العبودية في موريتانيا .. الموجود الخفي

أحد, 2016/11/27 - 14:42
صورة للنص

هابي لم تصدق أنها خرجت من قفص العبودية إلى فضاء من الحرية، تاركة خلفها العديدين الذين لم يجدوا نفس فرصتها، حيث نفت الحكومة الموريتانية بشكل قاطع وجود العبودية بالبلاد، رغم أن العديد من الحقوقيين الموريتانيين والدوليين ما زالوا يؤكدون وجود الظاهرة بالرغم من القوانين التي أصدرت للقضاء عليها.

بعد خوضها تجربة طويلة مع أقدم أنواع العبودية في شكلها التقليدي، تكاد تكون مدة تجربتها تساوي عدد سنوات عمرها، قررت هابي أن تسهم بعمل شيء ما مهما كان حجمه، في تغيير واقع الفتيات ضحايا العبودية، من خلال عملها في مركز للتكفل بعلاج ومساعدتهن.

تقلب يديها ناظرة إلى كفيها، الممتلئان بالخدوش والتجاعيد التي أخذت مكانها بعناية بين خطوط راحتي يديها، هابي هي امرأة موريتانية في الثلاثين من عمرها، أو كما تبدو غير أنها لا تعرف متى ولدت، ولا كم من العمر بلغت، رغم أنها عاشت في كنف أسرة توارثت العلم أبا عن جد، إلا أنها لم تتربى بين أحضان الأسرة كإحدى بناتها المدللات، بل كانت "أمة" توكل إليها مهام المطبخ والغسيل والرعي بالإضافة إلى أعمال شاقة أخرى.

هابي إحدى النساء اللائي ولدن تحت الرق وتم اكتشافها وتحريرها في صيف 2007، في ضواحي المذرذرة بولاية الترارزة جنوب غرب موريتانيا،  من قبل حركة "إيرا" المناهضة للرق، وانتقلت إلى العاصمة نواكشوط لبدأ حياة جديدة تختلف عن ماضيها المليء بالاستلاب – حسب قولها - حيث تحس الآن أنها ولدت من جديد.

هي كغيرها من "العبيد" اللذين لا يحظون بنسب، تجد العديد من المشاكل في إثبات حالتها المدنية وخصوصا في الإحصاء الإداري للمواطنين، للحصول على أوراق ثبوتية، تماما كصغيرها .

وجود خفي

يقول الداه ولد بوسحاب الناشط في صفوف حركة "إيرا" "إن واقع العبيد والأرقاء السابقين بالبلاد يشهد ظروفا معيشية قاسية لبقائهم في دائرة التبعية للأسياد، وغياب وجود أية برامج تنموية تساهم في إندماجهم بالمجتمع"، مؤكدا "أن الحكومة الموريتانية تخفي حقيقة وجود الظاهرة في البلاد رغم أن المؤشرات الميدانية تؤكد ذلك". 

"كنت مع أسيادي وأسياد أوائلي، ولم أكن أشعر أني أعيش حياة آدمية، قبل تحريري على يد حركة إيرا ورئيسها "بيرام ولد اعبيدي، حيث كنت هناك أتعرض للضرب كثيرا، وتتم معاملتي بشكل سيء للغاية" تقول هابي، مضيفة: "أتمني أن يجد العبيد الذين ما زالوا عند أسيادهم حريتهم، كما كان معي".

ويتهم معارضون "الحكومة الموريتانية بأنها تصدر القوانين بشأن موضوع العبودية وتعدلها من أجل تبييض وجهها خارجيًا في حين أنها تمتنع عن تطبيقها داخليا".  بينما يشير ولد بوسحاب إلى "أن مشروع القانون الذي يحل محل القانون رقم 48 / سبتمبر 2007 المجرم للعبودية، يعد اعترافًا واضحا من الحكومة الموريتانية باستفحال العبودية في البلاد" على حد تعبيره. 

جهل وفقر ..

