ولد عبد العزيز ينجح في حماية صديقه ويفشل في حماية مصالح البلد

أحد, 2017/02/19 - 23:49
 محمد محمود ولد بكار

منذ شهر وتلفزيوناتنا الرسمية و"شبه الرسمية"، المملوكةلعزيز عبر أقربائه، تدق طبول الفتح المبين الذي أحرزه ولد عبد  العزيز وهو يمد يده متأخرا برصاصة الرحمة لصديقه فيغامبيا،  الذي كان مثل الغريق يبحث عن قشة لعلهينجو"وبمسروقاته وفي نهاية المطاف بجلده" ،  لقد كانجامى وقحا عندما أخذ سيارات المراسيم ومدخرات للدولة منالعملة الصعبة، لكنه لم يصل إلى درجة بيع المدارس ولا مدرجالطائرات ولا الملعب الأولمبي ولا مدرسة الشرطة. صكتالتحليلات، التي تأخذ نفس المنحى من تمجيد عزيز، آذانالناس وهي تستمع للمحللين (عبر اللغتين العربية والفرنسية،وعلى نحو  يذكر بأصناف الميوعة وفقدان أيّ شعور بأهميةالمصداقية الشخصية قياسا بتوحيد الرئيس الرمز في عهدمعاوية حينما لم تكن هناك أي فرصة للحياة إلا ذلك الفتاتالذي يوزعه النظام مقابل الموت عند قدميه ) وهم يصوغونالتحليلات الجريئة بفوز "الدبلوماسية الموريتانية". ليستهناك دلالة واقعية يمكن إسقاطها على هذا الحدث إلا إذا كنّانعني إنقاذ جامى وانفلات غامبيا من بين أيدينا. فمن أصلأربع دول مجاورة تعرف علاقتنا توترا مع ثلاث منها بشكلشبه دائم، والأسباب لا يطلع عليها إلا شخصان أو ثلاثة فيالبلد، وتلعب فيها العوامل الذاتية دورا رئيسيا. وها هيعلاقاتنا تشهد فتورا كبيرا مع فرنسا، وتراجعا مع دول عربيةمهمة، كما زار وزراء الدفاع الفرنسيين والألمان ورؤساء الولاياتالمتحدة وفرنسا وملك المغرب المنطقة من حولنا مرات عدة دونأن يكون بلدنا ضمن برنامج أي من تلك الزيارات خاصة أنبعضها يدخل في إطار محاربة الإرهاب في منطقتنا والتينروج باستمرار بأهمية دورنا  فيها، مع أن دولا أقل اندماجا منافي القضية تمت زياراتها مثل بوركينا فاسو خاصة من طرفالوزراء الغربيين، وحصلت على مساعدة أكثر منا في مضمارتحسين قدراتها على مواجهة الاٍرهاب،  كما تمت زيارة"حليفتنا" الجزائر  مرات عدة في نفس المضمار، وبقينامعزولين. وهكذا يجب علي وجه الإحتياط أن يكون البعضيقظا في ما يتعلق بكلمة "النجاح"، إذا كانت المصداقية تهمأحدا. 

