"الشنقيطي»: تركيا مؤهلة لتكون «مركز» العالم الإسلامي

ثلاثاء, 2016/08/30 - 17:50
"الشنقيطي»: تركيا مؤهلة لتكون «مركز» العالم الإسلامي

قال الدكتور «محمد بن مختار الشنقيطي» أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة «حمد بن خليفة» في قطر، قال إن تركيا هي الدولة الوحيدة المؤهلة لتكون دولة المركز في العالم الإسلامي حاليًا، واصفًا الانقلاب الأخير في تركيا بأنه آخر آلام التمزق في الذات التركية، مؤكدًا أن جماعة «كولن» تحولت لأداة دينية بيد أمريكا للتحكم في تركيا.

وأضاف في حوار له مع وكالة الأناضول على نسخة منه أن الانقلابين المصري والتركي متشابهين في الجغرافيا والاستراتيجية، ومختلفين في الثقافة السياسية والتطور السياسي، مؤكدًا أن الغرب يعادي في العالم الإسلامي أربعة أمور وهي: الإسلام، والحرية، والقوة العسكرية، واستقلال القرار السياسي ناقلًا أهم ما يحتاجه النظام السياسي التركي داخليًا وخارجيًا.

وعن تأثير فشل الانقلاب التركي على الثورات العربية، اعتبر إياه دليلا على أن الوقوف في وجه الشعوب رهان خاسر، مؤكدًا أن الثمرة الأبرز هي تحرر القيادة السياسية التركية بالإضافة لعملية درع الفرات التي ستخدم الحل السياسي في سوريا.

وتطرق «الشنقيطي» إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، قائلا: «إن التنظيم سيفقد السيطرة الجغرافية والبنية التنظيمية قريبا، لكن ستبقى كأيديولوجينا عابرة للحدود، وربما تتحول ظاهرة عالمية، بعد أن تفقد السيطرة على الأرض في سوريا والعراق وليبيا، لكنها في كل الأحوال لن تتلاشى تماما في الأمد المنظور لأن التنظيم مجرد عرَض لمرض عميق، وهو الاستبداد الداخلي والاستعباد الخارجي»، مضيفا أن «مفتاح القضاء النهائي على هذه الظاهرة هو وقْف هذه الهمجية والمعاناة التي تعانيها الشعوب الإسلامية، وبناء أنظمة سياسية ديمقراطية، تحترم إرادة الشعوب وإنسانية الإنسان».

وإليكم النص الكامل للحوار:

- كيف ترى المحاولة الانقلابية الفاشلة وموقع تركيا تاريخياًّ؟

لقد بينتُ في مقالي الأخير على موقع قناة الجزيرة بعنوان (عودة الأتراك إلى الصدارة بجدارة) أن تركيا هي الدولة الوحيدة المؤهلة اليوم لأن تكون «دولة المركز» في العالم الإسلامي، تقوده وتضبط خلافاته الداخلية، وتفاوض القوى الكبرى نيابة عنه. لكن تركيا كانت تعيش إلى عهد قريب تمزقا في الهوية والاختيار، وقد أشار إلى ذلك صمويل هنتنغتون في كتابه «صدام الحضارات». والانقلاب الأخير هو آخر آلام التمزق في الذات التركية. ولذلك فإن فشل الانقلاب، وتخلص الشعب التركي من الدولة العميقة والكيان الموازي، حرر تركيا من هذا التمزق إلى حد كبير. وأنا أرى أن تركيا ستنطلق من الآن فصاعدا دون عوائق ذاتية أو خارجية كبيرة، وستكون هي القاطرة التي تقود العالم الإسلامي في معركة الحرية والتنمية. قد تبقى بعضُ المكائد الخارجية طبعا، لكن هذه المكائد تم تجريدها من أدواتها المحلية، فلم تعد خطيرة كما كانت في الماضي.

