الرؤية في اليقظة.. بين الجاحد والجانح

أربعاء, 2015/09/02 - 07:24
أحمد أبو المعالي

 لا مشاحة بين عموم المسلمين أنه مما يعلم من العقيدة بالضرورة أن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، ولا يعجزه أي أمر في الأرض ولا في السماء ،لكن هذا لا يمكن أن يكون في حد ذاته حجة مطلقة لا تخضع للضوابط الشرعية التي ألزم الله سبحانه به عباده .حتى تنسجم مع القدرة البشرية على "الخلافة " في الأرض. وإلا فالله سبحانه وتعالى قادر أن يخلق "زيدا" من الناس يجحد رسالات الله، ويفسد في الأرض ويضرب عرض الحائط بأوامره وزواجره ، ويموت على ذلك ثم لا يعجزه بعد ذلك أن يدخله الجنة ،لكن سبق في علمه وشاءت إرادته أن الكافر إن مات على كفره لا يشم رائحة الجنة.. ولا يعجز الله سبحانه وتعالى أنه كلما حلت بالمسلمين نازلة أن يتفضل عليهم برؤية النبي صلى الله عليه وسلم والبت في الموضوع دون جدال أو خصام لكن سبق في علمه أنه صلى الله عليه وسلم سيؤدي الرسالة على أكمل وجه ثم يلتحق بالرفيق الأعلى ويبقى ما بلغ حجة على العالمين ينقله السلف للخلف . ومن خصائص هذه الشريعة أنها محجة بيضاء ليلها كنهارها وأنه صلى الله عليه وسلم أمرنا بالاحتكام للظواهر حتى أنه انسجاما مع هذه القاعدة الهامة والعظيمة في ميزان الشرع قد يقضي هو عليه الصلاة والسلام فيما لم يوحى إليه فيه لمن هو " ألحن في الحجة إذ العبرة في الأحكام بما وافق "ظاهره" الشرع والله يتولى السرائر ..وهنا تأتي مقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه" ان الوحي قد انقطع , بالنبوة ونحن قوم نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر، فمن أبدى لنا صفحة عنقه أخذناه" , فمن اظهر لنا "وهذا ملمح هام يعزز أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من أن يكلفهم في حياتهم اليومية ما يعجزون عنه.. فصيام رمضان مثلا مرتبط برؤية الشهر ولو أن شهر رمضان فعلا كان في الأفق ورأته طائفة وصامت ولم تره أخرى ولم يصلها الخبر فأفطرت –مع أنه في واقع الأمر يوم من رمضان- لن يعاقبها الله سبحانه وتعالى على ذلك إن بذلت الجهد .

ولو أن أحد العامة جاء إلى القاضي وأخبره أنه رأى الهلال وجاء رجل مشهود له بالفضل وقال إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأخبره أن رؤية ة الهلال اللية ل اتصح تحتم عل القاضي أن يعتبر شهادة "العامي" إن تأكد منها ولا يعتبر الأخرى لأن هذا مقتضى الشرع.. وقل الشيء ذاته في ما شاكلها من الأمور.. فالعبرة في الشرع بما ربط به الأحكام من الأمور الواضحة الجلية حتى لا تتيه الأمة وتلعب بها الأهواء وتنجرف بها السبل.. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.

ومن خصائصها أن الله سبحانه وتعلى حفظ القرآن الكريم ولم يكل حفظه لغيره وقيض للحديث النبوي رجالا بذلوا في تصحيحه وتنقيه الغالي والنفيس ابتغاء وجه ربهم الأعلى ..وطيلة جمع الحديث سلكوا فيه مسلكا واضحا ومنهجا علميا رصينا جليا حداهم إلى عمل علم الجرح والتعديل ،فكانوا يحتاطون فيما ينسبون للنبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يوثقوا حديثا واحدا تلقاه "أحدهم" عن طريق المنام أو يقظة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد التحاقه بالرفيق الأعلى والقول بأن الصحابة ربما كانوا يرونه يقظة ولم تنقل قول فيه عوج وأمت واضحين .. إذ لا توجد كرامة أعظم من مجالسة أو مشاهدة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ،وقد نقلت عنهم كرامات عديدة في أمور عدة ولا يعقل "علميا" أن تتنشر كراماتهم في أمور الحياة اليومية ولا تنقل رؤيتهم يقظة للنبي صلى الله عليه وسلم وكفى بها كرامة وبركة وامتنانا.. ثم إن الصحابة رضي الله عنهم جرى بينهم من الخلاف ما نتعبد الله بعدم الخوض فيه ،