لقد كانت موريتانيا تملك علاقات استراتيجية مع غامبيا. فمنذمطلع التسعينيات كانت السينغال تدس أصابعها في قضيةعرقية في البلد شهدت موتا سريريا لولا تدخلها من حين لآخرخاصة بعد أحداث 1989. وكانت السنغال، لحسن الحظ،تواجه نفس مشكل "أقلية انفصالية" مجسدة في إقليمكاسامانس. وقد وجدت موريتانيا الفرصة لتبادل الضغط  معالسينغال،  كلما كان ذلك ضروريا في سبيل منعها من التدخلفي الشأن الداخلي. ولأن كاسمانس وغامبيا يملكان حدودامشتركة وعلاقات اجتماعية متداخلة بين شعب الكيانين ،حافظت موريتانيا على تلك العلاقات المميزة مع غامبياللحفاظ على "توازن الرعب" مع الجارة الشقيقة. وقد لعبيحيى جامى، الذي كان منذ البداية يكافح الهيمنةالسينغالية، هذا الدور بتفان وإخلاص لموريتانيا لدرجة أنالبلد صار يعتبره حليفا استراتيجيا قويا، لكن هذه العلاقةانسحبت مع الوقت إلى الشعبين الغامبي والموريتاني،وأعطت للبلد فرصة لأن تكون لديه أكبر جالية في غامبيا. ومعآن الدبلوماسية الموريتانية لم تستغل هذا الوزن الكبيرلجاليتها من أجل دعم مصالحها الإستراتيجية في البلد، فلمتعوض ذلك بمراقبة يقظة للأحداث في بلد يكاد يكون الوحيدفي العالم الذي تملك معه علاقات استراتيجية كما انسجمتحول ذلك أربعة أنظمة تعاقبت على البلد . لم تتحرك موريتانياانطلاقا من أي رؤية للسيناريوهات المُحتملة،  ولا بأي شكلللحفاظ على هذه العلاقة بشكلها هذا كأولوية. وهكذااستطاعت السينغال، مغتنمة تلك الفرصة، وأيضا فرصةالتوجه الدولي نحو حماية الديمقراطية، أن تقف إلى جانبالديمقراطية التي كانت الوريث الشرعي الوحيد للحكمالغامبي، وعزل نظام ظل يجلس على أنفاسها أزيد من عقدين،أي أن السينغال حمّلت الغامبيين دينا لن يسددوه طيلةحياتهم، وكسبت علاقات عميقة ظلت عاجزة عنها طيلة عشرينسنة الماضية - بسبب حكم جامي - مع السلطة الجديدة فيالبلد على حساب موريتانيا وكاسامانس، ولكنها لم تفعل ذلكباسمها الشخصي، بل تدخلت في أول الأمر من أجل تنشيطقيم الديمقراطية في إفريقيا الغربية ولتفعيل دور منظمة ميتة  منذ بعض الوقت، أي تحت غطاء شرعية دولية. لقد ذَكّرَ ماكيصال بنفسه حينما جعل المعارضة السينغالية تفوز علىعجوز السينغال القوى، وها هو اليوم في محيطه القريبيفرض أيضا احترام فوز المعارضة على النظام المتغطرس فيغامبيا، بعدما سحب الرئيس المنتخب إليه وأمّنَه تحت عنوانحماية الشرعية الديمقراطية، ومن ثم تنصيبه في الآجالالقانونية بعدما قام باستفزاز جامي من خلال الصحافةالسينغالية بطلب محاكمته في المحكمة الدولية بسبب قتلجنود سنغاليين، ومن ثم مطالبة المعارضة الغامبية على الفوربمحاكمته على تسييره للبلد. كل ذلك من أجل سد الطريق أمامأي مصالحة أو مهادنة مع الطبقة الحاكمة الجديدة في البلادلكي لا يبقى له أي دور في المستقبل يقض مضجع السينغالومحو آثار علاقاته بموريتانيا. وهكذا، في خطوة مفاجئة،طوقت السينغال البلد للحيلولة دون أي فرصة للتراجع عنالنتائج، ولفرض الأمر الواقع، وباسم المجموعة