وظيفة السجن التأهيلية أهم من تلك العقابية

جمعة, 2024/09/27 - 09:48
بقلم: باب ولد إبراهيم

عرض الصغار تجاربهم "النميري، محمد سي، ولد اعلاده.."، وكانوا شجعانا، تحدثوا عن محطة مظلمة من حياتهم، وعن عالم الجريمة بإسهاب، ثم أعلنوا توبتهم، وطلبوا من الشباب تجنب ذلك العالم "عالم الجريمة"، فهل سيلهم الصغار الكبار، على الأقل في الجانب المتعلق بالتوبة، والتحذير من خطورة الجرائم التي تضر المجتمع، وتوقع بمرتكبها عاجلا أو آجلا..؟، وهل خروج سجين سابق بمجرد انتهاء محكوميته دون إعادة تأهيله سيكون إيجابيا عليه، وعلى مجتمعه أم العكس؟

 

للأسف لم نصل بعد مرحلة التأهيل بالسجون، ويتضح ذلك من حديث أصحاب السوابق التائبين، فقد كان ذلك واضحا من حديثهم عن فترتهم بالسجن، وعن واقعهم حين خرجوا، وهو أمر يصعب من اندماج أصحاب السوابق بالمجتمع، حيث يخرجون إلى نفس الظروف التي دفتعهم إلى عالم الجريمة..، وهم أيضا أنفسهم، وهو ما يجعل احتمال عودتهم لذلك العالم أمرا واردا جدا، وربما اكتتباهم لآخرين..

نعم يجزم بذلك أي متابع، رغم المؤسسات الكثيرة والمتعددة "إدارات سجون، مفوضيات -حقوق..- ولجان، وآلية على الأقل.."..، وتوقف هذه الأجسام عند أمور مع أهميتها ليست جوهرية حين يكون الحديث عن التأهيل، ودمج أصحاب السوابق بشكل سلس داخل المجتمع..

 

في سجون العالم يخرج أصحاب السوابق بمستويات تعليمية جيدة، وحرف تعينهم على العيش، تم تكوينهم عليها وهم بالسجن، ومثل تلك البرامج هي الضامن الأهم لكف ضررهم، وتحويلهم إلى أناس طبيعيين، فالسجن ليس مكان محكومية وعقوبة فقط، وإنما هو مكان أيضا يعاد فيه تكوين الإنسان، وتأطيره على الأمور الإيجابية، وإقناعه بأنها الطريق الصحيح والأمثل للعيش داخل المجتمع، وتحقيق كل شيء من خلال ذلك الطريق..

 

إن غياب برامج إعادة التأهيل، والتركيز على جوانب أخرى تحت ضغط المنظمات الدولية، يظهر اختلالا كبيرا في استراتيجية الدولة المتعلقة بمحاربة الجريمة..

 وفي الحقيقة يميز فلسفة دول العالم الثالث في الأمور المهمة إهمال الإنسان، فلن تجد تلك الفلسفة تستهدف الإنسان من الزاوية الأهم، والضرورية له حتى ينهض، ويحس أنه هو المستهدف ببرامج الدولة وفق استرتيجياتها، لينتشل من الوحل ومستنقع الإحباط والتفكير السلبي إلى فضاء يسعه، ويعيش فيه بكرامته كأي إنسان طبيعي، وقد أصبح ذلك أمرا ملحا، بسبب توسع المدينة، وانتشار الجريمة.

 

 لقد أصبح من الضروري اعتماد مراجعات شاملة، وبالكاد في كل شيء، حتى يشعر المواطن في عالمنا بالحد الأدنى من القيمة، والأهمية التي يفترض في القائمين على شؤونه منحه إياها..، والعمل بجد على خلق إنسان ناجح، تطارده البرامج المهمة والناجعة، وتطرق عليه كل الأبواب حتى أبواب السجن لتجعله فاعلا إيجابيا بمجتمعه، وإنسانا صالحا له ألف طريق للنجاح، بعيدا عن عالم الجريمة والفشل.