أسرار انقلاب 8 يونيو الحلقة 2

أربعاء, 2015/06/10 - 17:15

خاص السراج كان اتصال ولد فال وإبلاغه رئيسه ولد حننا بتوجه زميله العقيد الحالي الحسن ولد مكت إلى منزل قائد الأركان العقيد محمد الأمين ولد انجيان لإبلاغه بأن " ساعة الحسم قد دقت" وأن عناصر عسكرية تستعد للإطاحة بولد الطايع عنصرا بالغ التأثير.

كانت مهمة ولد فال الوحيدة التي تلقاها مساء نفس اليوم وفق قادة من الانقلابيين هي التكفل بزميله الحسن ولد مكت، واعتبر الانقلابيون أن ولد فال ربما يكون متعاونا مع زميله ولد مكت، أو مترددا على الأقل في المواصلة، لكن لا شيئ يؤكد ذلك خصوصا أن الرجل نال نصيبه من السجن والتعسف.

 

الخطة البديلة

 

أدى هذا الإبلاغ بالانقلابيين إلى مراجعة الخطة، وتعجيل الانقضاض على القصر الرئاسي ولم تكن الترتيبات قد اكتملت بعد

كانت الخطة الأولية تنص على :

1-   إرسال عناصر  إلى محيط الرئاسة لمراقبة البوابات الرئيسية ومعرفة ما إذا كان الرئيس معاوية ولد الطايع سيخرج من القصر

2-            إرسال فرقة لاحتلال التلفزة والإذاعة، وإذاعة بيان الانقلاب

3-            احتلال قيادة أركان الجيش

لكن هذه " خطوة الحسن ولد مكت" سرعت من عملية الانقلاب، وفي المقابل لم يتمكن النظام من تجهيز نفسه بما فيه الكفاية للمقاومة.

 

السيطرة على القصر الرئاسي

 

وزعت  العناصر وانطلقت من كتيبة الدبابات حيث توجه العمدة السابق لمقاطعة مكطع لحجار الطاهر ولد الفروة القائد السابق لفرقة مشاة  البحرية إلى إدارة البحرية من أجل إحكام السيطرة يرافقه النقيب سيدي اعل ولد محمد فال

 

فيما توجه مساعد أول محمد ولد سيدي محمد إلى قيادة الدرك، وأغلق بوابتها الرسمية بدبابة وأحكم السيطرة.

 

فيما توجه يرب ولد باب أحمد إلى التلفزة، وأحكم السيطرة عليها، قبل أن ينسحب إثر هجوم عناصر من الحرس الرئاسي لاستعادة التلفزة.

 

بسهولة تحركت ثلاث دبابات من كتيبة الدبابات، كان النقيب يرب ولد باب أحمد والنقيب حمود ولد باب قد انطلقا في دبابتين نحو الرئاسة بأوامر من قيادة الانقلابيين، فيما كان من المقرر أن يتوجه الرائد محمد ولد شيخنا نائب رئيس المكتب الأول في قيادة الأركان نحو قيادة الأركان، ولكن ولد شيخنا توجه نحو الرئاسة، والتحق الرائد صالح ولد حننا في دبابة أخرى ببقية المجموعة المرابطة قرب البنك المركزي، وبسهولة أصبح مقر الرئاسة تحت سيطرة الانقلابيين.

 

لحد الآن لا يعرف مالذي دفع ولد شيخنا إلى مراجعة موقعه والانتقال إلى الرئاسة بدلا من قيادة الأركان، حيث كان من المفترض أن يقود خلية من ضباط آخرين، وتحويل قيادة الأركان إلى مقر قيادة للانقلابيين.

 

وبحسب مقربين من الرائد محمد ولد شيخنا، فإن هذا الأخير شاهد الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع وهو يخرج من القصر ويستقل سيارته رفقة أفراد أسرته، فخاطبه عبر مكبر صوت الدبابات وطالبه بالنزول قبل أن يقصف السيارة، لكن معاوية رفض وفي النهاية لم يشأ ولد شيخنا تنفيذ تهديده لأن الأمر قد يعرض أرواح "النساء والأطفال " للخطر

 

تلاحقت الدبابات أمام الرئاسة، ليصل عددها إلى سبع دبابات، وفي النهاية توزعت الدبابات على مقرات الإذاعة والتلفزة والرئاسة، حيث توجه النقيب يربه ولد باب أحمد قبل أن ينحسب صباحا تحت وابل من نيران الحرس الرئاسي.