الإقتصاديةلدول غرب إفريقيا. في هذا الوقت بالذات الذي كانت فيهالسينغال ناشطة لحسم الموقف ضد مصالح موريتانياالاستراتيجية، كان ولد عبد العزيز في تيرس، في جنتهالإصطناعية، يشتري مئات الرؤوس من الإبل، ويتسامر معأصدقائه المفضلين من تجار وسماسرة. وهكذا، جاء تدخلهمتأخرا وغير فعال ومجردا من أية أهمية بالنسبة للهدف الأولمن العلاقة بغامبيا، تاركا مركز موريتانيا والدور والتأثيرلغريمتها، وجاعلا السلطة الجديدة تدخل تحت جناحالسينغال، الأمر الذي سيستمر لبعض الوقت. وهكذا واجهعزيز في أول زيارة لغامبيا بعد تلك الأحداث متزامنة مع زيارةماكي صال ، الترحيب به كضيف من الدرجة الثانية واستقبلتهنائبة الرئيس ،بينما حظي ماكي صال بكل الحفاوة واستقبلهالرئيس . لقد خسرت موريتانيا حليفا مهما في وقت تشهد فيهعلاقاتها بالسينغال توترا بسبب دورها إلى جانب الحركاتالمصنفة ضد انسجام البلد. زيادة على ذلك، حصل ماكي صالعلى دور حماية الشرعية وإنقاذ الديمقراطية الغامبية وتعزيزعلاقات قوية مع هذا البلد الذي  ضاعت علاقاتنا معه فيتيرس، وكان تدخل موريتانيا لمجرد إنقاذ جامى وحاشيته. ومعذلك يصور محللونا الوضع على نحو مختلف وتهكمي حيثيصفون دور موريتانيا بـ"الناجح"، لكن ما معنى خسارتنالهذا الحليف؟. أهي نجاح أيضا؟. ليس هذا التفكير  هو وحدهالمستعصي على الفهم، بل كيف نحمل الآخرين تهاونناوضعف تقييمنا للأحداث؟ وكيف نحاسبهم على البحث عنمصالحهم!!؟.  يجب أن لا يكون فشلنا  سببا في التوتر بينناوالسينغال، لأن السينغال أيضا تسعى للقضاء على الحركةالانفصالية في كاسمانس وغلق جميع منافذ دعمها،  وليسلها أن تطلب منا الإذن لحماية مصالحها الحيوية، لكن ذلك لايعني بالضرورة أنها تستهدفنا. صحيح أن التخوفالموريتاني وارد من دور نظام ماكي صال الطموح في الخروجعن نطاق السينغال إلى المشاركة في دور أوسع وبصفة خاصةتنسيقه مع  المملكة المغربية التي نعرف معها توترا يكاد يكونمزمنا، وقد أبدى تحرشا بالنظام من خلال فتح صدره للحركاتذات المطالَب العنصرية ولبعض المعارضين المثيرين بالنسبةلعزيز، لكنها لم تقض على مصالح البلد داخل السينغال. ومعأن ماكي صال أبدى حسن النية بعض الأوقات إلا أن عدم الثقةلم يضع أوزاره بين البلدين. إنه لمن الطبيعي أن تحاول الدولكسب أكبر قدر من أوراق الضغط ضد جاراتها وكما نفعل نحنذلك باستمرار، لكن ذلك عبر الطرق الدبلوماسية والاقتصادوالاتفاقيات من أجل الحصول على وضع أفضل وامتيازات فيالعلاقات، وليس لأجل التوتر ودق طبول الحرب، كما أنه ليسعلى حساب مستوى معين من العلاقة  المتشابكة القديمةوالحيوية. إن السينغال جارة شقيقة وتفوق علاقاتها والمصالحالمتبادلة معها حجم العلاقة مع غامبيا التي تمثل العلاقة معهاأحد أسباب استقرار العلاقة بالسينغال لا أكثر.  