في إعراب القرءان.. إلى السادة الأجلاء في قناة المحظرة

سبت, 2016/05/21 - 11:29
أحمد أبو المعالي

لاحظت أن بعض الشيوخ العلماء الأجلاء في قناة المحظرة يدرسون ألفية بن مالك رحمه الله تعالى في النحو واحمرار المختار ولد بونا رحمهما الله وديوان الشعراء الستة ولامية الأفعال وغيرها من المتون النحوية واللغوية المعروفة في المحظرة الشنقيطية ..ويتضح من خلال شهادة الجميع لهم ومن خلال شروحهم ودورسهم أنهم متخصصون لاتفوتهم شاردة ولا واردة في "اللغويات" إن صح التعبير-..وأن القوس أعطيت باريها .لكنهم يتحرجون من إعراب القرءان الكريم وتفسير مفرداته ويعتذرون عن الأسئلة والاستشكالات المتعلقة بذلك.. وهنا أبدي الملاحظات التالية إثارة للموضوع بعيدا عن الحكم حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحق وعلى السادة توضيح ذلك انطلاقا من قوله تعالى "لتبيننه للناس ولا تكتمونه" "لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ
أولا:أقدم بين هذه النجوى أن هؤلاء العلماء والشيوخ حفظهم الله ما فعلوا ذلك إلا تورعا عن الخوض في كتاب الله تعالى خشية أن يقولوا على الله ما ليس لهم به علم أو يتقولوا عليه انسجاما مع الآية الكريمة "قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون" و انطلاقا من الأثر المنسوب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه" أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله مالم أعلم"،ولعل هذا هو ما جعل المحظرة الشتقيطية غالبا ما تتجنب التعامل المباشر مع النص القرءاني تفسيرا نظرا لقلة المراجع والمصادر حينها، وإن تميزت بعض المحاظر بدروس التفسير وهي المدارس العلمية التي أنجبت المفسرين الكبار كالعلامة محمد ولدمحمد سالم المجلسي وآب ولد اخطور وبداه ولد البوصيري ومحمد سالم ولد عدود رحمهم الله تعالى وغيرهم من من جعلوا الدرس القرءاني جزءا من المناهج المحظرية.خاصة وان مسألة المصادر والمراجع لم تعد كما كانت تيسرا وانتشارا..وهذا مهم في هذه الزاوية.
-أن الهدف من دراسة علوم الآلة كلها نحوا وصرفا وبلاغة هو التكوين والتهيئة للتعامل مع كتاب الله تبارك و تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليست هدفا في حد ذاتها ..ولذلك من الطبيعي أن يكون من السبب الذي حدا بالسلف إلى تعلم اللغة العربية ومشتقاتها والارتحال إلى مضارب الأعراب أكلة الضباب والشيح والقيصوم وتتبع كلامهم وقصص أخبارهم وأيامهم وأنسابهم هو الاستعانة على فهم القرءان الكريم والسنة النبوية. ذلك أن الله سبحانه وتعالى اختار اللسان العربي ليكون الوعاء الحامل للرسالة الخاتمة ولا يمكن فهم واستعياب نصوص الوحي دون معرفة اللغة العربية ..إذ على أساسها تستنبط منه الأحكام. وتتضح معالم الإعجاز فيه..ومن شدة حرصهم على حفظ ما يحفظ هذه اللغة المختارة كان العلماء الورعون الزاهدون يتغنون بالشعر العربي المشبع بالغزل ووصف الخمر والتغني بالخصال الجاهلية وويدرسون حواث أيام العرب وحروبهم ..وأداهم ذلك للاهتمام باللغة العربية والعلوم المتعلقة بها فبحثوا في كلام الفصحاء ودونوا شوارده وقعدوا قواعده ليمكن المهتمين من فهم القرءان لغة وبلاغة ونحوا حتى لايشينه ذوو "العبهر والجادي"
ولأهمية الدلالة النحوية في القرءان لما سمع أعرابي قارئا يتلو قوله تعالى "إن الله بريئ من المشركين ورسوله"- بكسر اللام قال-وهو صاحب السليقة الفطرية- وأنا أبرأ مما برئ منه الله. فأفهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه القراءة الصحيحة فتغير المعنى تماما، فغير الإعرابي رأيه وسلم له دينه وقال "وأنا أبرئ مما برئ منه الله ورسوله"
.ولأهمية اللغة في فهم معاني القرءان أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد القصة أن لايقرأ القرءان إلا عالم باللغة
ويتضح من خلال هذه القصة دور النحو في الحفاظ على المعاني فبتغيير حركة واحدة تغير المعنى تماما ما بين معنى فاسد موبق لصاحبه ومعنى مقصود ومنج لصاحبه ..لذلك كان تعلم اللغة العربية والتبحر فيها من فروض الكفاية كما نص عليه الأجلاء حتى لايتعطل فهم نصوص الوحي وقارن بعضهم بين وجوب الحفاظ عليها ووجوب المحافظة على الصلاة .لأن حفظ اللغة العربية جزء من حفظ القرءان الكريم الذي تكفل به الله تبارك وتعالى"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
ثانيا-انطلاقا مما سبق اهتم العلماء بإعراب القرءان فأفرده الكثيرون بكتب خاصة تحمل نفس العناوين كما تعرض له كثير من المفسرين أثناء تناول الآيات توضيحا لبعض الأحكام الشرعية أوتبيينا لبعض الملامح الدلالية.