 

أحمد ولد أحمد عبد أما بالنسبة لقيادة الطيران العسكري، فقد سيطر النقباء محمد ولد سعد بوه ومحفوظ ولد سيدي محمد، وأحمد ولد أحمد عبد بسرعة على القيادة واستخدم الطيار سعد بوه إحدى الطائرات في طلعات جوية، قبل أن يتوجه ولد أحمد عبد إلى الهندسة العسكرية حيث أحكم السيطرة عليها.

 

كان هنالك خطآن أساسيان – ضمن أخطاء كثيرة – تسببت في إفشال انقلاب 2003، عندما تراجع المسؤولون عن احتلال المنطقة العسكرية السادسة عن مهامهم، وقرروا مراقبة الوضع عن بعد، وفي نفس السياق تراجع الضابط النقيب سيدي محمد ولد انه المكلف باحتلال كتيبتي الحرس الوطني في قلب نواكشوط عن مهامه، كان مرفقا بسيارة عسكرية وجنود إضافة إلى دبابة، لكنه في النهاية قرر عدم تنفيذ المهمة، كان الأمر بالغ الأهمية بالنسبة للرئيس ولد الطايع الذي غادر القصر الرئاسي بكل سهولة واحتمى بقيادة أركان الحرس.

 

لساعات طويلة ظل زعيم الانقلابيين صالح ولد حننا يتجول بين الرئاسة والتلفزة والإذاعة، وقيادة أركان الحرس، دون أن يشعر أن خصمه على بعد أمتار قليلة...

 

انقشع الصباح دون أدنى مقاومة، كانت الأوامر صريحة جدا بالنسبة للقادة الميدانيين ونقلوها إلى جنودهم بعدم استهداف عناصر "الطرف الآخر" وفي ساعات الصباح الأولى بدأ الاستهداف العملي ، ورغم ذلك فقد ارتفعت في سماء نواكشوط أصوات قذائف الدبابات الضخمة، ومع سواد الليل الحالك نشر الفزع رداءه على العاصمة الفتية.

 

مع ساحات الصباح الأولى كان الرئيس معاوية ولد الطايع قد حصل لنفسه ملجأ في الحرس الرئاسي، فيما كان قائد أركان الجيش الوطني العقيد المرحوم محمد الأمين ولد انجيان قد التحق هو الآخر بمقر قيادته، فيما كان قائد الدرك الوطني تحت الاعتقال، عندما أوقفه النقيب سعدنا ولد حمادي.

 

يومها فر أكثر من صفوان وتعثر أكثر من عكرمة، ومع الصباح، لم يستطع الانقلابيون بث أي بيان يعلن عن مشروعهم الجديد.

 

لم يستطع الرائد يربه ولد باب أحمد، تأمين التلفزيون بما يضمن بث البيان المفترض، وفي النهاية لم يكن هنالك بيان معد، أصلا حيث كان من المفترض أن يكتب الرائد صالح ولد حننا بيان الانقلاب ، لكن في النهاية لم يجد ولد حننا في الإذاعة أي شخص يقرأ البيان أو يمكن زعيم الانقلابيين من قراءة بيان 8 يونيو.

 

قيادة الأركان ..آخر الثكنات

 

لم يقم الضباط المكلفون بمهمة احتلال قيادة الأركان بمهامهم، اختاروا طريقا آخر أكثر برودة – أكثر هؤلاء لا يزالون في مهامهم العسكرية في الجيش، حين نجوا من المساءلة بسبب أن زملائهم الانقلابيين لم يذكروا أسماءهم للمحققين – ومع امتداد أشعة الصباح الأولى بدا أن مؤسسات مهمة لا تزال خارج السيطرة، كانت الرئاسة ووزارة الدفاع والإذاعة والتلفزيون بيد الانقلابيين.

