بين الغني والفقير - في ظلال الوحي ح 5/ إبراهيم أحمد سالم

اثنين, 2024/02/19 - 12:56

صليت العشاء قبل أيام في مسجد في بعض الأحياء التي تُحسب على الفقراء وقرأ الإمام بعد الصلاة هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه "، أنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، فَقالَ: وَما ذَاكَ؟ قالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ، فَقالَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ قالوا: بَلَى، يا رَسولُ اللهِ قالَ: تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً. قالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالوا: سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأمْوَالِ بما فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقالَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ" رواه مسلم.

 

 

لفت انتباهي هذه المرحلة التي وصل إليها الصحابة في العلاقة بين الفقير والغني، ويعرف المُطلع على شعوب الأمم الصراعات التي تصير بين أغنياء المجتمع وفقرائه من ظلم يصدر من الأغنياء وحسد ينشأ من الفقراء،  وهذا التنافس العظيم المذكور في الحديث  الذي ينافس فيه الفقير الغنيَّ في أعمال الخير وينافس فيه الغني الفقيرَ في أعمال البِر، و قد يكون جوّ الحيّ ساعد على لمح هذه الصورة الجليلة التي وصل إليها الصحابة، ففقراء المهاجرين لم يُشغل بالَهم مال الأغنياء إنّما شغل بالهم أثرُه في الخير، ولم يغفل أغنياء الصحابة عن الخير الذي وُجِّه إليه الفقراء فنافسوهم فيه؛ الأغنياء يُنافسون الفقراء في أجور الآجرة لا في الفُرَص الصغيرة في الدنيا.

هذا التنافس النّوعي هو الذي ينبغي أن تُربّى عليه الشعوب فلا يُظلَم الفقراء ولا يُحسَد الأغنياء، فهذه هي العلاقة التي ينبغي أن تكون بين أغنياء المجتمع وفقرائه ولا ينبغي أن تلتبس بعلاقة أهل الطغيان وأهل الاستضعاف التي لمحها بعض أهل العلم المعاصرين  في قوله تعالى  " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " فقال : إن الانتقال من مرحلة الاستضعاف دون أن تصل إلى مرحلة الطغيان صعبة على الشعوب ولذلك قال تعالى : "وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً"  لنحصّنهم من الطغيان ويكونوا بعد ذلك وارثين.