- ما هو توصيفكم لحركة «فتح الله كولن» مقارنة بالحركات الموجودة في المنطقة، باعتبار أنها تصف نفسها بأنها جماعة دينية؟

أنا كنت ممن يُحسنون الظن بجماعة كولن بكل أسف. لكن ما تعلمتُه خلال احتكاكي بأعضاء الجماعة في أميركا وفي تركيا، وما كشفتْه الأحداث في الفترة الأخيرة، جعلني أفهم الكثير عنها لم أكن أفهمه من قبل، ولم يكن يفهمه كثيرون مثلي. فقد أظهرت الأيام أن هذه الجماعة لها ظاهرٌ وباطنٌ: فهي ترفع راية الحوار والسلام وتتودد للغرب والصهاينة، ولكنها تمارس الانقلابات العسكرية وأعمالا أخرى غير شرعية في تركيا وفي العالم الإسلامي لصالح أميركا. وزعيم الجماعة لديه آراء دينية غنوصية غريبة على عقائد الإسلام وتراثه، لكن السرية الشديدة التي تعمل بها الجماعة جعلت اطلاع الناس على آرائه الدينية وارتباطاته بأميركا صعب للغاية. وكثير من أتباع الرجل الذين يحسنون به الظن مخدوعون فيه، لأنه لا يكشف لهم عن خبايا فكره وارتباطاته. لقد أصبحتُ على يقين أن جماعة كولن تحولت أداة دينية بيد أميركا لمحاولة التحكم في تركيا، بعد أن أصبح التحكم في تركيا بأدوات علمانية غير ممكن. فجماعة كولن ببساطة هي استثمارٌ سياسي وأمني أميركي للتحكم في تركيا، ومنْعِها من الازدهار واستقلال القرار وقيادة العالم الإسلامي. فبعد أن هزم الشعب التركي الانقلابات المتسترة بستار العلمانية بدأت أميركا تحاربه بالانقلابات المتسترة بستار الدين. لكن هذا الشعب الشجاع تجاوز مرحلة الوصاية، ولن يتحكم فيه أحد بعد اليوم، سواء باسم الدين أو باسم العلمانية.

- ما رأيكم في الفرق بين الحالة المصرية والتركية في ظل الانقلابين؟

يوجد شبه كبير بين الانقلابيْن المصري والتركي من حيث السياق الجغرافي والاستراتيجي. فكل من البلدين دولة مسلمة من دول حوض المتوسط ذات ثقل سكاني وتاريخي، وكلاهما بلد محوري في ستراتيجية النفوذ الأميركي، وكلاهما وصلت إلى حكمه بالانتخاب قوةٌ سياسية تعاديها أميركا وإسرائيل، وكلا الرئيسين -أردوغان ومرسي- منتخب انتخابا نزيها، وقد حصلا على نسبة متقاربة من أصوات الناخبين. وتدل قرائن متواترة إلى تواطئ أميركا وإسرائيل -مع نخب عسكرية في البلدين- في الانقلاب على السلطة الشرعية فيهما. لكن الثقافة السياسية والتطور السياسي في تركيا ومصر يختلفان اختلافا جذريا. فقد وصل أردوغان إلى السلطة ضمن مسار سياسي طويل، في بلد نضجت ثقافته السياسية، وأصبحت مؤسساته الدستورية صلبة. أما مرسي فوصل إلى السلطة فجأة بعد ثورة شعبية، وفي بلد استعبدت قيادة الجيش نخبته لعقود، واتخذتها مطية للفساد والاستبداد. فتعودت هذه النخبة على العبودية السياسية والوثنية السياسية، وسادت في صفوفها الأنانية السياسية المقيتة، حتى أصبح بعضها مستعدا لذبح منافسيه السياسيين من الإسلاميين، سعيا لكسب حزبي تافه، أو منصب سياسي فارغ، من فتات مائدة العسكر. فضعْف الثقافة السياسية والدستورية في مصر وفي البلدان العربية بشكل عام، وترجيح البرامج على المبادئ لدى النخبة، واختلال الأوليات في سياسة العداوات والصداقات، هي التي أهلكت الديمقراطية الوليدة في مصر.

