
(المدح الفصيح)
المعلوم بن المرابط
ارتبطت الحركة الأدبية في هذا القطر بشهر المولد النبوي شهر ربيع الأول ارتباطا وثيقا، فما إن يـهل هلاله حتى تزدهر، فلا تنفك تسمع منشدا يترنم بمدحة من الموروث القومي، كالفزاريات المنسوبة لابن المهيب، والميمية، والهمزية للبوصيري، أو أخرى من الموروث الوطني فصيحة تارة كـ"زارت عليُّ"، وحسانية تارة أخرى كـ"وَنِّ الاَّ بامامْ الحَرَمَيْنْ"، بل تجد مَن يؤجر منشِدِين لهذا الغرض خصِّيصَى؛ أو تسمع عن إنتاج أدبي جديد في هذا الغرض، صاغه هذا الشاعر أو ذاك، من ما جعل من النادر وجود ديوان شنقيطي يخلو من نص مديحي على الأقل، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن من القوم من التزم مديحية في كل ربيع، كالشيخ محمد المامي الذي يسمي مولديته "حمراء العرقوب"، وللشاعر الشعبي من ذلك ما للفصيح.
علماء مهرة في المدح:
لقد كانت قراءة أمداح رسولنا الكريم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ديدن سلفنا رحمهم الله تعالى، يعلم ذلك من يطالع كتب تراجمهم، ومن المهرة في ضروب المدح والمكثرين منه، حسب ما ورد في فتح الشكور ومنح الرب الغفور:
ـ الحاج البشير بن الحاج أبي بكر البرتلي: كان "ملازما لقراءة قصائد مدحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويطرب عنده غاية الطرب ويهتز له ويحبه، ويكثر منه، حتى سمي عند بعض أهل التل بالمداح، خبيرا بضروب القصائد العشرينيات وتخميسها والهمزية وغير ذلك"[1].
ـ الخضر بن الفقيه محمد (ت 1154 هـ): "كان مداحا خبيرا بضروب ابن مهيب"[2].
ـ عمر بن بابا الولاتي (1077 ــ 1145 هـ): كان "مداحا حسن الصوت في مدحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وله ضربة حسنة في تخميس ابن مهيب للعشرينات، يقال لها ضربة الطالب محمد بابا، يمدح بها المداحون في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ"[3].
ـ عمر بن الحاج أحمد (ت1106هـ): كان "مادحا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صباحا ومساء"[4].
ـ الإمام عمر مم بن محمد (ت1201هـ): كان قائما بـ"المدح في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان حسن الصوت في المدح، مهمتما به معتنيا بشأنه"[5].
ـ علي بن الطالب عمر (ت1179هـ): "من أحسن الناس صوتا في القرآن ومدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ"[6].
ـ الحاج أحمد بن عمر (ت943هـ): كان "محبا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ملازما لقراءة قصائد مدحه"[7]. و"من مشهور كراماته أنه لما زار القبر الشريف طلب الدخول إلى داخله فمنعه الخدام منه، فجلس خارجه يمدحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فانحل له الباب وحده بلا سبب، فبادروا لتقبيل يده"[8].
ـ اندغمحمد بن الفقيه المختار: كان "مادحا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مسردا لكتاب الشفاء في رمضان بعد موت أبيه"[9].
ـ الفقيه محمد بن الحاج محمد (ت1171هـ): كان مداوما لـ "مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعشرينيات"[10].
ـ الإمام محمد عبد الله بن الإمام عمر: كان "قائما بالمدح في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي رمضان، وفي كل ليلة جمعة في المسجد"[11].
ـ سيدي محمد بن أحمد بن الطالب الأمين (ت1215هـ): كان ملازما لـ "مدح النبي صلى الله عليه وسلم"[12].
ـ أبو العباس أحمد الصغير بن حمى الله (ت1272هـ): "تأخذه الأحوال عند قراءة القرآن ومدح النبي صلى الله عليه وسلم"[13].
ـ الإمام سيدي عثمان بن الإمام محمد عبد الله (ت1273هـ): "كان قائما بأمر المسجد وعمارته والمدح فيه في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي رمضان وفي كل جمعة من السنة ما بين المغرب والعشاء ..."[14].
ـ سيدي عثمان بن محمد المعروف بسيدات (ت1278هـ): "لا يفوته مجلس خير كمجالس الحديث وجماعات الصلاة ومدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان خبيرا بضروب المدح"[15].
ـ محمد الأمين بن عبد الرحمن (ت1289هـ): كان محبا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمدحه، وكان حسن الصوت في المدح خبيرا بضروبه"[16].
ـ النفاع بن اعبيدين (ت1299هـ): لا يفوته مجلس خير كمجلس مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان خبيرا بمدح ابن مهيب ويهتز عند مدحه، وكان يحفظه[17].
