موريتانيا: عمال سوق نقطة ساخنة … معاناة متجـددة / أموه أحمدناه

أحد, 2021/06/27 - 12:37

مثل سوق بيع الهواتف المحمولة "نقطة ساخنة" وسط العاصمة نواكشوط،قبلة الشباب من الذين تقطعت بهم دروب البطالة شيعا،بعد أن وجدت هذه الهواتف طريقها للأنامل الموريتانية،والإقبال على الشراء خلق فرصا لا تعد ولا تحصى،بشكل خاص لحملة الشهادات الذين لم يحالفهم الحظ في ولوج الوظيفة العمومية.

أحمد "ليسانس في القانون" أحد العاملين في السوق الذي يستقطب الشباب بمختلف الأعمار والأجناس،وجد نفسه في هذا الميدان بعد التخرج 2013،وهو نموذج واحد من الذين يحملون على عواتقهم عناء أسرة تقتات على ما يجود به السوق كما يقول،وبعد سؤاله عن ما بقي معه من أيام إغلاق السوق أجاب:
"لم أكن أملك من الخيارات غير القعود مع القاعدين في المنزل،أدفع المصروفات اليومية من بقية نقود عندي وشيء من المعاملات مع معارف مدّ السوق بيني وبينهم حبال المعرفة،وكنا نتوقع عند رفع الإغلاق عن السوق مساعدة من طرف الدولة،غير أن ذلك لم يحدث،وزاد من حدة الوضع الزيادة التي حدثت في سعر البضائع بداعي الشحن،كثير من الزبناء لم يقبل الأسعار الجديدة التي عرفت زيادة بكل تاكيد،ما زلنا حتى الآن نتعافى من ذلك الإغلاق رغم مرور أشهر"

الشرطة الوطنية التي أغلقت السوق كإجراء ضمن مجموعة من الإجراءات الاحترازية،أعلنت عنها الحكومة الموريتانية للوقوف في وجه فيروس كورونا،رابطت في جنباته لضمان التقيد بالقرار وعدم اختراقه من لدن أهل السوق.

ويتحدث الباحث الاجتماعي ورئيس منتدى السوسيولوجيين الموريتانيين باب سيدي أحمد لعلي عن تداعيات كورونا التي لم تقتصر بحد تعبيره على الجانب الوقائي فقط،إذ امتدت صوب الجوانب المادية الاقتصادية،وبشكل أدق على أصحاب سوق بيع الهواتف النقالة فيقول:
"إغلاق سوق بيع الهواتف تجلى في بعد اقتصادي بحت،منذرا بأزمة قد تكون أشد من أزمة كورونا،نتيجة لقصور يد الدولة الاقتصادية في دعم القطاعات الحيوية في هذا المجال،والتأثر تجلى في قبول الباعة وأهل المحلات التجارية للإجراءات الاحترازية المشددة التي أعلنت الدولة عنها في شهر مارس من عام 2020 في شكلها الأولي،ورفضها بعد أيام بشكل أكثر عفوية نتيجة لتدهور الإنتاج وإنعدام بديل الدخل"

في ذات السوق التي تشكل قبلة الإنسان الموريتاني لشراء الهواتف وما يتعلق بها،قادنا البحث للشيخ "صاحب محل" حيث أخبرنا عن الفترة التي صادفت قرار إغلاق السوق الذي أعلنت عنه الجهات الصحية الموريتانية إبان تفشي الوباء،وهو القرار الذي يقول بأنه استمر 21 يوما،وطوال الفترة كان كل العاملين في السوق بدون عمل ويجلسون في المنازل،أما عن حجم التأثر فيقول:
"كان من الصعب جدا أن تصبح هكذا بلا عمل،وأنت من تعيل أسرة وفي ظروف خاصة،حيث بلغت أسعار المواد الغذائية عنان السماء،والتأثر لم يقتصر علينا كأصحاب محلات،بل وصل العمال الذين كانوا معنا،فنحن وجدنا أنفسنا مكرهين على قطع رواتبهم في ظل توقف حركة البيع والشراء"

يضيف الشيخ وهو يتحدث عن تلك الفترة:
"بعد قرار الإغلاق قدم لنا صاحب السوق مساعدة تمثلت في تخفيض الراتب الشهري للمحلات إلى النصف،بيد أن الفرحة بهذا القرار لم تدم طويلا،إذ سرعان ما تراجع عن ذلك بعد أن جاءت مجموعة من الضرائب يجب تسديدها دون تأخر،وهو ما أدى لإغلاق آخر عشنا خلاله أياما بدون عمل،واستمر لأسبوعين ما زاد من حدة الإغلاق الأول".

ويشير الدكتور وأستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة نواكشوط الصوفي الشيباني لأبرز التأثيرات الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا:
"في بلد كموريتانيا تمثل تأثير كوفيد في تراجع الطلب على المنتجات نتيجة ارتفاع الأسعار بفعل ارتفاع التكاليف بشكل عام،هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أصحاب الأعمال الصغيرة يتأثرون نتيجة تراجع الطلب على منتجاتهم بسبب ما تركته الجائحة من تدن في مستويات الدخل،ما يجعل هذه الفئة بحاجة لدعم الدولة،سواء بمنحهم التمويل الميسر،أو بمنحهم إمتيازات تخفف عنهم الأعباء الناجمة عن الجائحة"

إغلاق السوق لم يمنع بعض الباعة من عرض بضاعتهم على جنبات الطريق،حيث يراهم المار أينما يمم وجهه في قلب العاصمة نواكشوط،ما أدى لكر وفر بينهم والشرطة الوطنية،وسيدي محمود كان واحد من الذين استغلوا فرصة إغلاق السوق وهو يقول:
"بعد أن وصلنا إشعار إغلاق السوق حملنا معنا مجمل البضاعة،القليل جدا ما بقي في المحلات،وكنا نأتي كل صباح لقلب العاصمة نعرض بضاعتنا على المارة،ولا خيار أمام المشتري غير الدفع بالسعر الذي نختاره نحن،حيث كنا نزيد على السعر المعروف قبل الإغلاق،وكل ما امتنع أحدهم عللنا الزيادة بكوفيد وتداعياته،غير أن متعة البيع كانت تموت في كثير من الأحيان على يد الشرطة"

شمل تأثير فيروس كورونا مختلف المناحي الاقتصادية،ولم يكن أصحاب هذه المحلات بمنأى عن ذلك التأثير،لكن القائمين عليه يتوجسون خيفة من عودة الإغلاق،مع الإعلان عن الإصابات التي ترتفع تارة وتنخفض تارة أخرى.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.