نواكشوط تستقبل خريف 2017 بدون مظاهر القمة 27 "صور"

ثلاثاء, 2017/06/27 - 10:49

استقبلت العاصمة الموريتانية نواكشوط فجر اليوم الثلاثاء 27 يونيو 2017 فصل الخريف بنزول كميات من الأمطار على مختلف مقاطعاتها وأحيائها، وتجمعت كالعادة المياه والبرك والإضي لدى ملتقيات الطرق والأرصفة والأزقة، فيما غابت مظاهر صاحبت نفس الفترة تقريبا من عام 2016 حين كانت العاصمة تتزين لضيوفها العرب في قمتهم السابعة والعشرين.

شوارع بلا أرصفة ولا هامش انتظار للمواطنين

هنا قرب أحد أهم ملتقيات الطرق بولاية نواكشوط الشمالية وفي عاصمتها دار النعيم، لم يجد هؤلاء المواطنون بدا من أن ينحشروا في هذه الزاوية الضيقة على حافة ما يفترض أنه ملتقى طرق يتوفر على دوار ورصيف مناسبين لملتقيات الطرق بولايات العواصم وعواصم الولايات، بيد أن ما ليس في اليد لا ينتزعه حب بذله، كما يقول المثل الحساني "الماهو اف ليد ما تكلعو العزة".

على هؤلاء المواطنين أن يصمدوا هنا فالبحر من أمامهم ومن ورائهم الطين، فليهربوا بأنفسهم إلى تلك الزاوية الضيقة، ولينتظروا مصيرهم وحظوظهم في يوم ليس من أفضل أيام سيارات الأجرة وفرة، أو ليواصلوا مسيرهم في ذات اليوم الذي هو يوم من قدم فيه رجله لم يكد يسيطر عليها من أن تنزلق به في الوحل والطين ويخسر آخر ما تبقى من كرامته، وهو ملابسه ومظهره، فلا قمة في الأفق المنظور، وإن وجدت فليسوا منها بمكان تطالهم فيه "بركاتها" وجهود وطنييها.

سيارات تسبح في المياه في ظل زحمة مرورية خانقة

هنا أيضا تضطر السيارات إلى خنق هذا الشارع بزحمة مرورية لا محيد عنها، حيث أن عرض الشارع لا يكفي في الحالة العادية لتعاقب سيارتين فكيف له أن يصمد اليوم والمياه تحاصره من كل ناحية؛ لم يعد أمام السيارات إلا أن تظهر في تلك الوضعية، محرجة المواطن المضطر بدوره إلى الوقوف في نقطة غير بعيدة منها، مهددة إياه في سلامته حيث أن وجوده بالقرب منها غير آمن، ومهددة ملابسه بالتلطيخ إذ الماء والطين هما شعارا الطريق بعد كل زخة مطر تنزل من السماء.

المؤكد أن المياه ستلبث ثمة حتى يقضي الله عليها الزوال بأن تبددها عجلات السيارات أو أشعة الشمس، أما الصرف الصحي المفترض أن يزيحها لحظة سقوطها فلا وجود له، وأما الخيارات الاستعجالية كعمليات الشفط بالصهاريج فهي أمر وارد غير أن السكان ألفوا معايشة واقعهم دونه.

القمة العربية السابعة والعشرون.. الوضع المختلف

قبل عام تقريبا، قامت السلطات الموريتانية بتحديث أغلب طرقات العاصمة وتزويدها بالأرصفة، كما زينت الطرق وأرصفتها بالطلاء المناسب، وجعلت على الأرصفة نخيلا وأشجارا من أصناف شتى، وحثت أصحاب المنازل والمحلات المطلة على الشوارع التي يمكن أن يمر منها الزعماء العرب على طلائها أيضا، فأصبح مظهر المدينة جميلا، خاصة في مقاطعة تفرغ زينة التي احتضنت أغلب أنشطة القمة، بيد أن أمرا مهما غيب عن الاهتمام وتمت من دونه اتفاقيات جعل العاصمة في مظهر لائق، ألا وهو الصرف الصحي.

بعد أن خرجت العاصمة على بنيها في زينتها، وتمت كل عمليات التجديد الاستعجالية، شاءت الأقدار أن تكشف الشيء الأهم الذي غيبته السلطات عن اهتمامها وعودت النواكشوطيين على عاصمتهم من دونه؛ تهاطلت كميات من الأمطار قدرت حينها بحدود 20 ملمترا فحاصرت مياهها أغلب الإقامات التي كانت معدة للقادة العرب كذا القصر الرئاسي وأغلب الشوارع التي صرفت السلطات أموالا طائلة على إعادة تأهيلها، فسبب ذلك حرجا شديدا وأصبحت السلطة في وضع لا تحسد عليه.

