قطار سنيم .. شريان حياة نازف (تقرير + صور)

خميس, 2015/03/05 - 17:46
مقدمة قطار اسنيم ثاني أطول قطار في العالم الموجود شمال موريتانيا على خط الربط بين مدينتين ازويرات ومدينة نواذيبو على الساحل الغربي لموريتانيا (السراج)

موفد السراج (الزويرات) - على أعلى محاور العرض في خريطة موريتانيا تمتد سكة حديدية يبلغ طولها 700 كيلمتر تربط بين مدينتي ازويرات الصحراوية ونواذيبو الساحلية وهما قطبا الاقتصاد الموريتاني المعدني، وشكل الرابط الأساسي بينهما وجود ثاني أطول قطار في العالم ممثلا حلقة وصل وثيقة، وعروة ترابط عنيد في وجه الظروف الصحراوية الطاردة لصعوبتها، كما لم ييئس من أن يمثل شريان حياة يتدفق بالعطاء والأمل.

 

يقوم قطار اسنيم وهو أطول قطار منجمي في العالم بتكوين حلقة وصل بين مدينة ازويرات ونواذيبو محملا بمعدن الحديد المستخرج من مناجم ازويرات الغنية ليوصلها إلى مدينة نواذيبو حيث يتم تفريغها وتحميل المعادن الخام في السفن من أجل تصديرها وبعد خضوعها لعمليات معالجة أولية كالتصفية والغربلة.

 

خدمات للساكنة وللعمال

 

 

 

 

 

رغم انشاء هذا الققطار وبناء سكته الحديدية الطويلة خصيصا لنقل خامات الحديد من ازويرات إلى انواذيبو إلا أن هذا القطار الذي يتألف من مقطورتين لا يفتر عن تقديم العون للسكان المحليين وللمسافرين على قدم المساواة، من خلال عرباته المتعددة ومن أهم تلك المقطورات واحدة مخصصة لنقل المواطنين الموريتانيين بين المدينتين الموجودتين على طرفي السكة الحديدية (ازويرات ونواذيبو) وتسمى محليا "الدويرة"، وقاطرة أخرى مخصصة لنقل عمال الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "سنيم" ويطلق عليها إسم "سولي" إضافة إلى عشرات الصهاريج.

 

 ويعتبر قطار اسنيم شريان حياة حقيقي كونه يقوم بالعديد من الأدوار الثانوية الأخرى للشركة  كما خدمات جليلة للمواطنين الموريتانيين الموجودين في تلك القرى المنقطعة مثل توفير المياه للقرى النائية والتي تمر بها سكة القطار من خلال صهاريج كبيرة إضافة إلى التوقف عندها لأخذ المسافرين وإنزالهم حيث يتوقف.

 

 

تجارة مربحة !

 

 

 "المتركع" هو شاب عشريني حصل على لقبه هذا من خلال غلاء مبيعاته مستغلا حاجة المسافرين الذين يمضون 15 ساعة بين مدينتي نواذيبو وازويرات ومعرفته من قبل جل المسافرين على ظهر القطار وهو يبيع لهم البسكويت والعصير ويصنع الشاي إضافة إلى طبخه لوجبات سريعة أمامهم   رغم اهتزازات القطار.

 

حال "المتركع" كحال آخرين على متن قطار اسنيم يتنقلون معه جيئة وذهابا وهم يبيعون بعض الحاجيات الضرورية للمسافرين إضافة إلى الطبخ وصنع الشاي، وغالبا ما يستاء منهم المسافرون لغلاء خدماتهم التجارية والغذائية.

 

ويبيع المتركع مثلا كل بضاعته بأسعار مضاعفة مرة أو مرتين فيمكن أن تشتري قنينة الماءمن عنده بـ 400 أوقية، إضافة إلى شرب الشاي بـ 1000 أوقية كنموذج؛ ويفترش هؤلاء الممتهنين للبيع داخل القطار بطانيات وحصائر بسيطا داخل مقطورة المسافرين بدون وجود مكان مخصص لهم نظرا للحرية المعطاة لهم من قبل المسؤولين عن القطار الوحيد في موريتانيا.

 

 

نزيف متواصل

 

 في المقطورة المخصصة لنقل المسافرين توجد مساحة مزودة بمقاعد خشبية صلبة جانبية تلتصق بحافة المقطورة من الداخل، عددها ليس كبيرا نظرا لاقتصارها على حافة القطار، إذ لا توجد مقاعد في وسطه ولا في صفوفه، مما يضطر العديد من المسافرين إلى افتراش الأرض وخاصة المرضى الذين لا يستطيعون احتمال التسمر على المقاعد الصلبة مع تمايل المقطورة واهتزازاتها القوية.

