لماذا تأخر مترشحو الشعب الأدبية وتقدم غيرهم!

خميس, 2016/07/21 - 17:48

في تقرير لوكالة الأخبار المستقلة ترصد فيه طرف الباكلوريا قرأت هذه الفقرة: "ومن المفارقات أيضا أن الأول من شعبة الآداب الأصلية حل في الرتبة الـ 98 على المستوى الوطني، بينما حل الأول من شعبة الآداب العصرية في المرتبة الـ 136 على المستوى الوطني، وفي قائمة المائة الأولى على المستوى الوطني يمثل نواكشوط نسبة 82% والولايات الداخلية 18% فقط.".

فهل هو دليل على ضعف مستويات و"جهل" مترشحي الشعب الأدبية؟
أم هو عائد إلى أن الشعبة الأدبية أكثر تعقيدا من الشعب العلمية والرياضية والتقنية خلاف السائد عند العامة؟
أم هي رغبة لدى مصححي الشعب الأدبية لإضفاء قيمة على شعبهم "لا تستحقها" من باب "خالف تعرف"؟
أم أن مصححي الشعب الأدبية لا يتفقون على المعايير التي يصححون عليها، وبالتالي يقع التلاميذ في شرك الأساتذة الذين لا يصححون على معايير أساتذتهم الذين درسوهم؟

من باب تجربتي في إعادة الباكلوريا لدي على كل سؤال جواب أو تجربة تحيل إلى الجواب، فجواب السؤال الأول بناءً على ثلاث سنوات عشت فيها أجواء الباكلوريا _مشاركا مع أستاذ عربية أتبادل معه الإعجاب ثم مشاركا في المسابقة ثم معيدا_ فإن السواد الأعظم من زملائي السابقين إنما هم تلاميذ أعجزتهم الشعبة العلمية وقذفت بهم إلينا، وأغلبهم لا يجيدون _للأسف الشديد_ إملاءً ولا يفقهون صرفا ولا إعرابا، فأتذكر ذات مرة وأنا في السادس الأدبي (سنة قبل الباكلوريا) دعاني أستاذي محمد عبد الله ولد محمد سيديا _وهو محبوب إلي مبغض لدى تلامذته وليس ذلك بالتأكيد لسبب راجع إليه_ إلى تلاميذه من السوابع قائلا: قدم لهم كذا وكذا، وطبعا خجلت وذهبت.

وجوابا على السؤال الثاني فإن الشعبة الأدبية _والحديث ُ هناعن العصرية فقط_ تتطلب القدرة على أن يجعل التلميذ من نفسه بأسلوبه أستاذا يستطيع أن يكتب مقالا على ضوء ما درس سليما من الأخطاء الفادحة، ولن يكون له ذلك إلا بالتعود والتمرس والمثابرة، وهنا تشترك الشعبة الأدبية مع العلمية في أن "العمل التطبيقي" ضروري في كليهما، غير أن صاحب الشعبة العلمية يستعين بغيره، مُجبِرةً إياه اللغة الأجنبية المفروضة في تخصصه، في الوقت الذي يحاول فيه المترشح الأدبي أن يبتلع ما لديه من دروس دون أن يحاول ولو لمرة أن يحول خاماته المعرفية هذه إلى منتج يناسب الطالب الأدبي، ويكل الكثيرون من المتميزين على اختيار دراسة النص، ونصف أسئلة النص عادة أدبي صرف، وهي في ذلك زيادة تعب لا فرج، والشعبة الأدبية بذلك ليست أكثر تعقيدا بل أصحابها أقل مثابرة.

أما جوابا على السؤال الثالث فالمتبادر إلى ذهن المتابع من خارج قواعد اللعبة سيكون جوابه هذا التساؤل: "ماذا سيربح المصحح من منع تلميذ حقه، وماذا يخسر لو منحه له؟ ...سخافة مثل هذا الاتهام"، والحاصل أن لمصححي الآداب قاعدة هي أن بعض المواد من المستحيل أن يوصل فيها إلى المعدل أحرى أن تحصد فيها العلامة الكاملة _كما في مواد الشعب العلمية والتي لها توزيع واضح للنقاط يمكن المترشح من حصد 20 فما دونها_ وهنا أتذكر أن أستاذا من أفضل أساتذة انواذيب للفلسفة أعطى زميلا لي 15 فلقي ذلك صدى واسعا حيث قال بعض التلاميذ وآزرهم عليها أساتذة إن الفلسفة لا يمكن أبدا أن تحصد فيها 15، وانطلاقا من هذا المنطق يمكن أن نفهم لماذا تأخرنا نحن مترشحي الشعب الأدبية وتقدم غيرنا.

وأخيرا فلا شك أن مترشحي الأدب المتميزين يذهبون ضحية شتات معايير الأساتذة فأنا شخصيا ذهبت ضحية ذلك أكثر من مرة، فأذكر ذات مرة درسني أستاذ فأجبته في اختبار له على كل ما يريد وكما يريد ولم ينزع لي نقطة على تمرين واحد ثم منحني 19، فسألته عن الدرجة المتبقية من باب الاستفهام فقط فلا حاجة لي إليها، فكان جوابه: أن 20 لا يمكن أن تمنح في العربية، وكان من قضاء الله بعد ذلك أن احتفظت في التسويد بنسخة من إجابتي للفلسفة في باكلورياي الأولى وعرضتها على أستاذين فلقيت إشادتهما، إلا أن نفس المادة أقصتني من النجاح، ووجدت في العربية 11، ولما عدت في السنة الموالية إلى حجرات الدراسة، سألني أستاذ العربية مستغربا: "انت مزلت هون"، فأجبته أن السبب هو بنتائجه المسرفة، فأقرني على ذلك، وطفق يشرح لي من اختلاف نظرات ومعايير الأساتذة ما لا تتسع تدوينة لذكره.