تيار لمعلمين الحقوقي.. ضرورة المرحلة

أربعاء, 2015/10/07 - 14:17
بقلم: محمد يحيى بن عبد الرحمن

التدرج سمة من سمات الحياة الضرورية في العمل البشري، وعبر المراحل التي مر بها "حراك لمعلمين" من الطبيعي أن يسلك من خرجوا من أجل حقوقهم طريق التدرج في مراحل هذا الوعي بأهمية الحقوق ثم المزاحمة في مضامير الحياة.

العقبة الكأداء !

من أشد العقبات التي كانت تواجهنا في هذا النضال هي  تجاوز عقبة العقدة النفسية التي زرعت فينا بسبب الخرافات المغلفة بغلاف الدين، والتي صارت جزءا من معتقد الناس، ولازِمةً نفسيةً للمتضررين، فكان أن رفعت شعارات تدعو للاعتزاز والافتخار بهذه القيمة التي هي من أسمى المعاني الإنسانية؛ ومن أنقى ما حثت عليه الشريعة الإسلامية التي تحث على العمل اليدوي الشريف، وما يؤكد شرفها الأسمى أنها مهنة امتهنها الأنبياء وورثتهم، فتم رفع شعار: "امعلم وأفتخر" و"نعم أنا امعلم" قصد تحويل هذا الوصف من وصمة عار في جبين من يحملها إلى ميزة فخر في نظر من يعتز بها.

لم يكن تجاوز المناضلين وحدهم لهذه العقدة كافيا في حد ذاته وإنما طريقا للسعي لتجاوزهم إلى القاعدة العريضة من الشريحة التي كانت تعرف تَمَلْمُلاً من وضعيتها الاجتماعية السيئة، فخرج الكثيرون عن صمتهم ومنهم مثقفون كانوا إلى الأمس القريب يتواروْنَ من سوء ما يذكّرون به من تلميح إلى أصولهم الاجتماعية كونهم من فئة لمعلمين!

تفنيد الصورة النمطية:

يلي خطوة تجاوز العقبة النفسية لدى أفراد لمعلمين في الأهمية خطوة تفنيد الصورة النمطية التي زرعت في الأذهان، وثُـبّتت في المخيال الجمعي، من خلال دحض الخرافات والأكاذيب المنسوجة حول الفئة بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية، ووضع شرفاء الوطن أمام مسؤولياتهم عندما لم يتذكروها من تلقاء أنفسهم؛ بتذكير العلماء بأدوارهم في الذب عن أعراض الناس، والتنويه للمثقف بلعب دوره التوعوي التنويري، وكذا وضع الدولة أمام مسؤولياتها في تجنيد المنابر الإعلامية لدحض هذه الصورة النمطية، وتجسيد سياسة تمييز إيجابي تعمل على إشراك أبناء الشريحة في سياسة الشأن العام بدل إقصائهم الذين كان مستمرا منذ نشأة الدولة.

كما تم في إطار تفنيد الصورة النمطية التعريف بأعلام الفئة الذين كان لهم الفضل في إضافة بصمتهم الخاصة في مجالات علمية عديدة، كالتعريف بأعلام الفقه والعلم والأدب والفكر الذين جابوا أقطار العالم وسجلوا أسماءهم وحضورهم بين الصفوف المتقدمة عالميا فقهاً وعلماً ودعوةً وأدباً ونقداً وفكراً..

لم يفت في هذا المضمار أيضا التنوير حول الدور التاريخي الذي لعبه الصناع التقليديون بصفة خاصة أو فئة لمعلمين بصفة عامة في بناء هذا المجتمع، من خلال توفير وسائل العيش وأدوات الترحال وعتاد الدفاع عن الوطن ووسائل التعليم، وكانوا رُكناً ركِيناً في حياة الناس حتى ما بعد نشأة الدولة بعقود. وهو أمر سيستمر على صعُدٍ أخرى من أجل التوثيق التاريخي للدور الذي لعبوه والشخصيات العلمية التي نبغت منهم إذ تم غمط ذلك كله في المراجع التاريخية والمناهج الدراسية.

حتمية المشاركة الفعلية:

لضرورة متابعة المطالب التي تعني الدولة جاءت فلسفة التوجه الجديد الذي يحمله تيار لمعلمين الحقوقي - لتنكّب الخلاف الذي خلق بعناية تمت من خلاله سرقة الحراك - ولضرورة التعاطي مع الدولة التي تمتلك وسائل التغيير من أجل تجسيد مزيد من سياسة التمييز الإيجابي والإجراءات التي تصب في الصالح العام للانسجام الاجتماعي كتلك التي سجلت مؤخرا في تعاطي النظام مع قضية لمعلمين من خلال ترقية رتبة عسكرية عالية، وزيادة عدد المستوزرين منذ نشأة الدولة، ومنح وظيفة دبلوماسية لأول مرة، وتعيينات أخرى في التعليم العالي والقضاء..

ولقد جاء هذا التعاطي مع النظام نتيجة رؤية فاحصة، إذ أنه من الممكن للنشطاء الاجتماعيين التعاطي مع النظام الذي يمتلك وسائل التغيير، خصوصا عندما لبى بعض مطالب الفئة منذ أن بدأ الحراك الفعلي للشريحة من خلال الإجراءات الآنفة الذكر، ولكي يكون لهؤلاء النشطاء دور في تجسيد رؤاهم الاجتماعية من خلال الولوج إلى دوائر صنع القرار.

تمخض عن هذه الرؤية فكرة الاتصال بالحزب الحاكم الذي يمثل الواجهة السياسية للنظام، والذي تفاعل بدوره مع أصحابها وتعهد بتجسيد المطالب المطروحة من طرفهم كشرط للعمل معا من أجل مصلحة المجتمع.

فاوضنا على المشاركة بفاعلية في سياسة الشأن العام، وإحداث مزيد من سياسة التمييز الإيجابي لشريحة لمعلمين، ونعتمد في ورؤيتنا النضالية الاستمرارية في رسم الوعي الاجتماعي القاعدي للشريحة، بعدما تخطينا إلى حد كبير تحطيم الحاجز النفسي الذي يمنع نخب لمعلمين من الخروج عن صمتهم. والعريضة التي قدمنا تتم متابعتها من أجل تنفيذها بالتنسيق مع الواجهة السياسية للنظام. 

فهل سيفي النظام ممثلا في واجهته السياسية بوعوده؟