 

 

 

تعاني المقطورة المخصصة للمواطنين من تقادم شديد وعدم خضوعها للصيانة منذ تم وضعها على سكة الحديد في مطلع الستينات من القرن العشرين، إذ لا تتوفر على نوافذ يمكن إغلاقها، فكل النوافذ مفتوحة مشكلة خطرا شديدا على المسافرين حيث سبق أن سقط قبل أيام حسب عمال القطار أحد المسافرين من النافذة بينما وقف بمحاذاتها في غمرة اهتزاز القطار، مؤكدا أن الضحية نجا من هلاك محقق بسقوطه وتدحرجه على رمال لينة.

 

هناك في "الدويرة" درجة مخصصة للمواطنين الذين يريدون الاستقلالية في حجرات منفصلة عددها ثلاث حجرات، لكن تلك الحجرات تعاني من نفس ما تعاني منه بقية المقطورة المفتوحة، فلا نوافذ للحجرات  وأسرتها تهشمت على مدى عشرات السنين بسبب تعاقب أجواء الحرارة والبرودة عليها في صحراء لا تعرف الحلول الوسطى. 

 

تدوينات غير افتراضية !

 

 

يفضل العديد من المسافرين الموريتانيين كتابة شهاداتهم وتعليقاتهم على تجربة السفر عبر القطار الوحيد في موريتانيا فمنهم من يكتب إسمه الكامل، ومنهم من يكتب اسمه إلى جانب رقم هاتفه، والبعض الآخر أراد أن يعبر عن امتعاضه من تجربته السيئة في سفره الطويل.

 

يكون السفر مجهدا ومدعاة إلى التعرض للغبار واتساخ الملابس إذا كان من خلال قطار اسنيم  - حسب أغلب المسافرين عبره ـ وبالأخص إذا تواجد في مقطورة "الدويرة" التي تمثل أسوأ معاملة للمسافرين نظرا لكثافة الغبار الداخل من النوافذ الكبيرة المفتوحة بشكل كامل، إضافة إلى انعدام مقاعد لائقة مما يدفع كثيرين إلى تفضيل الأرضية المهترئة للجلوس عليها.

 

فكتب أحدهم على خلفية أحد مقاعد الحجرات داخل مقطورة "الدويرة"عبارة"القطار سيئ"وقد دفعه امتعاضه إلى ترجمة ما كتب بالعربية إلى اللهجة الحسانية لكي يتمكن كل من ركب من فهم ما قاله.

 

 

 

تجاهل لعمال مؤسسين !

 

 

من المصادفة أنه كان من بين ركاب مقطورة "الدويرة" بقطار اسنيم أحد العمال الأقدمين  في شركة  "ميفارما" الذين عملوا على بناء هذه السكة الحديدية، وكان مسافرا رفقة زوجه وابنته وسط الغبار الكثيف رغم أنه من مشيدي الشركة الأم لشركة اسنيم حيث تم تأميمها من قبل الحكومة الموريتانية بقرار من الرئيس الموريتاني المؤسس المختار ولد داداه سنة 1974،

يقول بمب في حديثه للسراج " عمالت سنوات طوالا في مشروع شركة ميفرما قبل تأميمها لتكون الشركة الوطنية للصناعة والمناجم"اسنيم" بعد إنشائها من قبل الاحتلال الفرنسي، ثم غادرت بعد ذلك إلى ولاية تيرس الغربية الأرض الموريتانية السابقة والتي يحتلها الإسبان، كما عملت مع المستعمر الإسباني في قطاع الشرطة إلى أن غادر الأسبان ليعمل في بلدية مدينة الداخلة حتى الآن وهو مغربي الجنسية كانت أول مرة يزور فيها أقاربه منذ أسابيع حيث زار أهله بعد صعوبة في العثور عليهم وقد ظنوا أنه متوفى بعد أن غاب عنهم أكثر من 50 سنة.

 

الإنسان والحيوان جنبا إلى جنب !

 

إن سافرت في قطار اسنيم لا شك ستلاحظ تلك الأعداد من عمال الجرنالية والمواطنين المسحوقين والذين لا يتوفرون على مبلغ لحجز مكان على القطار وهو ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف أوقية أولئك الركاب على متن عربات نقل المعدن جنبا إلى جنب مع الدواب من أغنام وحمير متحدين في ذلك أصعب الظروف المناخية وأعلى درجات الحرارة وأدنى انخفاضاتها.

 

 

 

جانب من المقطورة المخصصة لعمال اسنيم من الخارج

المقطورة المخصصة لعمال "سنيم" وتضم أسرة ونوافذ صغيرة تمنع تسرب الغبار إلى الداخل شيئا ما