موسوعة الفتك بحجج محللي ربا البنك ح 3

أربعاء, 2015/06/10 - 16:04

الشبهة الثانية:

قال الشيخ اليدالي  في ص 17: ((عبارة ابن المنذر في كتاب الإجماع آخر باب السلم: (وأجمعوا على أن المسلف إن اشترط (عشر) السلف هديةً أو زيادةً فأسلفه على ذلك أن أخذ الزيادة ربا)).

ثم قال بعدما نقل عبارة ابن المنذر: ((ثم انظر قوله: (عشر السلف) حتى تدرك سريَّة الحرفيَّة في التعبير)) ثم قال في ص 18: ((وأما إجماعات ابن المنذر فمشهود لأغلبها بالصحة ولهذا استحقت التأمل الذي أشرنا إليه)) ثم قال في ص 15: ((وبعد هذه الإشارة السالفة والإشارة الخاطفة نبقى أمام إجماعٍ ولا إجماعَ أو قياس وهو مظهر للحكم لا مُثبتٌ له، أو أحاديث ضعيفة، وإنما يحكم بها في الترغيب والترهيب)) إلى آخر ما في ص 15 وص 16 مما هو أجدر بالإعراض عن إفساد الورق والمداد فيه، ثم قال في ص 21 قادحا في إجماع ابن المنذر بعدما نقل كلام فتح الباري الآتي، وكلام نيل الأوطار الآتي، وكلام النووي الآتي قال ناقضا إجماعَ ابن المنذر: ((وانطلاقا من هذه النقول يتأكد أهمية ما أشرنا إليه في عبارة ابن المنذر التي جاء فيها: وأجمعوا على أنه إن اشترط عشر السلف... إلخ.))

جواب الشبهة الثانية:

الجواب - وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب - : أن هذا إجابة لقول الوالد أحمد سالك في السؤال في ص 2: هل تحريم القرض بنفع إجماعيٌّ كما ذكر ابن المنذر وغيرُه أم غير إجماعيٍّ كما ذكر ابن حزم وغيرُه؟. ولا يخفى أن خلاصة جوابه - أعني الشيخ اليدالي - : أن ابن حزم ذكر فيه الخلاف وإجماعاته لا تجرح فهي أصح الإجماع، وابن المنذر ذكر الإجماع على تحريمه، وإجماعاته حقيقة بالتأمل بل مطعون فيها بالنقول.

وخلاصةُ خلاصةِ جوابه: أن تحريم القرض بنفع غير إجماعي كما ذكر ابن حزم وغيره.

أما قوله: ((ثم انظر قوله: (عشر) السلف حتى تدرك سرية الحرفية في التعبير)) فقصده به غير بَيِّن ولا مُبَيَّن، ولن أطيل بالبحث عن مغزاه، فما تشبث به وهو (عشر) ليس إلا خطأ من الناسخ أو المطبعة التي اعتمد عليها، وهي طبعة دار الكتب العلمية وهي خطأ واضح، لأنها لا معنى لها، ولأنها لم يذكرها غيره من كتب الإجماع، ولأن ابن قدامة نقل كلامه في القرن السابع قبل أن تَعبَث به المطابعُ الفاسدةُ، ولو عبِثت به لأبى ذلك علمُه وفهمُه، وليست كلمة (عشر) التي تشبث بها الشيخ اليدالي فيما نقله في المغني عن ابن المنذر ونصه: ((فصل وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادةً أو هديةً فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربًا)) انتهى الغرض منه([1]).

والذي في نسخة طبعة دار الفرقان من كتاب الإجماع لابن المنذر: ((وأجمعوا على أن المسلف إذا شرط (عند) السلف هديةً أو زيادةً فأسلفه على ذلك أن أخذ الزيادة ربًا)) انتهى([2]).

وما في هذه النسخة هو الموافق لعبارة ابن المنذر نفسِه في كتابه "الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف"، ونص الأوسط: ((وأجمعوا على أن المسلف إذا اشترط (عند) سلفه هديةً أو زيادةً فأسلفه على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربًا.)) انتهى([3]).

وهو الموافق أيضا لما في عبارته أعني ابن المنذر في كتابه "الإشراف على مذاهب أهل العلم"، ونص الإشراف كما نقله ابن القطان: ((وأجمعوا على أن المسلف إذا اشترط (عند) السلف هديةً أو زيادةً فأسلفه على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربًا)). انتهى([4]).

فتبين من هذا كلِّه أن ما تعلق به الشيخ اليدالي من قول ابن المنذر (عشر) ليس إلا خطأً من الناسخ أو المطبعة، وأنَّه تحريف كلمة (عند).

وأما طعنه في إجماعات ابن المنذر بنقوله التي نسب لفتح الباري ونيل الأوطار والنووي فسيأتي إبطاله إن شاء الله تعالى وبيان أن تلك النقول بين المبتور والمقطوع الرأس وغير صحيح العزو, إن شاء الله سبحانه وتعالى.

