قراءة في فقه التوقع

خميس, 2015/12/03 - 10:58
بقلم: محمد الحافظ الغابد

ناقش الباحث الموريتاني محمد الأمين ولد شيخنا أطروحة دكتوراه أعدها تحت عنوان "فقه التوقع دراسة نظرية وتطبيقية" وذلك في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في المملكة المغربية؛

وقد نال العمل إعجاب الأساتذة المناقشين من حيث جدة الموضوع وأهمية المسائل التي ناقشها وأثارها وقررت اللجنة بعد مداولاتها أن تعطي الباحث ميزة مشرف جدا.

وقد قسم الباحث بحثه إلى قسمين رئيسين: قسم درس فيه الموضوع دراسة نظرية حيث عرف مصطلح فقه التوقع في اللغة والاصطلاح ثم بين علاقته ببعض المفاهيم والقواعد الشرعية الأخرى كفقه الواقع وفقه التنزيل وقاعدة الذرائع, ثم بين أصله الشرعي من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وفتاوى أهل العلم وخلص الباحث في هذا القسم إلى نتائج من أهمها:

أن مصطلح فقه التوقع أعم من فقه الافتراض واستشراف المستقبل على عكس ما يظهر في كتابات بعض الباحثين وإن دخلا فيه؛ وأن الحاجة ماسة إلى دراسة هذا النوع من الفقه وذلك لتعلقه بعملية ربط الحكم الشرعي بما هو واقع من النوازل حالا وما هو متوقع منها مستقبلا, فالنازلة الواقعة في الحال قد يرتبط حكمها الشرعي بما هو متوقع لها من آثار ونتائج. أما النازلة المتوقعة مستقبلا فإن الحكم عليها يرتبط بنوع المتوقع ونسبة القطع بحصوله.

 ثم إن ما يتوقع حصوله من قضايا ووقائع قد يكون أعم من النازلة الفقهية في اصطلاح الفقهاء..

 وضرب الباحث أمثلة كثيرة على أوجه تعلق التوقع بالقضايا والنوازل الواقعة حالا أو مستقبلا.

 ومن هذه الأمثلة أنه في قطر ما من الأقطار لو أن مصالح الأرصاد الجوية الموثوقة توقعت هطول أمطار غزيرة وحصول سيول جارفة فإن الحكم الشرعي بناء على هذا التوقع يوجب على الجهات المعنية أخذ الاحتياطات اللازمة لتفادي الأضرار المحتملة وإلا كانت مقصرة تتحمل المسؤولية الشرعية والقانونية بسبب تقصيرها... وقس على هذا.

أما في الجانب التطبيقي من الدراسة فقد اختار الباحث نماذج مختلفة في الجانب السياسي والاقتصادي والطبي والدعوى ومن الأمثلة التي درسها قضية عجز الحكومة المسلمة المؤمنة بوجوب تطبيق أحكام الشريعة عن تطبيق بعض هذه الأحكام فحين تترك الحكومة ذلك لما تتوقعه من أضرار أكبر ومفاسد أعظم ..فإن هذه التوقع معتبر بضوابط وشروط –ذكرت في محلها- ولكن الباحث رأى أنه من الواجب على كل الحكومات المسلمة أن تأخذ بأسباب القوة المادية بأنواعها المختلفة العسكرية والاقتصادية...  حتى تحقق سيادتها وتستقل بقرارها وحتى لا تحول قوة أخرى بينها وما تقتنع به من تطبيقات شرعية. فالقاعدة الأصولية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وفي المجال الدعوي ناقش الباحث مسائل منها: قضية النهي عن المنكر وأن ذلك قد يجب تركه أحيانا لما يتوقع حصوله من مفاسد أكبر ومنكرات أعظم ونبه الباحث هنا إلى أن من الأسباب التي قد تلجئ إلى ترك تغيير المنكر الحفاظ على صورة الإسلام والمسلمين فما يشاع في "الرأي العام" عن الإسلام والمسلمين أمر معتبر في هذا الباب ( حتى لا يقول الناس إن محمدا يقتل أصحابه) وتعرض هنا إلى بعض الأعمال التي تنفذ باسم الإسلام وتحت راية الجهاد فناقشها من زاوية ما يتوقع حصوله بسببها من مفاسد تضر بصورة الإسلام والمسلمين وتؤثر على مسيرة الدعوة  وتجفف منابع الخير.

وختم الباحث بحثه بجملة من النتائج والتوصيات لعل من أهمها أنه أوصى بضرورة استفادة فقهاء اليوم من علوم العصر واكتشافات العلم وأن الجمود على المنقولات غير كاف للفقيه حتى يكون قادرا على تنزيل ما هو منقول على ما هو واقع أو متوقع ونقل هنا كلام الإمام الشهاب أحمد بن ادريس القرافي : ""ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك؛ فالجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".

 

محمد الحافظ الغابد