مدير مركز الجزيرة لـ"السراج" : موريتانيا بحاجة إلى انتخابات هادئة /ج1

ثلاثاء, 2024/01/23 - 12:46
الدكتور محمد المختار الدمين ـ مدير مركز الجزيرة للدراسات

 قال مدير مركز الجزيرة للدراسات الدكتور محمد المختار الدمين إن موريتانيا بحاجة إلى انتخابات "هادئة وسلسلة"، لأن الحالة الإقليمية مضطربة، ولا تقبل "الشد والجذب الحدي".

 

وأكد ولد الدمين في مقابلة مع شبكة السراج أنه ما لم تقدم أطراف العملية السياسية الموريتانية مرشحين فاعلين في الانتخابات المقبلة، فإن المشهد سيكون قريبا مما حدث في رئاسيات عام 1997، التي قاطعتها المعارضة وكانت باهتة، مع فارق أن معاوية كان في آخر عمره السياسي، وغزواني في أوج لحظته السياسية".

 

وتوقع مدير مركز الجزيرة للدراسات أن تفشل جهود تقديم مرشح موحد للمعارضة الموريتانية لصالح تعدد مرشحيها وهو أمر برأيه يخدم العملية السياسية ويخدم المعارضة نفسها، "لأن القضية ليست قضية كسب انتخابي يبدو محسوما، لكنها قضية حضور وفاعلية لاعبين سياسيين" حسب تعبيره .

 

 الجزء الأول من المقابلة

 

الصراع الإقليمي في الساحل والصحراء ما هي خلفياته وتداعياته على موريتانيا ؟

 

موريتانيا تعيش وضعا إقليميا حساسا جدا، إن لم نقل سيئا، والسبب تعدد الأزمات في المنطقة، ومن المعروف أن الإقليم إذا عاش أزمة، كان ذلك إشكالا إقليميا كبيرا، وكان إشكالا دوليا كبيرا، فكيف إذا تعددت هذه الأزمات.

 

أول مؤثر وأكبر مؤثر على موريتانيا هو الأزمة في الصحراء الغربية، أو النزاع في الصحراء الغربية، لعدة عوامل أولها : الجغرافيا المفتوحة، والثاني الديمغرافيا المشتركة، والثالث طبيعة الأطراف المتصارعة في المنطقة.

 

ومعروف أن النزاع في الصحراء الغربية هو جزء من بقايا صراعات الحرب الباردة، وأساس هذا النزاع خلاف مركزي بين الجزائر والمغرب، في إدارة التحالفات الإقليمية، ومن ثم التحالفات الدولية، انتهت التحالفات الدولية إلى صورة معينة في أحادية القطب، أو القطبية الأحادية، لكن بقيت هذه القضية مستمرة إقليميا.

 

فالصراع بين الجزائر والمغرب في السيادة على القارة الأفريقية، والنفوذ في منطقة غرب وشمال أفريقيا يدركه الجميع، وواضح في هذه الأزمة.

 

يُضاف إلى ذلك طبيعة الموقف الموريتاني الذي كان في بداياته منحازا، وله رغبات معينة في السيادة على جزء من الصحراء، ثم الانسحاب غير المخطط له، لا نتحدث عن الانسحاب في ذاته فهو خيار واقعي وممكن، لكن لم يكن مخططا له بما فيه الكفاية.

 

 وقد ألقت طبيعة الاستقطاب الموجودة بظلالها على موريتانيا بصفة عامة، بحيث لم يكن أمامها إلا أن تكون جزء من حياد إيجابي دائم في الملف، ورغم ذلك لا يمكن أن يوجد حل دون موريتانيا ولذا الوساطة الأممية تأخذ ذلك بعين الاعتبار.

أظن أن الاهتمام الموريتاني بالملف الصحراوي محصور في النواحي العسكرية والأمنية، وهذا له ظروفه المنطقية، لأن الأراضي الموريتانية شاسعة، والثروات الموريتانية ترتكز في منطقة النزاع،(سكة الحديد ـ نواذيبو ـ لكويرة).

