الامطار تفاقم من الوضع المعيشي الهش في حي الدار البيضاء

جمعة, 2015/08/28 - 13:13
ولد أحمد ناجم بيع الصيمان حرفة يغذيها الفقر

على طاولة خشب متسخة وتحت عريش متهالك يقف سيد أحمد ولد أحمد ناجم وقد تناثرت بين يديه قطع من بقايا الأحشاء وفضلات المسالخ والتي اعتاد بيعها في حيه الذي يعد من أفقر أحياء نواكشوط بثمن 200أوقية عن الرزمة الواحدة..

ورغم تربع ميزان حديدي صدئ على طرف الطاولة إلا أن بائع اللحوم هنا يكتفي بمجرد الخرص والتقدير فيعمل على إرضاء زبنائه القانعين بأقل القليل مما يصدق عليه اسم اللحم حتى ولو كان من قطع الأحشاء وفضلات المسالخ.

يقول ولد أحمد ناجم إنه اعتاد على بيع "الصيمان " في سوق "سوسيم " قبل أن يعمل سلاخا بمسلخة الميناء ثم عاد لحرفته الأصلية والتي أصبح بارعا فيها ولا يرضى عنها بديلا ويعتمد عليها في كسب قوته وقت عياله رغم هجر الكثيرين من زملائه لعملهم بسبب غلاء اللحوم وتدني القوة الشرائية للسكان.

كوخ متهالك وطاولة لبيع اللحوم ومعدات بدائية كل عدة باعة اللحوم في الدار البيضاء ثم وهو يشير إلى كوخ مجاور قبل أشهر كان هنا زميلي يبيع اللحوم بالوزن لكنه هجر حرفته ليعمل عتالا.

ولا يخفي ولد ناجم شعورا بالزهو لقدرته على الصمود كبائع اللحم الوحيد هذه الفترة في حيه الفقير.

الجميع هنا يعرفونه ويثقون به وهم مطمئنون إلى أمانته  فهو جارهم الذي يقاسمهم السراء والضراء، وهو من اعتادوا رؤيته خارجا من المسجد المجاور بعد صلاة المغرب وبعد أن يكون قد جمع أغراضه البسيطة وسكاكينه الصدئة في نهاية يوم عمل مشحون..لا يقطعه سوى بخلوات قصيرة مع جراب التبغ وأمبوب التدخين.

الأمطار التي تهاطلت مؤخرا على نواكشوط ألقت بظلالها على واقع الحي البائس فالطرقات شبه مقطوعة بالبرك والوحل، ولا تزال هناك مساكن تطوقها المياه لم يستطع ساكنوها الاقتراب منها حتى الآن.

أما عريش ولد أحمد ناجم فقد ألقت به الرياح عدة أمتار وكان عليه أن يجمع عيدانه ويعيد تثبيته من جديد كما يقول.

بعد ساعة من الانتظار كان هناك شبح زبون يقترب من طاولة بيع "الصيمان" ثلاثة أطفال بعثوا في مهام جلب اللحم لوجبة العشاء –على ما يبدو- حيث كان الوقت حوالي الواحدة زوالا، سلموا النقود وبدأ ولد أحمد ناجم في تجهيز طلباتهم من قطع الأحشاء والحوايا وما اختلط بالعظام من أعصاب وعضلات، لكن الأكيد أن أي قطعة لحم حمراء لم تكن على طاولة العرض.

منظر الأطفال الثلاثة يكفي للحكم على الوضع الأمني الصعب في أحياء الضواحي حيث لم يعد من الآمان إرسال طفل بمفرده، وقبل أشهر معدودة أفاق سكان حي الدار البيضاء على جريمة بشعة عندما جرى اختطاف طفلة من الشارع واغتصابها وقتلها على شاطئ المحيط.

واقع يتحدث سكان الحي عنه بمرارة ويجعل من المخاطرة دخول مثل هذه الأحياء بعد هبوط الظلام، وهو ما يدعو ولد أحمد ناجم للعودة إلى مسكنه بعد المغرب مباشرة كما يقول.

أحلام بسيطة

"لا نريد أكثر من أن نعيش بكرامة.." يقول ولد أحمد ناجم وهو يتصنع الضحك إذ المشكل ليس في الطلبات والوعود بل في تنفيذها ..وفي وضع معيشي مزر لا قيمة فيه للنقود وتتساوى فيه قيمة الألف والأوقية الواحدة يصبح الجميع على شفا الكارثة ، ويحتاجون كل أنواع الدعم والمساعدة لكن المشكل أن توسلاتهم واستغاثتهم تضيع أدراج الرياح ويظل من الأولوية –وفق ولد أحمد ناجم –توفير الأمن وإعادة  الاعتبار للتعليم وقطاعات الصحة والأمن الغذائي.

فاتورة باهظة

بعض المساكن لا زالت تطوقها مياه الأمطار لم تقتصر تأثيرات الأمطار على زيادة عزلة حي الدار البيضاء مما أدى إلى رفع تعرفة المواصلات لتصل إلى 400أوقية بل خلفت أيضا معاناة صحية عندما وفرت وبيئة حاضنة لتكاثر الباعوض والناموس وبالتالي نشر أمراض الحميات والحساسية الجلدية كما تقول آمنة بنت محمذن وهي تشير إلى البثور التي تركها الحك على جلد أحد الأطفال.

آمنة التي كانت من أوائل النازحين إلى الحي من "كبة " "مندز" ترى أن قدر سكان الحي الحرمان والتهميش والدولة تبخل عليهم بأبسط الخدمات فلم تشملهم حملة مكافحة الباعوض، ولم يسمعوا عن مبادرات دعم أسعار اللحوم ولا الخبز ، وهناك ضعف في خدمات المياه والكهرباء عندما يتجاوز سعر برميل المياه 400أوقية في الصيف، ويترك السكان لسماسرة بيع الكهرباء ولمخاطر الأسلاك الممدة عبر الطرقات والتي قد تحول برك المياه الآسنة إلى مصائد للموت.

وتأتي شحنات نقل القمامة لتنثر حمولتها داخل الحي أو تلقي بها على أطرافه فتزيد من التلوث وتفاقم من معاناة السكان وفق الناشطة السياسية بنت محمذن.

الحي في مواجهة طوفان مياه المحيط لم يعد الفقر والتردي المعيشي ما يؤرق سكان حي الدار البيضاء على أطراف نواكشوط، بل إن انعدام الأمن ووقوع حيهم في مواجهة أي تمدد محتمل لمياه المحيط  هو ما يقلق بالهم حقا لاسيما في موسم الأمطار وفي ظل تغيرات مناخية مفاجئة لا يمكن التكهن بكوارثها ومخلفاتها يعلق أحد سكان الحي.