 

ومع ساعات الصباح الأولى فقدت أغلب الوحدات الانقلابية الاتصال بعضها ببعض، احتاج زعيم الانقلابيين صالح ولد حننا إلى وسيلة للتواصل مع كتيبة الدبابات، وفي النهاية جاءت الفرصة سانحة، عندما وقع أحد العقداء في سيارته الرسمية في طريقه إلى وزارة الدفاع ، طلب منه ولد حننا النزول من السيارة والمغادرة راجلا بسرعة، وبسرعة أيضا استجاب العقيد للطلب، انتقل ولد حننا إلى كتيبة الدبابات التي كانت تحت سيطرة النقيب عبد الرحمن ولد ميني، خرجت خمس دبابات، لتقتحم بوابة قيادة الأركان، وتعود لاحقا بعدد كبير من العقداء وكبار القادة العسكريين، تم اعتقالهم في عنبر واسع، تحت رقابة النقيب سعدنا ولد حمادي، لسنوات طويلة لم يكن هؤلاء في موضع فزع ولا مواجهة مع الحروب وبالتالي انهار بعضهم عصبيا فيما دخل آخرون في نوبات بكاء لم تكن أحسن وسيلة للمقاومة، عقيد مشهور آخر حاول الفرار لكن ملابسه علقت بالجدار وسقطت عن بقية جسمه.

 

أما بالنسبة للوزراء فقد فر أغلبهم خارج العاصمة، وود آخرون لو وجدوا مغارات أو مدخلا أو ملاجئ، وفي المقابل كان وزير محو الأمية المدير ولد بونه على موعد مع حادثين متناقضين، كان يحتفل بزفافه، حين لعلع الرصاص والقذائف..كان "الترواغ " ليلتها وسيلة أساسية للحفاظ على النوع.

 

في تلك الغضون أعلن عن وفاة العقيد محمد الأمين ولد انجيان بسبب قذيقة سقطت على مكتبه مباشرة، يقول الرائد ولد حننا إن الانقلابيين لم يتواصلوا أبدا مع العقيد ولد انجيان، وتقول مصادر أخرى إن الرئيس السابق ولد الطايع علق عندما أبلغ بمقتل قائد أركانه قائلا " يستحق"

 

لكن المؤكد بكل تأكيد أن ملف ولد انجيان "يستحق" التحقيق...سيكون ولد انجيان حلقة خاصة من هذا التقرير المتواصل عن " أسرار 8 من يونيو.

 

بوادر الفشل

 

لم تنجح الهجمات الصوتية والذخيرة غير الحية التي كان النقيب محمد ولد سعد بوه يطلقها بين الحين والآخر من طائرته العسكرية في إحكام السيطرة، فيما كانت مؤسسات عسكرية أخرى لا تزال خارج قبضة الانقلابيين.

 

كان من المقرر أن يغلق الضباط الانقلابيون نواكشوط أمام أي تدخل جديد، وكانت المنطقة العسكرية السادسة في توجنين هي البوابة الوحيدة لمنع الوحدات القادمة من بوغي وألاك، لكن الضابطين محمد ولد فال رفقة ضابط آخر المكلفين بالمهمة اختارا " المسالمة"، بل على العكس انتقلت وحدة من المنطقة السادسة باتجاه قلب العاصمة، ووصلت إلى محيط كارفور مدريد.

 

وفعلا جاء التدخل، بدأت المقاومة تستعر حول محيط الرئاسة، وفي ساعات قتل عدة عناصر من بينهم العقيد اوداعة قائد الحرس الرئاسي وعدد من جنوده، كان اوداعة رحمه الله في إجازة، ورفض مناشدات أهله البقاء في البيت مؤكدا أن ضميره الوطني لا يسمح له بالبقاء والقصر الجمهوري يتعرض للهجوم.

 

وتسارعت الأحداث حيث  تراجع محمد ولد شيخنا ودباباته عند فجر اليوم التاسع رفقة ملازم أول محمد ولد حم فزاز (الجريح الوحيد ضمن الفرسان)، بعد أن تمكن أنصار الرئيس ولد الطايع من طردهم عن محيط الرئاسة، وانقطع التواصل بين ولد شيخنا وبقية القيادات

 

وأخيرا حسم الرائد صالح ولد حننا الأمر بالإبقاء على بعض "المشاغلة" تمهيدا لحلول الظلام الذي سيغطي الانسحاب.

