الفتك بشبهات محللي ربا البنك الحلقة 5

خميس, 2015/08/06 - 16:35

الشبهة الخامسة والسادسة:

قال الشيخ اليدالي في ص 20: ((وفي شرح الرسالة للشيخ زروق: عند (ولا يجوز سلف جر([1]) منفعة): قال ابن عبد السلام: "ظاهر المذهب منع المنفعة مطلقا، والأقرب الجواز إذا كانت قليلة جدا كالطعام المسوس أو القديم في الشدة بشرط أخذه جديدا، ثم قال اللخمي: المنع مقيد بما إذا لم يقم دليل على إرادة نفع المسلف فقط، وظاهر كلام ابن أبي زيد جواز الزيادة اليسيرة أو الكثيرة إذا جرت بذلك عادة عامة" )).

جواب الشبهتين الخامسة والسادسة:

الجواب - وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب - : أن الكلام الذي عزاه الشيخ اليدالي للشيخ زروق: عند قول الرسالة: ((ولا يجوز سلف يجر منفعة)) خالٍ منه شرح زروق من هذا المحل قطعا، وخالية منه الصفحة التي أحال لها الشيخ اليدالي قطعا، وهي الصفحة 123 من الجزء الثاني، بل شرح زروق من هذا المحل خال من ذكر ابن عبد السلام، ولولا تنزيهنا أمثال الشيخ عن تحريف الكلم عن مواضعه والزيادة فيه والنقصان لقلنا إنه التبس عليه شرح زروق بشرح ابن ناجي، فعزا لزروق كلام ابن ناجي محرفا عن مواضعهْ، مقطع الأوصال مقطوعا عما هو من توابعهْ، معوَّضا عن رأسه بعد القرضْ([2])، ذنَبٌ يُشرع اشتراط النفع في القرضْ، واحتمال الغلط واردْ، فالشيخان شرحاهما في وجه واحدْ، ولولا الإطالة لنقلت كلام زروق حرفا بحرفْ، ولكن دونك كلام ابن ناجي الذي وقع فيه التحريف والزيادة والحذفْ، لتعلم أن ابن ناجي وابن عبد السلامْ، لم يسلكا إلا سبيل النجاة والسلامْ:

قال ابن ناجي عند قول الرسالة: "ولا يجوز سلف يجر منفعة":... ((ولما ذكر ابن بشير في السفاتج القولين، وأن المشهور المنع، قال: وكذا الطعام المسوس أو القديم في زمان الشدة بشرط أخذه جديدا، واعترضه بعض شيوخنا بأن كلامه يقتضي أن المشهور المنع، ولم يحك غيره في السفاتج إلا الجواز.

قلت - القائل ابن ناجي - : قال ابن عبد السلام: ظاهر المذهب المنع، والأقرب الجواز لأن منفعة السلف يسيرة جدا، لا يمكن للعاقل أن يقصدها غالبا([3]).)) انتهى الغرض منه في الصفحة والجزء اللذين أحال عليهما الشيخ اليدالي، وهو ما يجعل احتمال الخطإ في العزو متعينا وهو أحلى الاحتمالات على مرارتهْ، لما فيه من تحريف الكلم عن مواضعهْ، وقطعه من سياقه وما هو من توابعهْ، والإظهارِ في محل الإضمار إبدالا للضمير بظاهرْ، على خلاف مقتضى الظاهرْ.

ومعلوم في علم المعاني والبيانْ، أن جريان الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لا يكون إلا لنكتة كالاعتناء في الأحكام البديعة بالبيانْ، وزيادة التمكن في الذهن والجنانْ، وفي هذا المقامْ، وإن كان الحكم من بديع الأحكامْ، لم يتضح من النكت إلا ما يأباه اتصاف الشيخ  بأمارات التمامْ، وهو تحليل الربا الحرامْ، بإجماع وإطباق أهل ملة الإسلامْ.

وأنت إذا رجعت لكلام ابن عبد السلام المتقدم في كلام ابن ناجي وقارنته مع كلام الشيخ اليدالي علمت أن الشيخ اليدالي قطع كلام ابن عبد السلام من سياقه، فإنّ ابن ناجي ذكر كلام ابن عبد السلام هذا بعد أن ذكر الخلاف في سلف المسوس أو القديم في زمان الشدة بشرط أخذه جديدا، فلما ذكر الخلاف قال: ((قلت قال ابن عبد السلام: ظاهر المذهب المنع، والأقرب الجواز، لأن منفعة السلف يسيرة جدا لا يمكن للعاقل أن يقصدها غالبا.)) انتهى.

