
أثار مقترح تعديل النظام الداخلي للجمعية الوطنية الموريتانية، الذي يناقشه البرلمان خلال جلسة علنية اليوم الأربعاء، جدلا بين النواب حول تعديلات تمس حساسية العلاقة بين حماية الحصانة البرلمانية وتعزيز الانضباط داخل المؤسسة التشريعية.
المقترح الذي عرض على النواب، يتضمن تغييرات على مواد أساسية تنظم عمل البرلمان، من بينها شروط تشكيل لجان التحقيق البرلمانية، وقواعد رفع الحصانة عن النواب، والإجراءات التأديبية المتعلقة بسلوكهم داخل الجلسات.
صلاحيات أكبر لمكتب الجمعية
ومن أبرز ما جاء في التعديلات، منح مكتب الجمعية الوطنية صلاحيات مركزية في تقرير مصير عدد من الإجراءات، بما فيها قبول تشكيل لجان التحقيق – وهي إحدى أدوات الرقابة البرلمانية – والتي اشترطت المادة 123 لتشكيلها تأييد ما لا يقل عن 7% من أعضاء البرلمان، ينتمون إلى فريقين مختلفين، وموافقة المكتب على التكاليف والموضوع.
واعتبر نواب أن هذه الصيغة قد تضعف من فاعلية الدور الرقابي للبرلمان، إذ تجعل من إمكانية إطلاق لجنة تحقيق مرهونة بمسار إجرائي قد يستعمل لتأخير أو تعطيل العملية.
الانضباط البرلماني.. الحدود والملامح
التعديلات شملت كذلك مجموعة من المواد (من 80 إلى 84) تتعلق بـ"الانضباط البرلماني"، حيث وضعت لائحة موسعة من الأفعال التي تستوجب عقوبات تصل إلى الطرد المؤقت لمدة تصل إلى 60 يوما، أو حتى 4 أشهر في حال الامتناع عن الخروج بعد الأمر بذلك من رئيس الجلسة.
وتشمل هذه الأفعال "سب الدين الإسلامي"، أو "ازدراء رئيس الجمهورية"، أو "ممارسة دعاية عنصرية أو تحريضية"، أو "إهانة أحد الزملاء". كما تنص المادة 82 على عقوبات مالية، منها الحرمان من نصف علاوة الدورة لمدة أربعة أشهر، وحرمان أكبر في حالة العود.
ويرى بعض المتابعين أن هذه الإجراءات قد تفتح الباب أمام تأويلات سياسية للعقوبات، و"تكريس مناخ تضييق على حرية التعبير داخل المؤسسة التشريعية"، فيما يعتبرها مؤيدو التعديلات خطوة ضرورية للحد من "الفوضى اللفظية" التي شهدتها بعض الجلسات السابقة.
الحصانة في مرمى التعديل
في سياق مواز، نصت المواد 86 و87 على تنظيم آليات رفع الحصانة، سواء داخل الدورات أو خارجها. فبينما خولت للجنة مختصة صلاحية الاستماع للنائب المعني أو ممثله، منح التعديل مكتب الجمعية الوطنية صلاحية البت في الطلبات خارج الدورات، شريطة التأكد من "جدية ومصداقية الطلب"، والتصويت بالأغلبية المطلقة.
ويخشى منتقدون من أن يؤدي هذا الإجراء إلى تسييس الحصانة البرلمانية أو استخدام صلاحية المكتب في عرقلة الملاحقات القضائية الجدية، أو العكس، استخدامها كأداة للضغط على نواب معارضين.
جدل تحت قبة البرلمان
وقد أثارت التعديلات نقاشا حادا داخل قبة البرلمان، خاصة في صفوف كتل المعارضة، التي اعتبر بعضها أن النظام الجديد يميل أكثر إلى تكريس سلطة المكتب وتقييد حرية العمل البرلماني الفردي.
في المقابل، يرى مؤيدو التعديلات أن ما جرى هو "تحديث ضروري" لتأمين عمل برلماني منظم ومسؤول، يحفظ هيبة المؤسسة ويحد من التجاوزات التي قد تضر بصورة البرلمان.