 

 هذا الأمر يؤثرعلى التعاطي السياسي مع القضية، لكن الملاحظ أن هذا التعاطي غائب عن المجال العام، والدولة كيان سياسي لديها رؤية سياسية تتعلق بالملف وتستثمر فيه، لكن أين الرأي العام؟ وأين المواطنون من ذلك؟.

 يلاحظ غياب الملف في المجال العام سواء بالنسبة للأحزاب السياسية، أو المواطنين وفي ذلك جانب إيجابي؛ هو عدم إحراج البلد وإحراج المنظومة السياسية بالمواقف الحدية، لأن طبيعة موقف الحياد، كمن يختار التموقع في المنطقة الرمادية؛ بالتالي يفضل ألا يخرج الملف إلى الأضواء.

 

النزاع في الصحراء لا يتجه إلى حسم لكنه لا يتجه إلى تغيير؛ بمعنى أن المغرب والجزائر والبولساريو والقوى الداعمة، يمارسون نوعا من الضرب في الخاصرة الرخوة، دون أن يصل الأمر إلى معركة مفتوحة، مثال ذلك استثمار البوليساريو في موضوع معبر الكركرات، الذي تبين أنه كان رهانا دون تخطيط؛ بالتالي انعكس سلبا عليها وعلى المنطقة، أكثر مما أفاد فقد أدى إلى إلغاء الاعتراف بدور البوليساريو في إدارة الحدود، فأصبح المغرب صاحب علاقة مباشرة مع موريتانيا في تسيير الحدود.

 

 وتظل القوة غير متكافئة بالنسبة للطرفين (المغرب- البوليساريو) وكل طرف متخندق في مواقفه، وهذه من الإشكالات التي تعقد ملف الصحراء الغربية، إذ أن الأطراف يتعاملون مع قضية متحركة ومستمرة، بنفس المنطلقات التي بدأوا منها في عام 1973 أو قريبا من ذلك.

 

 ولعل أدق وصف لقضية الصحراء، قول المبعوث الدولي إلى الصحراء،هورست كولر حين قال: "إن المغرب يمتلك سلطة الأمر الواقع، والبوليساريو يؤيدها القانون الدولي، والأمم المتحدة لا تريد أن تفرض حلا"، أو بمعنى أدق لا تستطيع أن تفرض حلا.

 

 إجمالا الموقف الموريتاني موقف حياد إيجابي وهو صادق، ويجب أن يبقى كذلك، ولا يمكن أن يتحول إلى أي موقف آخر، فالمحاور الأقليمية بين الطرفين يجب أن تبتعد عنها موريتانيا بالكلية، فلا تكون جزء من تحالف تقوده الجزائر أو العكس.

 

أعلن المغرب مؤخرا عن تحالف الطريق إلى الأطلسي، ما خلفيات هذه المبادرة ؟ هل دعيت لها موريتانيا، وهل هي سياسية أم اقتصادية ؟

 

 أشك في أن موريتانيا دعيت إلي المشاركة في هذه المبادرة، لأن المغرب يعرف وضعية الموقف الموريتاني ودواعيه ، وإن كانت دعيت فحسن أنها لم تستجب، لأن الظروف لا تسمح لها بالدخول في حلف إقليمي يقوده المغرب، لأنه سيفسر- بالضرورة سياسيا ضد الجزائر والعكس صحيح- وبالتالي لا يجوز ذلك في منطق السياسة الموريتانية التي تمسكت بموقف الحياد منذ 1985 إلى الآن.

 

ربط بعض المحللين الموريتانيين بين إعلان مبادرة الطريق إلى الأطلسي وبين بانتهاء مجموعة G5 ، ولا أظنه دقيقا، فليس هناك رابط مباشر بين الأمرين، غير أنهما وقعا في نفس السياق الزمني،فالمغرب دائما لديه مبادرات موجهة إلى أفريقيا.

