فضل الأضحية وحكمها وسننها / د. مولاي إسماعيل الشريف

سبت, 2025/05/31 - 21:08
الدكتور مولاي إسماعيل القرشي الشريف - باحث متخصص في الدراسات الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

فضل الأضحية وحكمها وسننها :

        الحمد لله رب العالمين الذي أقسم بليال عشر، وعظم أيامها على سائر الأيام وجعل العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ، وصلى الله وسلم على من صلى لله وحج وجاهد ونحر وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: فهذا بيان لفضل الأضحية وحكمها وبيان سننها راجيا من الله تعالى أن يجعل ما كتبت علما نافعا وعملا متقبلا .

فضل الأضحية:

اتفق العلماء على فضل الأضحية وعلى أنها قربة من أفضل القربات إلى الله تعالى لقول الله تعالى : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) ، كما أجمعوا على استحباب استحسانها واختيار أكملها)،واستحب الجمهور تسمينها، قال الله تعالى:{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا ‌الْخَبِيثَ ‌مِنْهُ ‌تُنْفِقُونَ..} وقال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)ومن فضل الأضحية أن المضحي يمتثل أمر الله في قوله (فصل لربك وانحر) ، وفي فضلها يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما عملَ آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض )قالت عائشة رضي الله عنها وهي راوية الحديث: (فطيبوا بها نفسا)، والمعنى أنها تأتي يوم القيامة شاهدة لصاحبها، أو توضع بكاملها دون نقص في ميزان حسناته .

حكم الأضحية :

اختلف العلماء في حكمها على قولين :

اختلف العلماء في حكمها فقال الإمام مالك -رحمه الله- الضحية سنة وليست واجبة ولا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها أن يتركها هو مذهب جماهير العلماء.

وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه-رحمهم الله- إلى وجوبها والأول أرجح .

شروط صحة الأضحية وسننها:

اشترط العلماء للأضحية شروطا وقسموها إلى قسمين : شروط صحة وإجزاء وشروط سنن وكمال وهي اختصارا :

أولا: شروط الصحة والاجزاء :

سلامتها من العيوب، فلا تصح إذا كان فيها عيب ظاهر وهذه العيوب هي :

1-(-العماء، والعور،والهزال ، والمراد به الضعف الذي تصبح معه لا مخ لها، والعرج البين، والمرض البين)، وهذه العيوب الأربعة إذا وجد في الأضحية واحد منها منع من صحتها واجزائها وقد دل على هذا الحصر قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكبيرة التي لا تنقي)وهو من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفي رواية أحمد أنه قيل له : فإنا نكره أن يكون في الأذن نقص أو في العين نقص أو في السن نقص . قال : ما كرهته فدعه ولا تحرمه على أحدفهذا ظاهر في أن العيوب الباقية تنقص من الأجر ولا تمنع من الاجزاء

2- أن لا يكون فيها عيب خلقي كقطع الأذنين أو إحداهما أو اللسان أو الأنف سواء كان بفعل الإنسان أو خلقة ،كمقطوعة اللسان، أو الصماء ، أو البكماء، واستثنى بعض أهل العلم النقص اليسير وهو ما دون الثلث من الأذن، أو القرن، وهذا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم (عن الأضحية بعضباء الأذن والقرن)وفي رواية:( ولا ببتراء ولا بجدعاء)

قال الإمام مالك -رحمه الله- : "كانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَتَّقِي مِن الضَّحَايَا والبُدْنِ الَّتِي لمْ تُسِنَّ وَالَّتِي نقصَ من خَلْقِهَا، وَهَذَا أَحَبُّ ما سَمِعتُ في ذلك"

ومثل ذلك مقطوعة الذيل ، أو الضرع ، وزاد بعضهم أن الحامل لما في هذا كله من نقص.

        وعلى الجملة كل ما ينقص من قيمتها لهذه المهمة التي هي الأضحية يعد عيبا وهو كما ترى درجات.

3-أن تكون من بهيمة الأنعام ذكورا أو إناثا :(الإبل ومنها البخت ، والبقر ومنه الجواميس، والغنم -ضأن وماعز) ، وذلك لقول الله تعالى : {وَلِكُل أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ}، والذكور أفضل واختلف في أي الأنواع أفضل، يقول النووي-رحمه الله -: وَاخْتَلَفُوا فِي ‌الْأُضْحِيَّةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرَ ثُمَّ الْغَنَمَ قياسا على الهدي، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ أَفْضَلَ ‌الْأُضْحِيَّةِ الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُفمن رأى اعتبار كثرة اللحم وارتفاع الثمن قال الإبل والبقر أفضل واستظهروا ذلك بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم جوابا لمن سأله عن أفضل الرقاب (أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسهَا عِنْدَ أَهْلِهَا)وحديث ساعة الجمعة وفيه (فكأنما قرب بدنة ) فبدأ بالإبل ثم البقر ثم الغنم.