ـ الإمام المحجوب بن الإمام سيدي عثمان (ت1301هـ): كل حزب من الشفاء يمدح معه حرفا من ابن مهيب، وكان محبا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مداحا له، حسن الصوت في مدحه، جهور الصوت، يعرف صوته من بين المداحين، مهتما بالمدح في المسجد متغنيا به في كل ليلة جمعة من كل شهر وفي رمضان كله وفي ربيع النبوي يختمه أربع مرات[18]. ولا تراه أبدا إلا وفي فمه مدحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو الصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم[19].
ـ محمد عبد الله بن أحمد المصطفى (ت1305هـ): كان مادحا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محبا له، يتمايل عند مدحه ويبكي، وكان مشتاقا بالمدح ملازما لقراءة قصائد مدحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويطرب عنده غاية الطرب ويهتز له، خبيرا بضروب القصائد العشرينيات وتخميسها والهمزية وقصائد المعجزات[20].
ـ محمد الأمين بن محمد عبد الله (ت1314هـ): كان "محبا لمدح المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ، خبيرا بضروب مدح ابن مهيب يحفظه ويحفظ جميع القصائد المختارة للمدح، يقال لهم: المعجزات والهمزية والبردة والشقراطيسي والوسيلة والمفرجة ويا سيدا"[21].
ـ بوب بن أعمر (ت1314هـ): كان "محبا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مداحا له خبيرا بضروب ابن مهيب"[22].
ـ أباتن بن محمد (ت1316هـ): كان "مداحا، يحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، خبيرا بضروب ابن مهيب يحفظه كله"[23].
ـ محمد بن ببات (ت1324هـ): يمدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورمضان وكل جمعة من كل شهر قبل العشاء، وهي عادة أهل ولاتة، يحفظ نصف ابن مهيب أو كله والبردة والهمزية وغير ذلك من قضائد المدح[24].
**ـ عادتهم في المدح:
أما أهل تيشيت فأشار البرتلي إلى عادتهم في ترجمة محمد بن محمد المختار بن الشواف (ت1176هـ)، حيث قال عنه: "كان مادحا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قائما بالمدح في كل ليلة الاثنين وليلة الخميس وليلة الجمعة في المسجد، وهي عادة أهل تيشيت في المدح"[25].
وتحدث أيضا عن عادة أهل ولاتة فذكر في ترجمة الإمام محمد عبد الله بن الإمام عمر مم الولاتي (ت1214هـ) أنه كان "قائما بالمدح في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي رمضان، وفي كل ليلة جمعة في المسجد في ما بين ربيع النبوي ورمضان، فيختمون تخميس العشرينيات في العام مرتين سوى ختمات المولود ورمضان، وهي عادتهم في المدح"[26].
وعن عادة أهل ولاتة كذلك تحدث المحجوبي مسهبا، فقال: "كانوا يختمون ابن مهيب في العام سبع مرات: ختمة في رمضان، يمدحون كل ليلة حرفا من حروفه في المسجد ويمدحون ذلك الحرف في النهار؛ وختمة بين رمضان وربيع النبوي، يمدحون حرفا في كل ليلة جمعة، فإذا أهل ربيع النبوي يختمونه ختمة في العشرة الأولى منه؛ ويختمونه كل ليلة المولد مع كثير من القصائد؛ ويختمون نصفه في المهار مع كثير من القصائد، وفي ليلة اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي ليلة الثامن عشر منه يختمون نصفه أيضا مع كثير من القصائد؛ وفي النهار يختمونه كله مع كثير من القصائد؛ وختمة بين ربيع النبوي ورمضان؛ وفي اليوم الحادي عشر منه بعد صلاة الظهر يمدحون نحو عشرين قصيدة من مدحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يقال لها المعجزات"[27]. وذكر أن للفقيه علي بن عمر الفاروق تأليفا في الرد على مبدع أهل ولاتة في مدحهم[28]. وأشار إلى أن الإمام سيدي عثمان بن الإمام محمد عبد الله (ت1273هـ): "كان قائما بأمر المسجد وعمارته والمدح فيه في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي رمضان وفي كل جمعة من السنة ما بين المغرب والعشاء، وهي عادة أهل ولاتة: يختمون تخميس العشرينيات في العام مرتين بدون ختمة رمضان بالليل مرة ومرة بالنهار وأربع ختمات في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..."[29].