فانظروا رحمكم الله كيف مسخ نقلُ الشيخ اليدالي كلامَ ابن عبد السلام بقطعه عن سياقه وتحريفه، والزيادة فيه، والنقصان؟

 وانظروا كيف أبدل قول ابن عبد السلام: ((ظاهر المذهب المنع)) ولا شك أن (أل) في قوله (المنع) خلف عن ضمير يعود على سلف المسوس أو القديم في زمان الشدة بشرط أخذه جديدا، إذا درجنا على أن «أل» تخلف الضمير، أما إذا درجنا على أن «أل» لا تخلف الضمير كما هو رأي بعض النحويين فالضمير مقدرٌ فيكون التقدير ظاهر المذهب المنع له أو نحو ذلك.

وجوز ان تقوم في غير صله
 

 

مقام مضمر وبعض حظله([4])
 

فالشيخ  اليدالي حول قول ابن عبد السلام: ((ظاهر المذهب المنع)) إلى: (ظاهر المذهب منع المنفعة مطلقا) مبتعدا عن الضمير العائد على سلف المسوس أو عن خلفه، هادما من كلام ابن عبد السلام الركن الأعظم والقسطاس المستقيم الذي هو قوله: ((لأن منفعة السلف يسيرة جدا لا يمكن للعاقل أن يقصدها غالبا)) مبدلا له بقوله: (الأقرب الجواز إذا كانت قليلة جدا كالطعام المسوس أو القديم في زمان الشدة بشرط أخذه جديدا)  فأسقط قول ابن عبد السلام: ((لا يمكن للعاقل أن يقصدها غالبا)) وله العذر في هدم هذا الركن من كلام ابن عبد السلام لأنه يسد المخرج الذي يريد لأهل الربا، إذ ذلك هو مقصده كما بينه في خاتمة كتابه، جاعلا التماس المخرج للمرابين من جزئيات قوله صلى الله عليه وسلم  : «إن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله».

والخاتمة القاصمهْ، هي ما جعل لما عزاه لزروق خاتمهْ، وهي قوله: ((وظاهر كلام ابن أبي زيد جواز الزيادة اليسيرة أو الكثيرة إذا جرت بذلك عادة عامة.)) انتهت هذه الخاتمة القاصمهْ، نسأل الله سبحانه وتعالى بمنه حسن الخاتمهْ، فظاهر الشيخ اليدالي أن هذه الخاتمة من كلام زروق لأنه أحال في نهايتها على شرح زروق، فكتب بالهامش رقم 1: [ج2 ص 123 شرح الرسالة للشيخ زروق] فإن كان ناسبا هذه الخاتمة لزروق كما هو ظاهره فلسان حال زروق وابن ناجي بل وابن أبي زيد يقول: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }  [سورة النور آية 16] فليست هذه الخاتمة في شرح زروق ولا في شرح ابن ناجي.

وإن كانت هذه الخاتمة من كلام الشيخ اليدالي أدرجها في نقوله وأحال بعدها لشرح زروق متسورًا ما في ذلك من التلبيس، وإيهام القارئ - بل إيقانه - أن هذه الخاتمة القاصمة من كلام زروق فهذه دعوى على صالح غير لائقة غير مشبهة مخالفة للعادة والشرع يطعن فيها ويدفعها نص ابن أبي زيد: ((ولا يجوز سلف يجر منفعة)).

وقوله: إذا لم يقم دليل على إرادة نفع المسَّلف يقرأ "المسلف" فيه بتشديد اللام ليلا يفسد المعنى، وعبارة الشيخ خليل في القرض: ((إلا أن يقوم دليل على أن القصد نفع المقترض فقط.)) وقال في التوضيح: ((وقيد اللخمي المشهور بما إذا لم يقم دليل على إرادة نفع المستسلف فقط، وأما إن قام ذلك فيجوز)). انتهى محل الحاجة منه([5]). والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

 

([1]) كذا في الأصل والذي في الرسالة: (يجر)

([2]) القرض لغة القطع.

([3]) جزء 2 ص 123.

([4]) البيت للعلامة المختار بن بون الجكني الشنقيطي من نظمه: الجامع بين التسهيل والخلاصة.

([5]) التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب الفرعي المجلد (6) ص 65 منشورات مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث 1429هـ 2008م.