
انعقدت في اليومين الماضيين بغينيا الاستوائية؛ القمة العربية الإفريقية الرابعة؛ وكان لافتا انسحاب دول عربية غير إفريقية وازنة منها؛ تضامنا مع المملكة المغربية؛ التي احتجت في اجتماعات الخبراء والوزراء والقادة؛ على وجود يافطات و ممثلين عن الجمهورية العربية الصحراوية العضو في الاتحاد الإفريقي.
ليس في الأمر جديد؛ فالمملكة المغربية تعتبر الجمهورية الصحراوية RASD منذ إعلانها في بداية السبعينات والتي تتخذ من حركة البوليزاريو عمادا ومن مخيمات اللاجئين الصحراويين ومن جنوب الجزائر مواطنين ووطنا وملجأ مؤقتا؛ جمهورية وهمية.
في حين تعتبر البوليزاريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب POLISARIO) المملكة المغربية سلطة احتلال لآخر بلد إفريقي محتل حسب تعبير وزير الخارجية الصحراوي.
لكن القمة العربية الإفريقية وما تخللها من انسحابات لم تكن الأولى بل الثالثة؛ حيث سبقتها قمة الكويت؛ وقمة طرابلس ولم تحضرهما الجمهورية الصحراوية لأن الكويت لم تقبل توجيه الدعوة لبلد لاتعترف به، وليبيا صديقة البوليزاريو استطاعت لملمة الحضور الصحراوي على الطريقة العربية؛ وعندما حان الدور على إفريقيا غير العربية؛ دعت كل أعضاء الجامعة العربية وكل أعضاء الاتحاد الإفريقي.
المملكة المغربية عضو فاعل في الجامعة العربية وليست عضوا في الاتحاد الإفريقي؛ وتتطلع بشكل واضح للانضمام إليه، بعد أن انسحبت من سلفه(منظمة الوحدة الإفريقية) بداية الثمانينات إثر انضمام الجمهورية الصحراوية له.
والجمهورية الصحراوية عضو فاعل في الاتحاد الإفريقي وليست عضوا في الجامعة العربية.
وتستمر دورة الانسحابات والانسحابات المضادة؛ والعودة وشروط العودة في دائرة عبثية سياسية تجعل الجامعة العربية مثيرة للشفقة أمام المارد الإفريقي الخارج من قمقمه؛ ذي الاقتصادات الواعدة والشراكات الناجحة.
يعقد الاتحاد الافريقي قمما دورية ناجعة : قمة إفريقيا والهند؛ وقمة إفريقيا والصين، وقمة إفريقيا واليابان؛ وقمة إفريقيا وكوريا ثم قمة إفريقيا وفرنسا، ولكن قمة إفريقيا والعرب تكتسي أهمية عظمى؛ تتمثل في اشتراك العرب والأفارقة في الدين والجغرافيا والسياسة والتاريخ والاقتصاد.
عشر دول عربية هي إفريقية؛ وثلثا العرب أفارقة وأكثر من نصف مساحة العالم العربي تقع في إفريقيا، ومعظم جهود إسرائيل منصبة على إفريقيا وخصوصا دول منبع النيل غير العربية؛ إضافة إلى أن أكثر من نصف سكان القارة الإفريقية مسلمون وأكثرية العرب الساحقة مسلمة؛ ناهيك عن أن ثروات إفريقيا الطبيعية وسوقها الكبير في متناول اليد العربية آسيوية كانت أو إفريقية.
لكن العرب كان عليهم أن يطالبوا بتأجيل القمة حتى يعالجوا أورامهم الداخلية المزمنة؛ فالعراق غرفة عمليات منذ مايزيد على عقد من الزمن، وسوريا رماد وطن؛ واليمن نزغ الشيطان في سماءها وبرها نزغا؛ وليبيا جذلى منذ قطعوا رأسها وفجروها تفجيرا.واحتلال القدس وتقطيع الضفة وقطاع غزة واحتلال سبته وامليليه وطنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى أورام بل وكسور.
حالة العرب الآن لا تتطلب قمما مع الآخر بقدرما تتطلب قمما مع الذوات؛ إذكان على قمة انواكشوط العربية الأخيرة أن تبقى في حال انعقاد دائم؛ مالم تجف الدموع وتتململ الجراحات.
وليست الحرب الطاحنة في الصحراء الغربية منذ أربعين سنة والتي أهلكت الحرث والنسل وشاركت فيها موريتانيا والمغرب وجبهة البوليزاريو وتوقفت بمسلسل تسوية غير عربي أصلا، سوى أقدم تلك الأورام العربية وأكثرها شقا للصف العربي؛ فقد قتلت اتحاد المغرب العربي في مهده وتسببت في شراكة استراتيجية بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي العربية؛ تعوزها الجغرافيا.
هروب العرب من واقعهم وقدومهم إلى مالابو في حالة "سكر سياسي" سيؤدي لامحالة إلى "نفور إفريقي" عميق من العرب ومالهم وسياساتهم وشراكاتهم وصداقاتهم وجيرتهم. والقراءة السياسية للبدائل من البداهة بمكان.
ليس على المغرب حرج في العودة لافريقيا التنظيمية المتحدة القوية، وقد نجح في شق الصف العربي أكثر من الصف الإفريقي في مالابو؛ ولربما أضر بأجواء عودته الإفريقية المزمعة؛ لكنه نجح أيضا في هز الرئاسة الموريتانية للقمة العربية؛ واستطاع أن يكسب نقاطا إعلامية غير سياسية بالضرورة خصوصا وأنه أفسد الإجماع الخليجي ببقاء الكويت في مقعدها.
لكن مستوى التمثيل العربي في القمة كان متماشيا مع الحالة العربية عموما، هزيلا متعاليا مترهلا مستهزئا بالعملاق الإفريقي النامي.
أما البوليزاريو التي تتداخل بشدة مع الجمهورية التي خرجت من رحمها فقد امتصت حرج غيابيها عن القمتين السابقتين واستطاعت أن تحافظ على إجماع إفريقي مريب على التمسك بها؛ وحتى الدول التي لاتعترف بها أصلا والتي من بينها محسوبات على الرباط لم تنسحب ولم تحتج.
قد يحسب البعض أن صاحب القلم يكتب مع طرف أو ضد آخر، وله الحق في ذلك لكن الأمر ليس كذلك؛ فأن تكون عربيا إفريقيا يعني أن تحمل أوجاعا على أخرى.
وتبقى الأورام العربية المزمنة مكمن الأدواء والمشاكل؛ مالم تنتصب الحكمة العربية الأصيلة؛ وتتحرك الجامعة العربية المثخنة بالضمادات والمراهم للملمة الشتات العربي الوشيك التلاشي.