وأما قوله طاعنا في إجماعات ابن المنذر: إنها مشهود لأغلبها بالصحة وإنها تستحق التأمل الذي أشار له فلم يوافق فيه جماعة العلماء أيضًا، فقد قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: ((أبو بكر بن المنذر: الإمام المشهورُ أحد أئمة الإسلام، هو الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري المجمعُ على إمامته وجلالته ووفور علمه وجمعه بين التمكُّن في علميِ الحديث والفقه، وله المصنفات المهمَّةُ النافعةُ في الإجماع والخلاف وبيان مذاهب العلماء، منها الأوسطُ والإشرافُ وكتابُ الإجماع وغيرُها، واعتمادُ علماء الطوائف كلِّها في نقل المذاهب ومعرفتها على كتبه، وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه أحد، وهو في نهاية من التمكن في معرفة صحيح الحديث وضعيفه.... وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ صاحبُ المهذب في كتابه طبقات الفقهاء في أصحاب الشافعي، فقال: صنف في اختلاف العلماء كتبا لم يصنف أحد مثلها، قال: واحتاج إلى كتبه الموافق والمخالف، قال: ولا أعلم عمن أخذ الفقه، قال: وتوفي بمكة سنة تسع أو عشر وثلاثمائة رحمه الله))([5]). انتهى باختصار.

وقال الإمام العلامة تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي: ((محمد بن إبراهيم بن المنذر الإمام أبو بكر النيسابورى نزيل مكة أحد أعلام هذه الأمة وأحبارها كان إمامًا مجتهدًا حافظًا ورعًا.... وله التصانيفُ المفيدةُ السائرةُ كتاب الأوسط وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء وكتاب الإجماع والتفسير وكتاب السنن والإجماع والاختلاف))([6]).

وقال ابن خلكان: ((أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، كان فقيهًا عالمًا مطلعًا، ذكره الشيخ أبو إسحاق في «طبقات الفقهاء»، وقال: صنف في اختلاف العلماء كتبًا لم يصنف أحد مثلها، واحتاج إلى كتبه الموافقُ والمخالفُ، ولا أعلم عمن أخذ الفقه، وتوفي بمكة سنة تسع أو عشر وثلاثمائة رحمه الله ، ومن كتبه المشهورة في اختلافُ العلماء: «كتاب الإشراف» وهو كتاب كبير يدل على كثرة وقوفه على مذاهب الأئمة، وهو من أحسن الكتب وأنفعها وأمتعها، وله كتاب «المبسوط» أكبرُ من «الإشراف» وهو في اختلاف العلماء ونقل مذاهبهم أيضا، وله كتابُ «الإجماع» وهو صغيرٌ))([7]).

ولو سلمنا للشيخ اليدالي أن إجماعات ابن المنذر تستحق التأمل، فمن تأمل ما يتعلق منها بمحل النزاع - وهو الإجماع على حرمة اشتراط النفع في القرض - علم أنه يعضده تواترُ العلماء على اختلاف مذاهبهم ومشاربِهم على نقل الإجماع الذي نقل على حرمة اشتراط المنفعة في القرض، بل يُعضِّدُه أنه لا معارض له إلا نسخة مراتب الإجماع الفاسدة، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

الشبهة الثالثة والرابعة:

قال الشيخ اليدالي  في ص 19: ((وفي فتح الباري أولَ باب الاستقراض أن شرط الأفْضَليَّة في الصفة يبطلُ العقد اتفاقا، وبه قال الجمهورُ. ونحوُه للشوكاني.

فانظر الاتفاقَ بَدَلَ الإجماع، وانظر الجمهورَ بَدلَ الجميع.

جواب الشبهتين الثالثة والرابعة:

 

 

([1]) المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة  ج4 ص 211 دار الفكر بيروت الطبعة الأولى 1405هـ- 1985م

([2])  الإجماع لابن المنذر ص 136 طبعة دار الفرقان عجمان.

([3]) الأوسط ص 407 المجلد 10 طبعة دار الفلاح للبحث العلمي.

([4]) الإقناع في مسائل الإجماع ص 1672 ج3 طبعة دار القلم دمشق. وص 196 من ج2 من طبعة الفاروق الحديثة للطباعة والنشر.

([5]) تهذيب الأسماء واللغات للإمام العلامة الفقيه الحافظ أبى زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ  ج 2 من القسم الأول قوبل على غير نسخة عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله شركةُ العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية يطلب من دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان. (بدون تأريخ) ص 196 - 197

([6]) طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (727- 771هـ) تحقيق محمود محمد الطناحي- عبد الفتاح محمد الحلو الناشر دار النشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع - 1413هـ الطبعة: الثانية ج 3  - ص 102

([7]) وفيات الأعيان لابن خلكان ج 4 ص 207 الناشر دار صادر بيروت، تحقيق الدكتور                      إحسان عباس.