- ما تفسيركم لموقف الغرب من تركيا وأردوغان؟ ولماذا لا يريد الغرب لتركيا أن تكون ديمقراطية حقيقية؟

يعادي الغرب في العالم الإسلامي أربعة أمور وهي: الإسلام، والحرية، والقوة العسكرية، واستقلال القرار السياسي. وكل ما سوى ذلك تفاصيل. فلستُ أستغرب أنه كلما تقدمت تركيا في استرجاع هويتها الإسلامية، وحققت الحرية والقوة واستقلال القرار، زادت عداوة الغرب لها. لقد اعتاد الغربيون التحكم في شعوبنا من خلال العلاقات غير الشرعية بالحكام غير الشرعيين، ولذلك يصعُب عليهم التعامل مع رئيس شرعي منتخب انتخابا نزيها مثل الرئيس أردوغان، أو الرئيس مرسي. ورغم حرص تركيا على صداقة الغرب، ورغم أنها ظلت جزءا من المعسكر الغربي منذ منتصف القرن العشرين حتى اليوم، إلا أن الغربيين لا يبحثون عن أصدقاء أو حلفاء في منطقتنا، وإنما يبحثون عن أتباع وعملاء. وتركيا الجديدة لم تعُدْ راضية بالتبعية، وهي مصرة على النِّدِّية في علاقتها بالغرب.

- ماذا يحتاج النظام السياسي في تركيا بشكله الجديد على الصعيد الخارجي والداخلي؟ وما الذي يجب أن تحذر منه تركيا في ظل ما يحدث من تحديات داخلية وخارجية استفادة من تجارب المنطقة؟

إن أسوأ ما يصيب أي دولة هو أن تكون السلطة منفصلة عن الشعب، أو تكون الدولة مناقضة للأمة. وهذا هو سبب الخراب والحروب الأهلية التي يعاني منها العالم العربي اليوم، وقد عبَّر عن ذلك الكاتب والسياسي السوري د. برهان غليون في أحد كتبه جعل عنوانه: «المحنة العربية.. الدولة ضد الأمة». ولذلك أعتقد أن أهم ما تحتاجه تركيا هو تصفية الدولة العميقة والكيان الموازي، والتخلص من كل امتداد أجنبي داخل مؤسساتها السيادية، لكي تحقق الاستقلال التام لقراراتها السياسية وخياراتها الاستراتيجية، فتصبح الدولة مرآة للشعب، لا كيانا متعاليا عليه كما كان الحال في الماضي. كما يتعين على تركيا أن تعيد تعريف موقعها الإقليمي والدولي، وترسخ روابطها بالشعوب المسلمة في المنطقة، بعد أن ظهر -بشكل لا لبس فيه- أن الغرب لا يريد للشعب التركي أن يتمتع بالحرية واستقلال القرار. وأنا دائما أقول إن صداقة أميركا قد تكون أخطر على تركيا والدول العربية من عداوة روسيا، فروسيا إن عادت أي دولة في المنطقة فهي عدوٌّ ظاهر، والخلاف معها يتعلق بالخلاف حول مصالح محددة واضحة. أما أميركا فهي تعادي حرية شعوبنا، واستقلال دولنا، ومكانة أمتنا الإسلامية في العالم. وأميركا قادرة على التلون واللعب بوجهين، كما أنها تملك نفوذا داخل دولنا لا تملكه روسيا، ولذلك فهي خطر أكبر على سيادة دول هذه المنطقة وعلى مستقبل شعوبها من روسيا.

- ما هو تأثير فشل الانقلاب في تركيا على الثورات المضادة بشكل عام في المنطقة؟ وما هو الدرس الذي يجب أن تستخلصه الدول العربية والإسلامية من فشل الانقلاب؟

أعطى فشلُ الانقلاب العسكري في تركيا دفعة معنوية هائلة للشعوب العربية الساعية إلى تحقيق العدل والحرية. وبقدر ما كان نجاح انقلاب السيسي في مصر مثبِّطا للهِمم، وقاتلا للآمال في العالم العربي، كان فشل الانقلاب في تركيا مصدر إلهام للشعوب العربية، أحيا الآمال في قلوبها، وأقنعها من جديد أنها قادرة على الانتصار على المستبدين إذا هي تزودت بالإيمان والشجاعة ووحدة الكلمة، كما فعل الشعب التركي خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة الأخيرة. وعلى العكس من هذا، جاء فشل الانقلاب في تركيا برهانا للذين يقفون وراء الثورة المضادة العربية أن الوقوف في وجه الشعوب رهانٌ خاسر، وأن الثورة المضادة مآلها الفشل. نعم! تستطيع الثورة المضادة أن ترفع ثمن الحرية، وتستطيع أن تؤجل انتصار الأحرار، لكنها لا تستطيع أن تهزم الشعوب في نهاية المطاف.