ولو رأى أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لانقادوا له ولما ينقل عنه كما ينقاد الأعمى لقائده. .كما كانوا يفعلون في حياته صلى الله عليه وسلم .. وفي مقام مثل هذا لا يعتمد على التصورات والإمكانات وإنما على الوقائع والأحداث. ففيها "الحجة البالغة" ولو سلمنا أن الله سبحانه وتعالى أكرم بعض أوليائه برؤية انبي صلى الله عليه وسلم فلهذا العبد الصالح أن يستأنس بها ويفرح ويعتبرها بشارة خير ودليلا على سيره على النهج السليم ،لكن أن ينقل عنه حكما شرعيا يتعبد به أو ينقل عنه أذكارا معينة غير التي تركنا عليها وينقل الترغيب فيها بجزاء محدد فهذا يفتح بابا لا يمكن سده ولا حجبه ..وعباد الله الصالحون كثر ..ويخصهم بما شاء .. ولكن للشريعة مميزاتها وليس للولي أن يصليا.. بكشفه كفى بكشف الاوليا. فغاية ما في الأمر أن يستبشر هذا العبد الصالح ويأنس بهذه الرؤية . وأن يعض النواجذ على الطاعات وأن يرغب إلى الله أن يثبته على الطريق الصحيح، وان يحسن خاتمته ..وغاية ما علينا القيام به تجاهه هو بطته التأسي به فيما وافق الكتاب والسنة. أما "الشرع" والعمل فقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان..

وهل لولي مهما بلغ أن يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وحسم له الخلاف في أي "أمر تعبدي" مما اختلف فيه الفقهاء من لدن التابعين حتى اليوم ثم نصدقه ونعمل به.. دعونا نكن في المنطقة الوسطى والناجية إن شاء الله تعالى لا ننكر أن يخص الله بعض عباده بما شاء من العطايا والمنن ..

ولا نشطح بسرعة التبديع والتكفير والغلو في القول ورميه على عوانه كالذي يتخبطه الشيطان من المس ..وقد يكون من ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم. .لكن لاندخل مآلات ومجريات تلك الرؤية في "الشرع " والعبادة . ، فهذه لا تتلقى إلا بالوحي. وقد انقطع بالتحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وبعد ذلك ينقلها الرجال العدول عن الرجال العدول وهي الوسيلة الوحيدة المقبولة شرعا لتلقي "الأحكام" في عالم الشهادة وما يترتب عليها من أجر في عالم "الغيب" وبهذا نتجنب الشطط في رفض الكرامات وهو أمر ينفي ما تواتر عليه كثير من أهل العلم والفضل . ونحفظ للشريعة خصوصياتها " ونفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى قد أرشدنا إلى كل خير وحذرنا من كل شر. أما الحديث عن علوم يبثها وعلوم يبثها للخاصة .. وهؤلاء الخاصة صرحوا أنهم لن يبثوها خوفا على حياتهم .. فمن انبأ الخلف بما أحجم السلف عن بثه.؟ ولو فتحنا هذا الباب الذي لم نؤمر بفتحه لقال من شاء ما شاء ولا اختلط حابل الأمر بنابله دون حجة أو برهان ولسنا مطالبين إلا بما في الآية "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" واتبعوا أحسن ما انزل أليكم من ربكم.. وقد أحسن المقري رحمه الله في إضاءة الدجنة حينما تحدث عن الموقف من "شطحات " بعض الصوفية بقوله وقيل بل يناط حكم الظاهر" بهم صيانة لشرع طاهر . فلا يقر ظاهر في الميل . عنهم وذا أمر طويل الذيل

الأستاذ: أحمد أبو المعالي