"هدى للمتقين/ خليهن محمد الأمين

ثلاثاء, 2024/03/12 - 11:57

﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة ٢] 

الهداية هي أكبر أوصاف القرآن، وأبرز خصائصه، وقد ورد وصفه بأنه هدى، وفيه هدى في مواضيع كثيرة.

وهداية القرآن هداية شاملة؛ ترسم معالم الحق في كل جوانب الحياة؛ من عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وتشريع، فتخلّص الإنسان من وساوس الحيرة والشّك الذي تزرعه الفلسفات البشرية، وتمدّه باليقين والراحة والطمأنينة.

وهداية القرآن ثلاث مراتب: 

أولها: هداية التوفيق، وهي الواردة في قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52]. وهذه الهداية لا تكون إلا من عند الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يوفّق من يشاء من عباده فيقذف في قلبه نور الإيمان، ويريح منه غشاوة الكفر والفسوق، وييسّر له الانتفاع بالقرآن.

وثانيها: هداية الإرشاد، ونصب براهين الحق وأدلته، وهذه هداية عامة لكل الناس؛ مؤمنهم وكافرهم، وهي التي ورد فيها قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ) [البقرة: 185].

قال الإمام ابن عاشور: "وبالبينات من الهدى: ما في القرآن من الاستدلال على الهدى الخفي الذي ينكره كثير من الناس، مثل أدلة التوحيد، وصدق الرسول، وغير ذلك من الحجج والبراهين القرآنية. والفرقان مصدر فرق، وقد شاع في الفرق بين الحق والباطل" [التحرير والتنوير، ج1/ ص856].

وثالثها: هداية الانتفاع بالقرآن، وهذه هداية خاصة بالمؤمنين، وهي التي ورد فيها آية سورة البقرة التي صدّرنا بها الكلام، وورد فيها قوله تعالى: (هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 203].

ولاحظ الإمام الراغب الأصفهاني أن هذه الهدايات مرتبة، فمن لم تحصل له الأولى وهي توفيق الله تعالى، لا تحصل له الثانية، وهي تقبل ما في القرآن من أدلة وبينات، ومن لم تحصل له الثانية، لا تحصل له الثالثة، وهي الانتفاع بالقرآن.