 

فشل ذاتي

 

يمكن الجزم بأن أربعة عناصر أساسية، تسببت في فشل ذريع للمحاولة الانقلابية أبرز هذه العوامل:

 

التخاذل وتراجع بعض القيادات :  لم يكن الضابط الحسن ولد مكت وحيدا في هواجسه التي دفعته إلى إبلاغ العقيد ولد انجيان بالمحاولة الانقلابية ساعات قبل وقوعها، فقد سرت نفس الهواجس إلى الضباط الذين كلفوا باحتلال المنطقة العسكرية السادسة، وكذا الذين كلفوا باحتلال قيادة الأركان عند منتصف ليلة الثامن، وكانت الوحدات المكلفة بالدرك وقيادة الدبابات والرئاسة أهم عناصر النجاح الذي لم يستمر طويلا.

 

2- غياب شبكة اتصالات : لأشهر عديدة قبل الانقلاب تعطلت شبكة الاتصال الخاصة بكتيبة الدبابات، وكان الانقلابيون أمام خيارين

 

-  إقامة شبكة اتصالات جديدة، وكان الأمر مكلفا جدا وغير ممكن فكل ميزانية "فرسان التغيير " يوم الثامن من يونيو لم يتجاوز 500 ألف أوقية

 

-  أما الخيار الثاني فكان عدم تعطيل شبكة الاتصال العمومية أو استخدامها، وفي النهاية قرروا استخدام شبكة الاتصال العمومية التي سرعان ما شهدت زحمة غير مسبوقة في الخطوط آلت في النهاية إلى فقدان الاتصال بين عناصر الانقلابيين

 

-  غياب جناح مدني للانقلابيين : فإلى غاية يوم الانقلاب كان الضباط الشباب مزهوين بقدرتهم على الإطاحة بولد الطايع دون أن يستعينوا بأي جناح مدني، أو إسناد إعلامي وفي النهاية فوجئ الجميع بأصوات القذائف التي هزت المشهد السياسي والأمني بقوة دون أن تحقق الهدف الأساسي للانقلابيين

 

-  سلمية الانقلابيين : كما يقول قادة الانقلاب – دون أن يشاركهم الكثيرون في ذلك – دفعت الطرف الثاني إلى مقاومة شرسة في اليوم الثاني.

 

ويقول قادة الانقلابيين إنهم قرروا عدم استخدام القوة والعنف إلا في حدود قليلة، ولذا استخدموا صدمة الدبابات حتى يستسلم الطرف الثاني دون مقاومة، لكن سؤالا كبيرا يطرح نفسه " أليس خروج الدبابات أصلا من ثكناتها يعني موت السلمية ".

 

انج سعد ...

 

تلاحقت الأسباب بسرعة، ومع خيوط مساء يوم التاسع من يونيو تأكد النقيب المرحوم محمد ولد السالك أن المنطقة السادسة في توجنين خارجة عن السيطرة، استطاع ولد السالك الخروج من نواكشوط بسرعة في سيارة هيلكس أجرها صالح ولد حننا من عند وكالة سيارات، وعند قرية آجوير شرقي بوتلميت تعرضت السيارة لحادث سير قوي، تركها ولد السالك وغادر البلد عبر وسائل نقل عادية، فيما استطاع عبد الرحمن ولد ميني ومحمد ولد ديدي وآخرون الخروج عبر بوابة روصو كان مساء ذلك اليوم كفيلا بنجاة من يخرج بسرعة، لم تكن هنالك دولة ولا وطن ولا سلطة بالضرورة.

 

قتل عدة عناصر من الحرس الرئاسي، من بينهم العقيد أوداعة وبعض جنوده، عندما بدأت المقاومة، فيما قتل مدنيون آخرون، يقول قادة الانقلابيين إن شراسة النظام واستخدامه للقصف العشوائي هو الذي أدى لتلك الكارثة...

 

منتصف اليوم الثالث تحدث الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع عن الضباط وضباط الصف الذين "استلوا" وفق تعبيره على دبابات وعن تدمير تلك "الدبابات دبابة دبابة

 

أما القيادة العليا للانقلاب " صالح ولد حننا، ومحمد ولد شيخنا" فقد اتخذا سبيلا آخرا للخروج ..لم يكن سبيلا سهلا ولا مفروشا بالورود ..

 

يتواصل