقال، التعسفي وفي ظروف بالغة القساوة، إلى حين زيارة أداها فرانسوا ميتراه إلى دول متعددة في إفريقيا، واشترط للزيارة عدم وجود معتقلين سياسيين، فأفرج عن عدد من الموقوفين،
من النبيل بمكان أن القادة الثلاثة محمد ولد اب ولد عبد القادر وأحمد سالم ولد سيدي وانيانك سك، واجهوا الموت بكثير من الشجاعة، والرهبة، ويذكر نجل كادير في مقابلة له مع الزميل عبد المجيد إبراهيم إن العقيد محمد ولد أكحل، زار المعتقلين في سجن اجريدة، فوجد كادير يقرأ جريدة، وأحمد سالم يحلق شعره، فقال لقائد المنطقة سيدي محمد ولد الفايدة، " لم نرسل هؤلاء للسياحة".
ولقد عامل ولد الفايدة المعتقلين الثلاثة قبل إعدامهم بشيئ من الاحتفاء والإكرام، مخالفا بذلك أوامر قادته، وخالف الأوامر أيضا بعد قتلهم عندما دعا أحد الأئمة للإشراف على تغسليهم وتكفينهم ودفنهم، مع أن الأوامر العسكرية، كانت تنص على على دفنهم في خندق وتسويته عليهم.
وبعد الدفن أيضا استدعى ولد الفايدة، بعض جنوده وسلمهم مصاحف لختم القرآن على أرواح المعنيين.
من النبيل بمكان أن القادة الثلاثة محمد ولد اب ولد عبد القادر وأحمد سالم ولد سيدي وانيانك سك، واجهوا الموت بكثير من الشجاعة، والرهبة، ويذكر نجل كادير في مقابة له مع الزميل عبد المجيد إبراهيم إن العقيد محمد ولد أكحل، زار المعتقلين في سجن اجريدة، فوجد كادير يقرأ جريدة، وأحمد سالم يحلق شعره، فقال لقائد المنطقة سيدي محمد ولد الفايدة، " لم نرسل هؤلاء للسياحة".ف
وعند إعدامهم، رفع أحمد سالم أصبعه السبابة للشهادة، ولم يخفضها إلا حينما طلب منه القتلة أن يخفضها لأن الجنود رفضوا إطلاق النار عليه وهو في تلك الوضعية، صدر حكم الإعدام بإرادة المقدم محمد خونه ولد هيدالة، الذي رفض العفو عنهم، وينسب الدكتور سيد أعمر ولد شيخنا إلى زوجة القاضي العسكري الذي أصدر الحكم القول بأنه بات ليلته بسبب الحكم الذي أصدره، وأنها لجأت إلى أحد الفقهاء ليخفف عنه، فأفتاه بأن من قتلته الشريعة فلا أحياه الله،
وعلى الضفة الأخرى كان للشيخ بداه ولد البوصيري موقف آخر، فقد رفض التوقيع على حكم قتل المعنيين، وقال للرئيس هيدالة مشافهة أنتم العسكريون أشبه بكلاب الفلاة "اكلاب لخلى" إذا تجاوز أحدهم أذن الآخر أكلوه، وعند الجمعة الموالية، هز الشيخ بداه أعواد منبره تأبينا للراحيلن وقرع المسامع بقول ليلى بنت طريف أيا شجر الخابور مالم مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف...في حقائب الذكرى وسجلات الراحلين نتف، متعددة عن تلك المحاولة الانقلابية، ولا شك أن مصير قادتها كان متوقعا جدا، فشأن الانقلابيين قول أبي فراس الحمداني: ونحن أناس لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر، وبيت الانقلابي في لكزانة، قريب من بيت يزيد بن المهلب عندما قيل له لم لا تبني بيتا قال بيتي قصر الأمير أو السجن...
وقد كان ذلك الإعدام فاتحة عهد سيئ من العسف والمضايقات السياسية للنشطاء والحركات والأفراد، وانتعشت سوق النميمة السياسية، وراجت تجارة ما يعرف بتقارير BR، وساعد في الأمر أن الرئيس ولد هيدالة، كان من النوع الذي "ما يكذب كراظو"، وتتالت عليه التقارير من كل حدب صوب، وكل جهة أمنية أو سياسية في النظام تبلغه بأن الجهة الموالية تستعد للانقلاب عليه، حتى عزف عن قراءة التقارير، فقد تكاثرت ظباؤها على خداشه، قبل أن تقرر فرنسا في النهاية عزله عن السلطة، ومنحها للعقيد الهادئ والحيي خفيض الصوت، معاوية ولد الطايع، الذي فتح هو الآخر صفحة أخرى من صفحات التيه السياسي في هذه البلاد، وانتهى به الأمر مجرد ملف ضامر في حقائب الأيام
ولله الأمر من قبل ومن بعد