تونس: الاستثناء الذي نحتاجه

خميس, 2015/12/24 - 19:20

محمد سعدن ولد الطالب

بعد مرور سنوات خمس على صرخة الحرية في فضاء “الخضراء”،  كانت عدسات المصورين  بالقاعة الرئيسية بمقر بلدية “أوسلو” تبهر الأبصار، وكان حضور الأربعة التوانسة الكبار حضورا استثنائيا يترجم بصدق تجربة تونس الخضراء في صناعة الديمقراطية والتوافق، والانتصار على منطق الإلغاء والإقصاء والصراعات الصفرية العدمية التي ترفع شعار” أنا أو لا أحد”، وكان الشعور الطاغي ساعتها أننا انتصرنا بتونس وأن تونس انتصرت لنا وأخرجت من أرضنا العربية الجرداء القاحلة بستانا يزهر بالأمل والسلام والتوافق، وأظهرت أن “الربيع العربي” لم يكن كله فشلا ذريعا، وإنما هناك انتصار ساحق أبقى جذوة الأمل في الديمقراطية والتعددية متقدة  في نفوس شعوب عربية أنهكتها سني القهر وكادت رياح العنف والتطرف المجنون أن تذروها في مهب العدم…

قد لا تعدو جائزة نوبل في نظر الكثيرين أن تكون مجرد جائزة ترضية يعطيها “السيد الغربي” لمن يشاء، وحتى ولو بدا لهذا القول بعض الوجاهة، إلا أن “نوبل التوانسة” تظل استثنائيتها في تاريخها وظرفها ومناسبتها ومستحقيها، فهي ليست مجرد جائزة وإنما صرخة حياة في ضمير شعوب عربية تكاد أن تكفر بالديمقراطية وأن تودع الأمل وأن تصحب اليأس في وطن عربي مثقل بالخيبات ومشتتت بحرائق النار والدم والدموع، هي جائزة لهذا المواطن العربي المنهك والمقهور والمحبط، ورسالة صادقة إلى كل المراهنين على العنف والسلاح والإقصاء أن طريق السلام والمصالحة والتوافق أسرع وأكثر أمنا وأقل مطبات، هي ثأر متأخر لروح “البوعزيزي” وكل الراحلين في سبيل عالم أكثر عدلا وديمقراطية، وهي رد مزلزل على مجموعات العنف والإرهاب “الدراكولاي” التي تشرب دم المخالفين وكأنه ماء زلال وتريد أن تمحو من خريطة الأوطان كل من لا يماشيها في أيديولوجية الموت والقهر التي تتبناها..

إن تسلم رباعي الحوار التونسي لجائزة نوبل للسلام يأتي في ظل وضع عربي “متشائل”، فما بين الأمل القادم من ليبيا إثر توقيع اتفاق سلام أولي هناك ومع الحوار اليمني في جنيف، تستمر المأساة السورية في عزف فصول مأساوية من الدم والألم والهجرات والتشرد، وما بين هذا الأمل المعلق والتشاؤم المحدق بعينيه الكريهتين، يأتي استلام رباعية الحوار التونسي ليعيد لأرواحنا العربية المتعبة بعضا من أمل وطيفا من سعادة غائبة، وليضبط بوصلتنا التائهة….

إن الدرس القادم من “تونس الخضراء” يجب أن يدرس بعناية وتروي، وأن يشكل نموذجا يحتذى في عالمنا العربي الذي أتعتبته الخيبات والفشل، وهو نموذج يعلي من قدر الحوار والتوافق ويجعل “الكلمة السواء” بين مختلف الفرقاء والتيارات هي الطريق الأسلم، بعيدا عن الرفض العبثي للآخر المختلف والتسابق الفج نحو السحق والإقصاء والإلغاء..

إن التجربة التي رعاها وأدارها بحنكة واقتدار رباعي الحوار التونسي، تأتي لتشكل إثباتا لا يقبل الشك أن أرضنا العربية يمكن أن تنبت التوافق والديمقراطية، وأن قدر شعوبنا ليس دائما الديكتاتورية أو الفوضى وإنما ثمة طريق وسط يمكن أن نمشي فيه جميعا دون إقصاء أو إلغاء حتى يوصلنا إلى مرافىء الديمقراطية..

إن تونس هي استثنائنا الذي نحتاجه، وهي قصة النجاح التي يجب أن تروى دائما وأبدا على مسامع شعوب عربية بحاجة إلى نماذج نجاح وسط بحر من الفشل والخيبات والانكسار

*كاتب وإعلامي موريتاني