
منذ نشأة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والخلافات تنخر جسمه حتى وهو فى سنيه الأول حيث برزت الخلافات بين الأقطاب والسياسيين فى مظاهر عديدة ظلت تتراكم دون حل رغم تغيير الرؤساء وإيجاد أحزاب بديلة تم تشكيلها بأمر من الرئيس لاستيعاب المغاضبين .
وخلال مسار الحزب الذي دخل الساحة بقولة وظل مسيطرا على الأغلبية حتى وهي خارج الانتماء الحزبي له كانت الفترة الأخيرة للحزب مع أبرز رؤسائه وأكثرهم قدرة وفهما للسياسة حسب كثيرين السيد سيدي محمد ولدمحم محطّ خلافات قوية مع مناوئين كبار استطاع الرجل الهادئ الماكر تحييد أغلبهم من طريقه كما فعل مع سلفه وزير الخارجية الحالي إسلك ولد أحمد إزيد بيه والوزير الأول السابق مولاي ولد محمد لغظف خلال أيام الحوار .
إلا أن خلافات ولد محم والوزير الأول الحالي السيد يحي ولد حدامين ألقت بظلالها على الأغلبية الحاكمة ونقلت الصراع من الحزب إلى الحكومة نفسها حيث بات بعض الوزراء من المحسوبين على ولد حدامين غير مرحب بهم فى البرلمان الموريتاني.
حملة الدستور بداية الصراع
تقول بعض المصادر إن أول خلاف ظهر بين الرجلين بشكل كبير كان خلال التحضير لحملة تغيير الدستور وإلغاء مجلس الشيوخ - الذي كان فكرة لرئيس الحزب ولد محم أقنع بها الرئيس الموريتاني وذلك خلال صراعه مع محمد الحسن ولد الحاج وهي الفكرة التي تلبي جزءا من رغبة المؤسسة العسكرية التي تري فى مجلس الشيوخ مؤسسة خارجة عن السيطرة ولها صلاحيات دستورية كبيرة ومعيقة للنفوذ والتحكم – حيث طلب الرئيس الموريتاني من ولد محم تصورا حول حملة الدستور فأجابه أنها حملة تغيب فيها التنافسات الاجتماعية والحظوظ الفردية وهو ما يفقدها مستوي كبيرا من التنافس وأنها ينبغي أن تصنف حملة مالية بامتياز من أجل إخراج التعديلات بشكل مرضي ونسبة مشاركة كبيرة مقترحا مبلغا قارب أربع مليارات من الأوقية .
رأي ولد محم فنده الوزير الأول مستعينا بوزير المالية الطامح لإيجاد مكان فى السحة والطامع لبناء ذاته فى خضم خلافات الأقوياء حيث أكدا للرئيس أن هذه الحملة حملة الدولة وعليها القيام بها وأن أربعمائة مليون أوقية تكفي لذلك .
استمع الرئيس للسيدين لوجاهة الفكرة وضآلة المبلغ مقارنة بسابقه واقتنع أكثر بأنها حملة للدولة فقرر أن يكون المتكلم الأوحد فيها وأعطي إدارتها لوزراء حكومته ما جعل ولد محم يفرض أن يكون لكل وزير نائبا من المكتب التنفيذي وقيادات الحزب
مرّت الأيام فى حملة الدولة بمتحدث أوحد جاب كل ولايات الوطن ووزراء يستقبلون ويديرون الأمور وظل ولد محم فى صمت مطبق وسط تكهنات عديدة حتي جاء يوم الانتخابات فتأكد الرئيس صباح يومه من صدق كلام ولد محم حين قاطع أغلب المورتيانيين التصويت حتى من داخل الأغلبية وظلت المكاتب خاوية على عروشها فى المدن الكبيرة رغم تدخل الرئيس ومحاولته تدارك الوضع ليسجل ولد محم نقطة الخبرة والتجربة على منافسيه
صراع ساحته الإعلان