 

 المنطقة الآن حُبلى وفيها الكثير من التحركات، التي تجعل المغرب يبادر لملء الفراغ، ومن دواعي المغرب لإنشاء هذا الحلف أن هذه الدول لديها إلى حد ما مشاكل مع الجزائر أو يفترض ذلك، فكان حضورها إلى دعوة المغرب بحد ذاته رسالة إلى الجزائر، أنها لم تعد هي المبادر الوحيد أو المخاطب الوحيد لهذه السلطات، لكن هل هي مبادرة اقتصادية في ثوب سياسي، أم مبادرة سياسية في ثوب اقتصادي؟ كل ذلك موجود، لكني أشك في مسألة التطبيق والجدوائية.

 

 إذا كان الهدف هو أن المغرب يمكن أن يقنع هذه الدول بأنه سيكون بوابتها إلى المحيط الأطلسي، فالأمر ليس سهلا، لأن هذه البوابة تحتاج إلى عدة أمور أولها يتعلق بالجوار الجغرافي، والمغرب لا يمتلك واجهة حدودية على هذه الدول إذا تجاوز موريتانيا، التي هي أساسا الطريق الرابط بين دول الخط الأطلسي.

 

 أما القضية الثانية فتتعلق بالحسابات الاقتصادية المحضة لأنه من الصعب على الدول التي تبعد مسافة كبيرة عن المغرب، أن تقيم خططا اقتصادية استراتيجية بناء على الاستيراد من المغرب، حتى ولو مر ذلك من موريتانيا لأن المسافة بعيدة جدا ومكلفة، والاستثمار المتعلق بها ضخم جدا، مثلا بوكينا فاسو أقرب إليها موانئ كوتونو، واتشاد أقرب إليها موانئ الكامرون، والنيجر أقرب إليها نيجيريا وبنين، أعتقد أن المبادرة سياسية بالأساس والموضوع الاقتصادي طُعم للترويج للمبادرة.

 

إلى أي حد يمكن أن تستمر بل إلى أي حد يمكن أن تتوسع الخطوة؟ المغرب قام ببناء موانئ ضخمة منها ميناء الداخلة، الذي هو قريب من الانتهاء، وميناء طنجة، ولا شك أنه يريد استغلال هذه البنية التحتية من المواني نحو إفريقيا، لكن ليس بهذه الطريقة لأنها قد تحتاج وقتا طويلا، وأعتقد أن المغرب كسب استراتيجيا بفتح حدوده مع موريتانيا للتصدير بصفه عامة، وسيحافظ على ذلك، بالتالي لن يحرج موريتانيا فيما يتعلق بملف "الطريق إلى الأطلسي"، وعلى ذلك الأساس أشك أن يكون المغرب وجه الدعوة إليها للانضمام للمباردة، ولو كانت هذه الدعوة قد وجهت بالفعل لكانت مادة إعلامية ضخمة، لكن التحليل المتسرع للبعض هو ما تسبب في هذا الاعتقاد .

 

بعد انهيار G5  ما هي الخيارات أمام موريتانيا للتنسيق والتعاون الأمني مع دول الساحل؟

 

موريتانيا جزء أساسي من المعادلة الأمنية في المنطقة، هذا ما أدركه الاستعمار مبكرا حين احتلها مطلع القرن العشرين، لأسباب اسراتيجية وأمنية، فالانفتاح الجغرافي والديمغرافي مشكلة كبيرة، فالسكان في شمال مالي، وشمال غرب النيجر، وجنوب الجزائر وجنوب المغرب وفي الصحراء الغربية من ثقافة واحدة وطبيعة واحدة وسحنة واحدة، ويقطنون في مجال صحراوي مفتوح لا توجد به سدود ولا موانع طبيعية.

لهذا موريتانيا عنصر أساسي في أمن المنطقة، ولا يمكن تحقيق أي مبادرات أمنية إلا بمشاركة موريتانية فعالة.

مجموعة دول الساحل الخمس كانت مبادرة جمعت بين حاجة الإقليم، ورغبات دولية وبالذات فرنسا، وسرعة تلاشي المشروع يدل على أنه لم تكن هنالك خطة متكاملة ومدروسة، بقدر ما كانت مبادرة لحاجة إقليمية إلى تجمع يساعد في ضمان أمن المنطقة، ورغبات دولية تسعى إلى مصالح  خاصة.

