العالم العربي: غياب الدول القائدة

أربعاء, 2016/01/27 - 18:49

خلال العشرين سنة الماضية جرت تحت جسور العالم العربي مياه كثيرة، وحدثت تحولات هائلة وتغييرات جيو سياسية ضخمة، وأعيد رسم الخرائط أحيانا بقوة القانون، وفي أحايين أكثر بقانون القوة وبالدم والعنف، ولقد جاء احتلال العراق ثم انهيارهذه الدولة العربية المحورية ومن ثم سقوطها في مهاوي الفوضى والاحتراب الأهلي والطائفي، ليسدد ضربة في الصميم للعالم العربي، وليزيح من صف القيادة بلدا يتكأ على تاريخ باذخ وثروة بشرية ومادية هائلة، وهكذا بقيت السعودية ومصر وسوريا، وإلى حدما الجزائر، لتتنافس على موقع الزعامة في عالم عربي يموج بالتغييرات ويتعرض لعوامل التفتيت الداخلي والغزو الخارجي، ثم جائت أحداث الربيع العربي وما تلاه من عواصف وتغييرات لترمي بسوريا إلى خارج حلبة المنافسة على الزعامة في العالم العربي، فهذا البلد غرق حتى الثمالة في فوضى شاملة وعنف دموي لا حدود له، وأدى إصرار نظامه وبطشه الجنوني بشعبه، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية غير البريئة إلى إحداث حالة من الفوضى الشاملة فدمرت المدن وانهارت البنى التحتية وطوح ملايين السوريين في بلاد الله يبحثون عن ملجأ آمن أو كسرة خبز أو حبة دواء، وعادت سوريا عشرات السنين إلى الوراء، وبالإضافة إلى انزياح سوريا بعيدا عن دائرة التأثير والزعامة في العالم العربي، فإن مصر هي الأخرى رمت بها تداعيات الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في مهاوي الارتماء في الحضن الخليجي بحثا عن المال وعن الحماية السياسية، وهو أمر لا يزال ساريا، حيث لم تستطع القاهرة حتى الآن أن تقف على رجليها سياسيا أو اقتصاديا ومازال نظام السياسي يغازل “الكفلاء” وتحديدا السعودية والإمارات سعيا لاستمرارية دعم هذين البلدين الذين وفرا لحكام القاهرة الجدد مظلة سياسية ومالية سخية وقفت سدا منيعا في وجه كل العواصف التي تعرضوا لها، غير أن هذه الحماية السياسية والمالية كلفت المصريين كثيرا ، فلم يعد من الوارد الحديث عن أن القاهرة هي قائدة العالم العربي، في الوقت الذي تتلقى قوتها اليومي “الاقتصادي والسياسي” من أبوظبي والرياض..

ربما كان انكفاء مصر على ذاتها بل وحاجتها الماسة للدعم الخليجي، وغرق سوريا في مأساتها الداخلية، وضياع العراق بسبب الاحتلال والطائفية، فرصة ذهبية للمملكة العربية السعودية أن تلعب بصولجان ملك العرب، مستفيدة من وضعها المالي المريح في السنوات الماضية التي وصلت فيها أسعار النفط إلى ذروتها، ومستفيدة أيضا من وصاية سياسية أصبحت تمارسها علنا وخفية على القرار السياسي العربي، ورغم أن جو الزعامة خلال السنوات الماضية قد يكون خلا للرياض، إلا أن الإصرار الجزائري على أخذ مواقف مغايرة وعلى ترك بصمة، حتى ولو كانت باهتة، على القرار الجماعي العربي، ربما يكون شكل منغصا للتفرد السعودي، وبالإضافة إلى “المشاكسة” الجزائرية، المستفيدة من الثقل التاريخي والرخاء الاقتصادي لبلد المليون شهيد، فإن ثمة دولا عربية أخرى، وتحديدا الإمارات وقطر، سعتا جاهدتين لإبراز نفسيهما كدولتين عربيتين محوريتين، فقد استغل القطريون الوفرة المالية لديهم، والأذرع الإعلامية القوية، والعلاقات مع التيارات الإسلامية لصناعة حضور طاغ في دفة صناعة القرار العربي، كما أن أبوظبي جيرت أموالها الهائلة وووسائل “القوة الناعمة” التي تمتلك في ترك بصمتها الخاصة، ولعل ما جرى في مصر من انتكاسة للإخوان المسلمين وكذلك فوز الباجي قائد السبسي  برئاسة تونس، وبروز خليفة حفتر في ليبيا، كلها أمور تثبت أن الإماراتيين استطاعوا في أحيان كثيرة توجيه مسار الأحداث العربية وفقا لما يرونه مناسبا لأجندتهم ومصالحهم..

إن العالم العربي وهو يقف على أعتاب مرحلة فاصلة من تاريخه، يبدو كسفينة تائهة تتقاذفها الأمواج ويقودها ربابنة كثر لكل واحد وجهته ومصالحه، وهو أمر قد يلقي مزيدا من عيدان الثقاب على بقعة زيت عربية شبعت من الاحتراق..

*كاتب وإعلامي موريتاني