وعندما تجريمياه العلاقة بالسينغال بصفة طبيعية تكون العلاقة بغامبياثانوية. إن الروابط مع السينغال عميقة من خلال علاقاتتاريخانية وحتى قبل بناء الدولتين: تتمثل في امتداد دولة  الإمامات إلى الضفة اليسرى للنهر، وامتداد إمارة الترارزهللضفة اليمنى من النهر،  والتمازج مع الامارات: إمارة الترارزهالتي ولدت العلاقات معها من عهد الأمير اعلي الكوري ولدأعمر ولد اعلي إلى ميلاد اعلي ولد محمد لحبيب من اجمبت(ملكة الوالو)، بل والدخول في حروب مشتركة لصالحها معقبائل من البيظان ضد قبائل أخرى.  وعلاقات قوية معإدوعيش حيث منح بكار ولد لسويد أحمد حق اللجوء١٨٨٩-١٨٩١ لمتمردي السينغال عبدول بوبكر وإلمامي من(بوسينا ) وعالي بوري، وبوريا من ( جولف) الذين رحلوا إلىضفة البيظان معارضين بكل ما أوتوا من قوة الغزو الفرنسيلمنطقة فوتا. إضافة للعلاقة المتينة مع لبراكنة. كما كانتالسينغال  تحتضن عاصمتنا (اندر لبيظ) التي تخلى عنهاالمختار  ولد داداه كما تخلى جيشنا عن الداخلة اثناء حكمهيدالة . الحدود الطبيعية مع السينغال تصل ٤٧٣ ،كلم،والمصالح المشتركة تتجسد في الماء والطاقة والصيد والمراعيوالتجارة والدواء والعمالة "الماهرة" في البناء والميكانيكاوالكهرباء. جزء كبير من مجتمعنا يعيش إما بصفة دائمة أوخلال أشهر من السنة وبصفة منتظمة في السينغال، ويأتيبقوته السنوي من هناك. المشاكل مع الجوار تظل قائمة (فرنساوآلمنيا: الألزاس واللورين، آمريكا والمكسيك، الهند وباكستان،وغيرها) دون أن تتأثر المعاملة اليومية الجارية  أو أن تتأثرتأثرا بالغا. فهذه مصالح وعلاقة بين الشعبين: التجاروالمشيخات الدينية والمرضي والحيوان ومن بعد ذلك المصالحالمشتركة في الغاز. إن النظام الحالي، وهو ينظر فقط للمصالحالسينغالية الجمة في موريتانيا، يتغاضى عن حجم الضررالذي ألحقه التوتر مع السينغال على حياة الكثير من العوائلفي البلد، وعلى قوتهم اليومي في حجم ونوعية المقبوضاتالرخيصة من سمكة ياي بوي التي يعيش عليها هامش كبيرمن المواطنين وعن ضياع استثمارات كبيرة في الصيد قائمةعلى وجود السيغاليين  وعن المراعي كعطية لهم من دون أيضريبة. إن المسؤولية هي أن يسير النظام ميزة وثروة البلدللإستفادة القصوى من ميزة وثروة الجيران لمصلحة المواطنينوليس للحسابات الشخصية، كما عليه أن لا يخلط بين فشلهونجاح الآخرين ليجعل من الموضوع سببا لأزمة. وهكذا منالمفيد أيضا العمل بسرعة على تعويض خسارة علاقاتاستراتيجية ببناء أخرى بديلة عنها مع دول صديقة وشقيقةوجارة. وليس بالدخول في زيادة التوتر مع الجيران ، ألا تكفي  زيادة الضغط الداخلي من خلال غياب أي فرص للعمل ،والتقتير على الناس في قوتها اليومي من خلال مضاعفةالضرائب على المواد الأساسية وغلاء المعيشة وضعف القوةالشرائية وانعدام الأمن ، لكن أن نحرمه من الاستفادة منالفرص في بلدان الجوار وأكثر من ذلك أن تظل هواجس الحربتخيم على الحياة العامة فهو إطباق حلقة العزلة والفقروانقطاع الأسباب على هذا الشعب المسكين الذي تلوكه نخبةهزيلة في سبيل أتفه المصالح الأنية. فمتى يرعوي هذا النظامومتى تنضج نخبته لتشارك في حماية الشعب والمحظيات بدلالسباق والاستماته في تزيين الخراب

 

الكاتب / محمد محمود ولد بكار