- ما هو تأثير فشل الانقلاب تحديداً على الوضع في سوريا؟ وكيف تحفظ تركيا حقوق ثورة الشعب السوري في أي حل سياسي قادم؟

أعتقد أن التدخل التركي الأخير في شمال سوريا ضمن عملية «درع الفرات» يعبر عن بداية تحول ستراتيجي عميق، هو ثمرة من ثمار فشل الانقلاب الأخير. فقد تحررت القيادة السياسية التركية بعد الانقلاب الفاشل من سطوة الدولة العميقة والكيان الموازي الذي كان يقيد يدها داخل الجيش، كما تحررت من القيود الغربية، فلم تَعُدْ يهمُّها الضغط الأميركي والابتزاز الأوربي. وهكذا لم تعُدْ تركيا تتعامل مع الملف السوري بمنطق إنساني فقط كما كان الحال خلال السنوات الخمس الماضية، وإنما أصبحت تتعامل معه بمنطق ستراتيجي يتناسب مع مصالحها ومكانتها وقوَّتها، وما تتوقعه منها الشعوب الإسلامية في كل مكان. وقد كنت أقول دائما: ستدخل تركيا الحرب السورية، أو ستدخل الحرب السورية تركيا. وكنت أدعو الله أن لا تُؤخذ تركيا على حين غفلة. والحمد لله أن تركيا أخذت زمام المبادرة الآن فتدخلت، ولم تنتظر حتى يجتاحها الحريق داخل حدودها، أو يفرض عليها الأعداء العزلة والانكفاء من خلال بناء كيانات مصطنعة على حدودها، تقْطعها عن امتدادها الجغرافي والتاريخي، مثل مشروع الدولة الكردية في شمال سوريا. كما أن الحضور العسكري التركي داخل سوريا، وتقوية تركيا لقوات (الجيش السوري الحر) يخدم الحل السياسي، لأنه سيجعل بيد تركيا أوراقَ ضغطٍ قوية تدعمها الوقائع الصلبة على الأرض. وأقصد بالحل السياسي هنا رحيل السفَّاح بشار الأسد، وبناء دولة سورية جديدة، ديمقراطية وغير طائفية. فهذا هو الحل الذي يستحقه الشعب السوري ثمنا لتضحياته الكبيرة، ويستحقه الشعب التركي الذي تحمَّل من آثار الحرب في سوريا –بكل سخاء- ما لم يتحمله شعب آخر.

- هل قاربت ظاهرة (الدولة الإسلامية) على الانتهاء بعد التراجعات في كل المناطق المتواجدة بها (ليبيا سوريا العراق)؟ وهل سنشهد نهاية الحركات السلفية الجهادية في الفترة المقبلة، أم أن صعودها مستمر مع إخفاق أي مسار آخر؟

تنظيم (الدولة الإسلامية) مصيبة مضاعفة على الأمة الإسلامية، فهي تستهدف أحرار الأمة، وتقتل المدنيين الأبرياء، وتشوِّه الدين الإسلامي في قلوب شعوب العالم بجهالاتها، وتبث الفوضى والخراب في قلب الدول الإسلامية، وتوفر مسوِّغا لكل عدو خارجي يريد استهداف المنطقة والعبث بمصائر شعوبها. وأعتقد أن (الدولة الإسلامية) ستفقد السيطرة الجغرافية والبِنْية التنظيمية قريبا، لكن ستبقى كأديولوجيا عابرة للحدود، وربما تتحول ظاهرة عالمية، بعد أن تفقد السيطرة على الأرض في سوريا والعراق وليبيا. لكنها في كل الأحوال لن تتلاشى تماما في الأمد المنظور، والسبب هو أن (الدولة الإسلامية) مجرد عرَض لمرض عميق، وهو الاستبداد الداخلي والاستعباد الخارجي. فـ(الدولة الإسلامية) رَدَّة فعلٍ همجية على الهمجية المسلَّطة على شعوبنا، ومفتاح القضاء النهائي على هذه الظاهرة هو وقْف هذه الهمجية والمعاناة التي تعانيها الشعوب الإسلامية، وبناء أنظمة سياسية ديمقراطية، تحترم إرادة الشعوب وإنسانية الإنسان.

المصدر | الأناضول + الخليج الجديد