ما إن هدأت معركة التعديلات الدستورية حتى بدأت الخلافات تظهر من جديد فى محاولة من حلف الوزير الاول لتعويض صفحة الحملة الدستورية وأمام الجميع هذه المرة بين الرجلين وجناحيهما حيث ظهر ولد محم مسيطرا على جناح الأغلبية خاصة بعد عودة المياه إلى مجاريها بينه ومولاي ولد محمد الاغظف حيث ظهر أبرز نواب ذلك الحلف فى ندوة الحزب الحاكم الأخيرة متهجمين بكلام قوي على الحكومة ومعتبرين أنها لا تحترمهم وأنهم لن يحترموها فى إشارات لمشادات وقعت بين أحد النواب ووزير المالية فيما ظهر ولد حدامين يحاول السيطرة على حكومته مانعا أعضاءها من حضور أنشطة الحزب كلها وخاصة تلك التي يرأسها ولد محمد وهو ما استجاب له الكثير منهم ليظهر للعلن أن الخلاف شبّ عن الطوق ولا تمكن السيطرة عليه
لجنة التفعيل آخر الدواء
جاء القرار الحاسم الذي اتخذه الرئيس الموريتاني - بعد عودته من تيرس الزمور وخلال أول اجتماع للحكومة تقول مصادر السراج إن نصف ساعة منه خصصها الرئيس للكلام حول الحزب وأهميته وضرورة التغلب على مشاكله - بتشكيل لجنة لتفعيل الحزب الحاكم عُهد إليها بتسوية كل تلك الملفات فى القريب العاجل كما التقي الرئيس يومها مرتين برئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم .
وسواء كانت اللجنة تلبية لطلب قديم من رئيس الحزب الحاكم كما يقول مناصرون له بعد أن بدأت الخلافات فى الحزب تخرج عن السيطرة أو هي تشكيك فى قدرته ونفوذ غريمه كما يقول آخرون فإن قراءة فيها لا تخلوا من رصد أماكن قوة لكلا الطرفين المتصارعين من أبرزها:
نجاح ولد حدامين فى إظهار غريمه ولد محم غير قادر علي تسيير حزب سياسي بعد سنوات من تفرغه له ومحتاجا لمن يساعده فى ذلك .
كما نجح فى إظهار ذلك الإصلاح بمعزل عن الرئيس نفسه حيث يعتبر مجرد عضو فى اللجنة التي عهد برئاستها لوزير الدفاع .
كما أظهرت اللجنة قوة وحضورا فاعلا للحكومة بخمسة وزراء وتهميشا لمعقل ولد محم وهو الجمعية الوطنية مقابل وجود عُمد في هذه اللجنة.
كما استطاع رئيس الحزب الحاكم من خلال اللجنة تحييد خُلّص الوزير الأول من العضوية فجاءت بخمسة وزراء أغلبهم من الفنيين الذي لا علاقة بالسياسة .
كما ظهرت اللجنة وكأنها لجنة فنية وليست سياسية وهو ما زاد عليه ولد محم باستدعاء المكتب التنفيذي للحزب الحاكم الذي غاب عنه ولد حدامين لإطلاعه على عمل اللجنة بعد أول اجتماع لها وطلب من المكتب حسب بيان صادر عن الحزب تقديم مقترح للتفعيل من أجل عرضه على اللجنة .
كما ظهر الحزب الحاكم وكأنه الممسك بملف اللجنة حيث كان البيان الوحيد صادرا على الحزب مفصلا لعمل اللجنة وصلاحياتها .
ورغم ما صاحب اللجنة من صخب والحديث المتزايد عن التغيير فى الحزب بجميع هيئاته فإن صراع الأجنحة لم يحسم بعد خاصة فى أفق سنة سياسية بامتيار يري بعض مناصري ولد محم أن النظام غير قادر على التخلي عنه فيها بينما تزيد مساحة الصراع فى فريق الوزير الأول بعد شغور منصب الأمين العام للرئاسة واستقالة أحد الوزراء إثر خلاف مع الوزير الاول نفسه.
ويبدو من خلال اللجنة المشكلة أن الرجل القوي فيها الجامع بين عضويتها وعضوية المكتب التنفيذي والحاضر لكلا الاجتماعين هو صديق الرئيس ومرافقه إلى رحلات تيرس عمدة ازويرات الشيخ ولد بايه دون معرفة بقدرة سابقة له على إدارة السياسة وخلافات الأشخاص فيكف بعمل اللجان ومكاتب الأحزاب .