وعن عادة أهل شنقيط في شهر الربيع شهر مولده عليه السلام، يقول الشاعر بدي بن سيدينا:
ويعجبني منكم تحلق فتية == على حرف ورش تقرأ الحزب بالفجر
وأخرى عشاء تنشد ابن مهيب == وميمية البوصيرِ نادية الشعر
تعاطي مديح المصطفى كل ليلة == معاطاة كأس من معتقة الخمر
وتنشد أحيانا وراء مديحها == مقطعة تنفي الهموم من الصدر
فيهتز مني القلب عند سماعها == كما اهتز مقصوص الجناح إلى الوكر
هنالك لا أبغي ترنم منشد == ولا قينة تحنو البنان على وتر
فأعطيتمو شهر الربيع حقوقه == جزاكم به الرحمن في موقف الحشر
**ـ إطعام أهل المدح والإنفاق عليهم:
لم يكن القوم يضنون عن المداحين بشيء من أمور دنياهم، بل كانوا يطعمونهم، فهذا سيدي أبو القاسم التواتي (ت922 أو 935هـ) كان "يطعم الطعام، وأكثر طعامه للمداحين لشدة محبته لمدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وموضع المدح قريب من داره، ومتى سمعهم يمدحون خرج إليهم بالرغائف السخونة كأنما خرجن من الفرن في تلك الساعة ولو كان في جوف الليل، حتى تبين للناس أن ذلك من كراماته". (132).
وفي ترجمة القاضي المختار بن محمد أنه كان "مادحا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منفقا على المداحين في مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويطرب لذلك غاية الطرب، ويبذل جهده فيه إلى أن توفي، رحمه الله تعالى". (191).
ومن ما يؤثر عن سيدي محمد بن مولاي اعل (ت1304هـ) أنه كان إذا جلس أهل المسجد يمدحون المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ربيع النبوي اليوم الذي قبل ولادته عليه السلام ويوم الولادة ويوم تسميته وليلتيهما على عادة أهل ولاتة لا يبقى شيء في داره إلا وأرسل لهم منه شيئا، ولا يزال كذلك حتى يختمونه، ومتى سمعهم يمدحون يخرج إليهم بلذائذ الأطعمة من تمر وعسل وسكر وغير ذلك من ما في داره"[30].
** ـ النصوص المديحية متون علمية
من ما ينبغي التبيه عليه أن النصوص المديحية التي نالت قبولا ورواجا عند الشناقطة كتخميس العشرينيات لابن مهيب، وبانت سعاد، والميمية والهمزية للبوصيري؛ اعتنوا بها واحتفلوا بها كثيرا؛ فشرحوها وحاكوها وقصدوها، بل كانت بالنسبة لهم متنا سيريا و لغويا، إضافة إلى كونها نصا مدحيا إنشاديا. ففي فتح الشكور "أن من ما قرأ الطالب البشير بن الحاج الهادي (ت 1197 هـ) من اللغة تخميس العشرينيات لابن مهيب"، وفيه في ترجمة الطالب البشير الإيديلبي: "وقرأ من اللغة بانت سعاد لكعب بن زهير ـ رضي الله تعالى عنه ـ، وتخميس العشرينيات لابن مهيب، والهمزية والبردة للبوصيري". (148). وفيه أن من ما قرأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب المراكشي على أحمد بابا "عشرينيات الفازازي، وتخميس ابن مهيب لها"[31]. ولا تسل عن كثرة الشروح والطرر والتخميسات والمحاكاة.
ولا يخفى ما لمدحه عليه السلام عند القوم من أهمية، جعلتهم يشتغلون به في أغلب أوقاتهم، ويبذلون للقائمين به الغالي والنفيس، ويقدمونه على النوافل ففي جمع النوازل للعلامة عبد الرحمن بن الطالب عبد الرحمن أن بعض الأجلة من أهل شنقيط كان متنفلا في المسجد حتى قرأ مادحوه ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قول أبي زيد:
ذروا كل شغل لامتداح محمد ...
فانصرف لمدحه، صلى الله تعالى عليه وسلم.
[1] ـ فتح الشكور للبرتلي: 154. ومنح الرب الغفور للمحجوبي: 57.
[2] ـ فتح الشكور للبرتلي: 173.
[3] ـ فتح الشكور للبرتلي: 325.
[4] ـ فتح الشكور للبرتلي: 316.
[5] ـ فتح الشكور للبرتلي: 330.
[6] ـ فتح الشكور للبرتلي: 355.
[7] ـ فتح الشكور للبرتلي: 48.
[8] ـ فتح الشكور للبرتلي: 50.
[9] ـ فتح الشكور للبرتلي: 191.
[10] ـ فتح الشكور للبرتلي: 235.
[11] ـ فتح الشكور للبرتلي: 257، ومنح الرب الغفور للمحجوبي: 56.
[12] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 60.
[13] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 152.
[14] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 159.
[15] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 178.
[16] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 215.
[17] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 240 ـ 241.
[18] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 249.
[19] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 251.
[20] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 276.
[21] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 330.
[22] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 332.
[23] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 351.
[24] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 383.
[25] ـ فتح الشكور للبرتلي: 236.
[26] ـ فتح الشكور للبرتلي: 257.
[27] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 346 ـ 347.
[28] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 192.
[29] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 159.
[30] ـ منح الرب الغفور للمحجوبي: 269 ـ 270.
[31] ـ فتح الشكور للبرتلي: 66