لذلك يعتبر علم النحو من أهم العلوم –والعلم تسمو رتبته من فضل ما دل عليه-لارتباطه بنصوصو الوحي ولا شك أن الذين تخصصوا في النحو واللغة إنما أرادوا خدمة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لامجرد التفنن في لسان القوم بعيدا عن هذه الزاوية وإلا فلا فرق إذا استثنيا هذا الملمح التعبدي بين لغة العرب ولغات الأمم الأخرى
لذلك من اللافت للانتباه أن يتصدر عالم كفء وجذيل محكك وعذيق مرجب لتدريس المتون النحوية واللغوية ثم يعتذر عن إعراب القرءان الكريم ويلتزم بالأمثلة القرءانية الواردة في الشواهد فقط .. فما أشد الحسرة وأمض الجرح حينما ينبري أحدهم ليوضح لك الوجه النحوي في قول الشاعر:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة" أشارت كليب بالأكف الأصابع
فيتحدث بكل ثقة وبكل تمكن عن جر كلمة "كليب" بأداة الجر المقدرة ويستفيض في الحديث عن آراء النحاة وعن الحمل على التوهم والمجرور بالمجاورة وغير ذلك مما يقتضيه المقام ويمليه السياق لكنه يكبح الجماح ويرخي الزناد حينما يسأل عن إعراب قوله تعالى و"أقيموا الصلاة"مع أن أي مبتدئ في اللغة يستطيع ذلك 
وينبري ليعرب لك 
أم الحليس لعجوز شهربه"" ترضى من اللحم بعظم الرقبة
ويوضح أن اللام زيدت في خبر المبتدإ"لعجوز"أو خبر لمبتدإ محذوف تقديره هي" ويشرح لك "الشهربة" "والشهبرة " وهي الكبيرة لكن حينما تسأله عن إعراب أوتفسير مفردات قوله تعالى "كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة" يبادرك القول لاأتعرض لإعراب ولا شرح معاني مفردات القرءان الكريم مع أن القرءان هو أفصح كتاب على وجه الأرض نزل بلسان عربي مبين ومع أنه في غير القرءان يعرف إعراب كلمة " فرت" وإعراب من قسورة ويحفظ أكثر من مثال على أن القسورة من أسماء الأسد..ولو شئت لعددها لك نظما ونثرا 
والمعروف أن البحث عن معاني الكلمات وإعرابها متعلق بالمصادر اللغوية والنحوية لا بالكتب المتعلقة بأحكام الشرع.. فالبحث عن معنى أي كلمة في القرءان يقتضي العودة لكتب اللغة لاغيرها.
والمصيبة الكبرى والطامة العظمى أنه إذا كان المتبحرون في اللغة العربية المتفرغون لتدريسها يعتذرون عن إعراب وتفسير مفردات القرءان الكريم فمن الذي سيقوم بهذا الفرض الكفائي ومن الذي سيبين للناس إعراب وتفسيرلغة القرءان الكريم؟ أضف إلى ذلك استغرابا وجيها عن سبب تبحرهم وانكبابهم على علوم اللغة العربية وهم لايريدون ذلك التميز لفقه وفهم كتاب الله تبارك وتعالى ..وفي هذه الحالة لافرق عندي بين من تبحر في العربية ومن تبحر في الملبارية..
ثالثا:نعم من المسلمات الشرعية أنه يحرم على من ليس أهلا للحديث عن الإعراب والتفسير بشتى ضروبه أن يغامر ويعرض نفسه لخطر التقول على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم..وهذا لامشاحة فيه ولا خلاف..كما أنه لامشاحة في الاحتياط عند التفسير حتى لاتزل القدم.أو ينحرف الفهم .لكن من مكنه الله من الأدوات والفهم والعلم ليس معذورا بل عل العكس من ذلك 
وإذا كان المتمكن من الألفية مع احمرار المختار ولد بونا والكافية الشافية وغيرها من المتون لايعرب القرءان فمن سيعربه؟
وإذا كان الحافظ لشعر الشعراء الستة وغيرهم لايفسر مفردات القرءان الكريم فمن سيفسرها؟؟ولما أترع ذاكرته بكلام لايخدم الكتاب والسنة لديه؟
إنه خلل في المنهجية ورع في غير محله أو احتياط في وقت الأمان وهم يف كل ذلك معذورون ..لكن 
ولم أر في عيوب الناس عيبا"" كنقص القادرين على التمام
فلو افترضنا جدلا أن علماء الأمة في فترة معينة أطبقوا على هذا التصرف وفاصلوا بين الدرس النحوي واللغوي وبين القرءان الكريم سيأتي على الناس زمان يهجرون القرءان ويبتعدون عن التعامل معه اللهم إلا ترتيل حروفه فقط دون فهم أو استيعاب أو استنباط وهذا خطر عظيم لايخفى زلله وموبق كبير لاتخفى بوائقه
لذلك على المتصدرين لهذه العلوم اللغوية أن يجعلوا القرءان الكريم في صدارة الأمثلة لأنه أصح وأفصح نص ورد بلسان عربي مبين ولله در الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمها الله ففي محظرته يدرس الطلاب التمييز ومبادئ الأعراب بأمثلة من القرءان الكريم حتى يتعود الطالب على اللغة السليمة والتركيب السليم وحتى يطمئن قلبه لدلالة ومعاني الكتاب العزيز.
أحببت أن أنثر هذه الملاحظات علها تجد من يزيل اللبس ويكشف الحقيقة..وهذا من الرأي الذي كان صلى الله عليه وسلم يستمع له والوحي ينزل..وحاشا أن أكون قصدت استهداف أشياخي وأئمتي وهداتي. نفع الله بهم وأطال بقاءهم في صحة وعافية...معاذ الله إذن فلا رفعت سوطي إلي يدي 
إنما أردت إثارة المشكل والحق أحق أن يتبع.والله من وراء القصد

أحمد أبو المعالي