 

المنظمة جوبهت أولا بتحفظ إقليمي من بعض الدول مثل الجزائر والسينغال وقد كان هذا إشكالا مبدئيا، ثم جاءت لاحقا المشكلة السياسية المتعلقة بالانقلابات التي غيرت أنظمة الحكم، بالتالي تغيرت المواقف اتجاه الرعاة الدوليين (الأمم المتحدة- فرنسا..) وذلك ما أدى إلى تغير المعطيات التي بني عليها تكامل الأدوار.

 

أعتقد أن المنظمة انتهت كإطار، لكنها لم تنته كواقع يفرض على الدول المعنية التواصل والتشاور والتكامل لضمان استقرار وأمن المنطقة.

 

والبديل هو G5 جديدة؛ بمعنى تجمع إقليمي جديد بطابع عسكري وسياسي وأمني؛ لأنه مهما كان الدعم الدولي، فالمنطقة تحتاج إلى التشاور وتكامل الأدوار بشكل مستمر، وتحييد الملفات السياسية والصراعات الإقليمية أساسي لاستمرار أي مجموعة.

 

موريتانيا على بعد أشهر قليلة من انتخابات رئاسية ؟ ما هي خيارات المعارضة في التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي؟

 

موريتانيا بحاجة إلى انتخابات مرنة سلسلة دون ضجيج كبير، لأن الحالة الإقليمية لا تقبل الشد والجذب الحدي، وأظن أن ذلك هو طبيعة الموريتانيين وهو الاتجاه.

 

الخيارات أمام المعارضة خيارات صعبة؛ لأنها طيف سياسي واسع، لا أقول مختلف التوجهات، لكنه أيضا مختلف المقاصد والوسائل، فبعض المعارضة هو جزء من العملية الديمقراطية، وبعضها جزء من عملية اجتماعية يوظفها سياسيا ،وبعضها لديه خطاب رغبات وأماني أكثر من خطاب برامج.

 

هل توجد بين أقطابها ثقة ؟ أشك في ذلك والموقف من مؤسسة المعارضة الديمقراطية مستحضر وواضح، إضافة إلى وجود شيء من موت العمل السياسي في البلد  مع الأسف، ناتج عن غياب رؤية مشتركة للمحافظة على حيوية العملية السياسية، فخروج ثلاثة أحزاب كبرى من الانتخابات الأخيرة كان كارثة على المعارضة، كما هو كارثة على مجمل العملية السياسية، ولا أظن النظام إلا يعتبره كارثة كذلك.

 

واضح أن الرئيس محمد ولد الغزواني سيحوز الثقة، وسيخرج من الانتخابات الرئاسية بنتيجة كبيرة، لكن تلك ليست هي الإشكالية، فالإشكالية هي العملية السياسية نفسها.

 

شخصيا أرى أنه من المستحيل بالنظر لتاريخ المعارضة الموريتانية، أن تتفق على مرشح واحد، ومحاولات بعض الأطراف إيجاد "مرشح قواسم مشتركة" دائما ما تنتهي بعدم الاتفاق،

 بالتالي أعتقد أنه سيكون هناك مرشحون متعددون، وربما هذا مفيد للمعارضة لأن القضية ليست قضية كسب انتخابي يبدو محسوما، لكنها قضية حضور وفاعلية لاعبين سياسيين، وذلك ما قد يخدم العملية السياسية ويخدم المعارضة نفسها.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه، هو إلى أي حد يمكن للمعارضة وأطراف العملية السياسية أن يقدموا مرشحين فاعلين؟ لأنه إذا لم يحصل ذلك فسنكون أمام مشهد قريب من انتخابات عام 1997، التي قاطعتها المعارضة وكانت باهتة، مع فارق أن معاوية كان في آخر عمره السياسي، وغزواني في أوج لحظته السياسية.