ومن نظر إلى جودة اللحم قال الضأن والماعز أفضل، يقول النووي -رحمه الله- : لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ ‌الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ وَلَحْمُ السَّمِينِ أَوْفَرُ وَأَطْيَبُ وذكور الضأن أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قَالَ:" ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا"مع قول الله تعالى : (وفديناه بذبح عظيم ) وكان كبشا.

والذي يظهر أن الأدلة متقاربة في أي الأنواع أفضل، وبذلك يبقى التقدير للمضحي نفسه باعتبار أحوال الناس وقدرته.

4- ملاحظة : يشترط في المضحي اليسار والمقدرة وليس المراد به أن يكون غنيا يخرج الزكاة من أي مال بل يكفي أن يكون غنيا عنها أو عن ثمنها في ضرورياته ، ولو كان قادرا على الاستدانة مع قدرته على الوفاء ندبت له .

5- المجزي أن تكون الأضحية ثنية فما فوقها من بهيمة الأنعام، او جذعة فما فوقها من الضأن ، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَذْبَحُوا إِلَاّ مُسِنَّةً إِلَاّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ )وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نِعْمَتِ الأُْضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ).

6- أن تذبح بعد صلاة العيد لا قبله فما كان قبل العيد ليس أضحية وإنما هو شاة لحم وعلى صاحبها أن يذبح مكانها أخرى ، وهل المراد بالصلاة صلاة الإمام أم صلاة المضحي نفسه قولان لأهل العلم يقول الله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ النَّحْرِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا: نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سنتنا وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ).

ثانيا: من سننها:

1-من السنة أن يضحي المسافر لغير الحج ، وله أن يضحي عن ولده ووالديه أحياء كانوا أم أمواتا.

2-للمضحي أن يأكل من أضحيته ويتصدق ويهدي إلى جيرانه وغيرهم، لقول الله تعالى:( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).

3-يسن ذبحها في ثلاثة أيام يوم النحر-وهو الأفضل- ويومان بعده ، والسنة أن يذبحها نهارا لما يناسب الشعيرة من الإظهار قال الإمام مالك-رحمه الله- لا تذبح الضحايا والهدايا إلا في أيام النحر ‌نهارًا، ولا تذبح ليلًا.

4-ومن سنتها أن يتولى المضحي ذبحها بنفسه أو يحضر ذلك وأن يقول باسم الله والله أكبر

قال أبو عمر : فَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ فِي ‌الْأُضْحِيَّةِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَمَّى اللَّهَ أَجْزَأَهُ

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمُ أَضْحَى، وَأَجْمَعُوا على أَنْ لَا أَضْحَى بَعْدَ انْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ، ولا يصح عندي في هذا إِلَّا قَوْلَانِ: ٌ: أَحَدُهُمَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ الْأَضْحَى يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَالْآخَرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالشَّامِيِّينَ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ..

5- أن الشاة تجزي عن واحد والبقرة والبدنة تجزي عن سبعة أشخاص على مذهب الجمهور، خلافا للمشهور من مذهب مالك حيث يرى أن البدنة أو البقرة إنما تجزء عن واحد ولا يصح الاشتراك فيها.

        والأفضل أن تكون كما بينته أمنا عائشة -رضي الله عنها-إن أمكن ذلك فقد قالت : إن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ" فَقَالَ لَهَا:" يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ" ثُمَّ قَالَ:" اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ:" بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ" ثُمَّ ضَحَّى بِهِ.

     ورتبها الإمام مالك حسب الأفضل عنده كما قال ابن عبد البر -رحمه الله - على النحو الآتي: (فحول الضأن ثم خصيانها ثم إناثها، ثم فحول المعز ثم خصيانها ثم إناثها ثم البقر والإبل).

ملاحظة : لا يلزم من نوى الأضحية أن يترك شيئا مما كان مباحا له قبل دخول عشر ذي الحجة على الراجح من أقوال أهل العلم وفي هذا يقول أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله- : وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي عليه السلام أنه قال: إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره؛ لأن في هذا الحديث النهي عن أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره أو من شعره كل من أراد أن يضحي، والهدي في حكم الضحية، وفي حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد تقليده الهدي لم يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم فهو معارض لحديث أم سلمة، وهو أثبت منه وأصح. ، وذكر أن حديث أم سلمة فيه ضعف وبينه بما ذكر مما فيه من جهالة بأحد رواته ، ثم قال أبو عمر : ترك مالك أن يحدث بهذا الحديث في آخر عمره وقال عنه عمران بن أنس فقال : ليس من حديثي قال فقلت لجلسائه فقد رواه عنه شعبة وهو يقول ليس من حديثي، وهذا ما يؤكد قول أبي عمر إن مالكا رجع عن التحديث به..

أنتهى ما أردت جمعه وتلخيصه ، والحمد لله رب العالمين وسبحان الله والله أكبر ،ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله .

كتبه

د. مولاي إسماعيل القريشي الشريف

M2im2i2011@gmil.com

مكة المكرمة 3/12/1446هـ