"لم أدرس قط، وكنت أشعر بالتعب الشديد حين كان يترك لي عمل البيت كله، بالإضافة إلى رعي الغنم، حيث تتفطر قدماي من المسير في الفيافي في ظروف مناخية صعبة، وبقيت "أمة" مملوكة حتى مجيء وفد من حركة "إيرا" برفقة عناصر من الدرك، بعد أن لجأ لها أخي مشتكيا من استمرار معاناتي في ظل العبودية"، تقول هابي.

تتحدث هابي وهي تجلس بقرب كوخها المبني في أحد الأحياء العشوائية، وطرف ملحفتها ينتفض بفعل الريح التي تجد الحرية لتخلل الأكواخ والأخبئة المغطاة بالقماشية المتناثرة هنا وهنالك، وتقول بعد أن شدت حافة ثوبها على رأسها "من يوم أخذت حريتي تغيرت حياتي بدرجة كبيرة، إلا أنني لم أجد أية مساعدات إنسانية من لدن السلطات الإدارية، حيث لا تأبه الجهات المعنية لمعاناتي والمئات من الأرقاء السابقين، حديثي العهد بالحرية، وحين تأتي مساعدات فنحن محرومون منها".

من جانب آخر فإن العديد من المواطنين في الداخل وفي المناطق النائية عن مراكز المدن يعانون من ضعف انتشار التعليم ، إلا أن الأرقاء والأرقاء السابقين يعانون أكثر بسبب صعوبة ولوجهم للتعليم نتيجة لفقرهم المدقع، واعتمادهم بشكل شبه كلي على ما يجنيه الأطفال للمساهمة في إعالة أسرهم، وبالتالي لا توجد أية أهمية لإرسال أبنائهم للدراسة، وهو ما زاد من درجات الفقر والجهل والأمية في صفوفهم  - حسب منظمات دولية ومراكز للدراسات -.

غصب للحرية والكرامة

"كنت كما العديدات من "الإماء" الذين تعرضوا مرارا وتكرارا للاغتصاب على يد أسيادهم بينما نرعى الغنم في البرية"، تقول هابي كلماتها هذه وهي تتألم حيث تدمع عيناها، كلما تذكرت تفاصيل حياتها السابقة، والتي تؤكد أن "الأسياد كانوا يمارسون اغتصابهن باستمرار، ولا يكون للمولودين آباء، مما ينجر عنه أنهم لن يتمتعوا بنسب، تماما مثل الحيوان" حسب وصفها.

إرث واسع للعبودية ..

ويلمح محمد سالم ولد محمدو، رئيس تحرير صحيفة السراج الموريتانية ومؤلف كتاب "الرق في موريتانيا"، إلى "أنه بين الحين والآخر تعلن منظمات حقوقية غير حكومية عن حالات استرقاق، لكن يبقى بيد القضاء والمنظمات الحقوقية إثبات ذلك أو نفيه". ويستدرك "الأكيد أن ثمة إرثًا واسعًا لعبودية مروعة، وبالغة السوء لا يزال تعاني من آثارها السلبية شريحة الأرقاء السابقين".

ويرى ولد محمدو أن حل مشكل العبودية إنما يكمن "في مواجهتها تنمويًا واستهداف الفقراء، خصوصًا المتضررين والعمل على تطوير تعاطي خطاب القانون والفقه والسياسة ليعي حقيقة مشكل الرق".

وكانت قد نشطت ممارسة الاسترقاق بشكل واسع في الأراضي الموريتانية حتى عهد استقلالها عن المحتل الفرنسي سنة 1960، بالإضافة إلى تجارة العبيد التي بدأت في الاختفاء شيئًا فشيئًا مع تشكل الدولة المركزية وحلول موجة جفاف قوي مطلع السبعينيات، أدت إلى تخلي معظم الأسياد عن عبيدهم ومنحهم الحرية. ويعاني الأرقاء السابقون، من الفقر والأمية والتخلف، مع تواصل الحديث عن وجود حالات رق وعبودية في الوقت الراهن رغم أن الدستور الموريتاني ينص على تحريم ذلك.

 

الصحفي المختار ولد محمد يحيى