تدارك الشباب الموالي للنظام الوضع، وأعانهم آخرون تنازلوا عن كل ولاءاتهم الضيقة وانبروا للوطن يحفظون ما هُدِر من ماء وجهه، ولم يغب كبار المسؤولين كالوزراء، فأخذ الجميع يكنس الشوارع ويسحب ما بقي من مياه الإضي والبرك بعد صهاريج الحماية المدنية التي استنفرت لغرض شفط تلك المياه وإزاحة البرك التي حلت في غير محلها زمانا ومكانا وكادت تقلب كل ما تم جهيزه للقادة العرب رأسا على عقب.

خريف 2017.. وتعود انواكشوط إلى انتظارها القديم

تتجدد معاناة مدينة انواكشوط بحلول كل فصل خريف وعند هطول كل كمية من المطر مهما كانت خفتها، فمع كل زخة مطر ينكشف ضعف البنية التحتية للمدينة التي قارب عمرها  ستين حولا، ويأتي خريف 2017، فتعود انواكشوط إلى ما قبل 2016 انتظارا لصرف صحي لم يأت بعد وإن بدأ العمل عليه في بعض الشوارع كالذي يربط بين التلفزيون الرسمي وقصر المؤتمرات، وترقبا لجني ثمار بذور ذلك الصرف الصحي الموجودة بكثرة في أحياء عديدة من العاصمة على شكل صناديق إسمنتية متفاوتة من حيث الحجم.

وتأتي هذه الجهود التي لم تؤت أكلها بعد وستنقض ما غزلته السلطات في البلد لتنميق وجه العاصمة للقمة، بعد سبع سنوات عجاف مضت على إعلان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز سنة 2010 عن اتفاقية أبرمتها الحكومة مع شركة صينية من أجل إنجاز مشروع للصرف الصحي في ظرف ثلاث سنوات على مستوى مقاطعات: تفرغ زينه والسبخة والميناء ولكصر، وهي مقاطعات العاصمة انواكشوط المركزية، ورصدت الحكومة لإنجاز المهمة التي لقيت ترحيبا واسعا حينها قرابة الستين مليار أوقية.

مشاكل صحة وأمان ترافق خريف نواكشوط

لئن تراجع الحس الوطني تجاه العاصمة نواكشوط ولم تظهر مشاهد شفط المياه ولو على غير وتيرتها في تحضيرات القمة في أحيائها ناهيك عن الأحياء الأخرى، فإن أشياء أخرى لم تتراجع كمخاطر الهرباء وأسراب البعوض والمياه التي تحاصر المرافق العمومية بما فيها الشوارع ومحيط الوزارات، ولعل من أبرز المخاطر الأمنية التي تتهدد السكان في فصل الخريف بمدينة انواكشوط شبكات الكهرباء، فرغم تراجع خطرها مؤخرا وانخفاض حوادث الصعق المسجلة بسببها إلا أن تهاطل الأمطار على المدينة دون وجود شبكات للصرف الصحي ينذر بكارثة في كل وقت نظرا لمكث البرك في الشوارع أياما مما يؤدي إلى رطوبة في أعمدة الكهرباء سواء الخشبية منها أو الحديدية، ويجعل الخطر يتربص بالأطفال والقصر وأصحاب العربات وحتى المارة العاديين.

ويتفشى هذا الخطر الصامت بدرجة أكبر في أوساط الأحياء العشوائية في ظل فوضوية التزود بالكهرباء وشح مصادر الطاقة بالطرق المقننة، مما يجعل من جنبات الطرق الرملية التي يفترض فيها أن تكون أرصفة شراكا كهربائية طائشة تتهدد حياة النفوس البشرية البريئة كما تلبث بعض المستنقعات في أحياء انواكشوط الآهلة بالسكان أياما بل وفي بعض الأحيان أسابيع من دون حضور آليات تجفيف المجاري وشفط المياه، مع ما يصاحب هذه البرك من مخاطر صحية على السكان، فمعها يكثر البعوض ويتفاقم خطر الملاريا على السكان في بلد ليس بعيد عهد بحمى الضنك مما يجسم من المسؤولية الملقاة على الجهات الصحية والحضرية المسؤولة عن سلامة المواطنين ونظافة المدينة والحفاظ على مظهرها اللائق.