
غزة من جديد تطل علينا بكبريائها وشموخها لتكتب التاريخ المعاصر، وتهزم الأحزاب الغربية المتحالفة ضد العصابة المؤمنة المرابطة في أكناف بيت المقدس، وتثبت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم التي بدت جلية في هذه الأحداث التي هدت المنظومة الغربية "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم"، ولما انقشع غبار المعركة وتحققت الهدنة مع العدو مكرها بدأت معركة ترتيب البيت الداخلي لغزة، فكما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بعد هزيمة الأحزاب بمعجزة إلهية: هل وضعت سلاحك؟ قال: نعم، قال جبريل: فإن الملائكة لم تضع أسلحتها، فقال النبي صلى عليه وسلم: ما الخبر؟ قال جبريل: إن الله يأمرك بقتال بني قريظة. لأنهم خانوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وتحالفوا مع الأحزاب فهذه خيانة عظمى هددوا وجود الأمة الإسلامية لذا استحقوا هذا المصير، فها هو السيناريو يتكرر مع الخونة أمثال أبي شباب وزمرته من منافقي العصر فبادرت حركة المقاومة بالتخلص من درن هؤلاء الأنجاس الأنذال الذين تخلى عنهم الاحتلال كما تخلى الأحزاب عن بني قريظة.
تذكرنا غزة العزة أمجادا قرأناها في غابر الدهر ولم نرها كحطين والقادسية والزلاقة، فرأينا الصهاينة بين أسير وقتيل وجريح رغم أن المقاومين المحاصرين يقاتلون أعتى الجيوش المدعومة بأحدث التقنيات الفنية والتكنولوجية واللوجستية وفتح الغرب لهم خزائنه ومصانعه، وشاهدنا رجالا بتقنيات محلية يخرجون من الأنفاق ويضعون العبوات في الدبابات المصفحة دون أن يلحظهم المحتل، ولا تكاد ترى رغم التقتيل والتدمير رجلا ولا إمرأة ولا شيخا ولا طفلا يتبرأ من المقاومة أو يرفع راية الاستسلام، بل تجد الأطفال يكتبون أسماءهم على أجسادهم حتى يتم التعرف عليهم بعد استشهادهم، ورأى العالم بمحاجر عينيه من يحترق ولا يتزعزع عن مبادئه، ورأينا الأمهات الطبيبات يركضن تحت القصف من أجل إنقاذ الجرحى فيبلغهن استشهاد أبناءهن وإخوانهن وأزواجهن فيصبرن ويحتسبن، تلك شجاعة ويقين وثبات وتوكل لا انفصام لها مع حب الأقصى والموت من أجله في سبيل شموخ الأمة وتأدية واجب الوقت.
هم الرجال وعيب أن يقا
ل لمن لم يكن مثلهم رجل
وكما يقول ابن حزم
وألزم أطراف الثغور مجاهدا
إذا هيعة ثارت فأول نافر
لألقى حمامي مقبلا غير مدبر
بسمر العوالي والدقاق البواتر
كفاحا مع الكفار في حومة الوغى
وأكرم موت للفتى قتل كافر
فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلني من قطين المقابر
والعدو يتألم كما نتألم فأسراه تحت الركام مع شهداء الغزيين، وشتان من تصعد روحه إلى الجنان، ومن تتسفل روحه في غياهب النيران.
ونذكر هنا في مجال صناعة النصر في أرض الكرامة والإباء- بعد حمد الله وتوفيقه وبطولات الغزيين- السيف اليماني المصلت على رقاب اليهود وحصاره للكيان المزعوم، والذي خرج من غمده فقاتل بشراسة تحالف الشر آمريكا وبريطانيا واسرائيل وهزموا مما اضطر آمريكا إلى رفع الراية البيضاء أمام بسالة اليمنيين الشجعان وإعلان هدنة مع اليمن السعيد، وهي رسالة للمتخاذلين بأن آمريكا ليست قوية بالدرجة التي نظن وإنما هي فرقعات هوليوودية إعلامية وحقيقتها أنها أجبن من صافر.
ألا أبلغ معاوية بن حرب
مغلغلة من الرجل اليماني
وهكذا هب اليمنيون يفدون الأقصى بمهجهم ويتشبثون به، فصارت مسيراتهم وصواريخهم تقصف مطار بن غوريون وميناء إيلات وعمق تل أبيب ليكملوا بذلك حصار دويلة المختل بحرا وجوا، ودفعوا أرواحهم في سبيل ذلك، كما دفع الغزيون الثمن غاليا قادة وشعبا فبكاهم القاصي والداني
وباتت بصنعاء تبكي السيوف
عليه وتبكي القنا في عدن
وغصت مناحاته في الخيام
وغصت مآتمه في المدن
ولو أن ميتا مشى للعزاء
مشى في مآتمه ذو يزن
فتى كاسمه كان سيف الإله
وسيف الرسول وسيف الوطن
نعم هكذا كان اليمن في قلب المعركة، فلم يدخر جهدا في نصرة الأمة في هذه اللحظة العصيبة التي تكادمت فيها الحمر الغربية على المسلمين، فكان اليمانيون خير نصير بعد الله سبحانه وتعالى رغم بعد الشقة، وتركوا بصمات خالدة فضحت الأقرب من المتخاذلين الذين انتظروا نهاية غزة فكانت معرية لهم فانتهت إلى غير مرادهم، كما استبشر المنافقون عند خروج المسلمين لملاقاة الروم في غزوة تبوك التي وقعت كالصاعقة على المنافقين ففضحتهم وكشفت حقيقتهم فما أشبه الليلة بالبارحة! وفازت اليمن بمعذرة ذي رعين وشاركت في الذود عن حياض الأمة وسط المتواطئين وما أكثرهم وأحقر شأنهم، "رضوا بالقعود مع الخوالف"، في حين كان رئيس كولومبيا يدعو لتشكيل جيش دولي يحرر غزة من براثن المستعمر الغاشم.
خلق الله للحروب رجالا
ورجالا لقصعة وثريد
"الإيمان يمان والحكمة يمانية" تلك المسلمة التي لا تقبل الجدل، فهم يجسدون البطولة والشرف والنبل والإيمان وحقيقة واجب نصرة المؤمن في أوقات الشدة.
رجال كالجبال على جبال
وتاريخ تضيق به السطور
معلقة قراهم في الأعالي
وفوق سطوحها نار ونور
يضيئون الطريق لكل جار
ولا يجري من الطرقات جور
يمانيون من قبل الأسامي
لهذا هم بكل فم حضور
تفيض علينا غزة من العظمة ما يعيدنا إلى العهود السحيقة من الإسلام المدني التليد، فما استكانوا ولا هانوا ولا ضعفوا ولا ذلوا، وعرفوا حق الله عليهم في الذود عن الأقصى حتى مرغوا أنوف المحتلين، وفرضوا عليهم هدنة تذلهم، فالمستعمر المختل فقد شرفه ورجاله ونساءه دون أن يبلغ غايته، وهذه العزة تعيد إلى الأذهان قول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فوقف كبار الصحابة وأبطالهم وطلبوا السيف فلم يعطوه، فسأل أبو دجانة وما حقه يا رسول الله؟ فقال: أن تضرب به العدو حتى ينحني، فقال: أنا آخذه بحقه، فأعطاه إياه، فخرج مستبشرا بهذه المكانة العظيمة التي نالها وعصب جبهته بقماشة حمراء وأخذ يتبختر أمام الجيش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن"
