(كورونا) وبيع المريض مرض الموت في القانون الموريتاني

اثنين, 2020/04/06 - 01:19
الباحث: أحمد محمد الحافظ

نص المشرع الموريتاني على بيع المريض مرض الموت في المادة 490 قانون الالتزامات والعقود . ضمن الفرع الأول ، من الفصل الأول ، من الباب الأول : المتعلق بالبيع ، من الكتاب الثالث : في مختلف العقود المسماة وفي أشبه العقود التي ترتبط بها .
   فقد جاء في المادة 490 ق.ل.ع. " البيع المعقود من المريض في مرض موته تطبق عليه أخكام المادة 342 . إذا جرى لأحد ورثته بقصد محاباته ، كما إذا باع له بشيء أقل بكثير من قيمته الحقيقية ، أو اشترى منه شيء بثمن يجاوز قيمته .
أما البيع المعقود من المريض لغير وارث فتطبق عليه أحكام المادة 343 . "
  فعقد البيع عرفته  المادة 489 ق.ل.ع. " البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه له "
  والأصل ، أن العقد لكي يكون صحيحا منتجا لآثاره ، لا بد من توافر أركانه المنصوص عليها بمقتضى المادة 23 ق.ل.ع . " الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي :
1 ـ أهلية الالتزام
2 ـ تعبير صحيح عن الإرادة يشتمل على العناصر الأساسية للالتزام ؛
3ـ شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام ؛
4 ـ سبب مشروع للالتزام . "
هذا بالنسبة للعقود الرضائية ، أما بالنسبة للعقود الشكلية التي تفرض إفراغها في شكل معين . فبعض الفقه يعتبر هذا الركن الخامس بالإضافة إلى الأركان سالفة الذكر.
   وبالرجوع إلى القانون الموريتاني ، لم يعرف ـ بيع المريض مرض الموت ـ ومرض الموت : هو المرض الذي يعجز فيه الإنسان عن متابعة أعماله المعتادة ويغلب عليه الهلاك .
  ويعرف المرض لغة بأنه { كل ما خرج بالكائن الحي عن حد الصحة والاعتدال من علة أو نفاق أو تقصير في أمر }
واصطلاحا : يعرف المرض بأنه " عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه "  
  هذا ، ونص المشرع على أن البيع المعقود من المريض مرض الموت تطبق عليه أحكام المادة 342 إذا جرى لأحد ورثته بقصد محاباته ، فنجد المادة 342 وردت تحت عنوان ـ الإبراء من الالتزامات ـ وهو ما يجعلنا أمام فرضية بيع المريض مرض الموت لأمواله لأحد ورثته ، أو يهبه له ، ففي الحالة الأولى وبالرجوع إلى نص المادة 342  ق.ل.ع. " الإبراء الحاصل من المريض في مرض موته لأحد ورثته من كل أو بعض ما هو مستحق عليه لا يصح إلا إذا أقره الوارث "
   فالمشرع لم يشدد على تصرف المريض مرض الموت ، كما شدد في عقد بيع المريض مرض الموت المنصوص عليه في المادة 490 فعلق تصرفه في الإبراء على إرادته المنفردة ، وهو عكس ما ذهبت إليه بعض التشريعات ، كالمشرع المغربي ، والتونسي .
  فنجد المشرع المغربي قيد تصرف المريض مرض الموت على موافقة الورثة ، وذلك بتنصيصه في الفصل 344 ق.ل.ع " الإبراء الحاصل من المريض في مرض موته لأحد ورثته من كل أو بعض ما هو مستحق عليه ، لا يصح إلا إذا أقره باقي الورثة "
  في حين نجد المشرع التونسي سار في نفس الاتجاه ، إذ نص في الفصل : 354  ق.ل.ع. " إذا أسقط الدائن في مرض موته ما له على أحد ورثته سواء كان الإسقاط في الكل أو البعض فإن الإسقاط لا يصح إلا بمصادقة جميع الورثة عليه ."
   فما ذهب إليه كل من التشريعين التونسي ، والمغربي ، هو ما أخذ به المذهب المالك . فالمادة 342 لم توفق في إعطاء الحكم الصحيح الذي ينطبق على مثل هذه الحالة ، فالمريض مرض الموت يحجر على تصرفاته كلها ، ينطبق عليه ما ينطبق على السفيه ، والمجنون ، والصغير غير المميز .
  والإبراء الحاصل من المريض مرض الموت لأحد ورثته في كل أو بعض ما هو مستحق عليه ، لا يصح إلا إذا تم بموافقة بقية الورثة ، فعدم تنصيص المشرع على هذا الشرط يفرغ المادة 342 من معناها الحقيقي فعدم تقييد تصرفات المريض مرض الموت ببيع أمواله يعدم الحماية التي كان من المفترض أن ينص عليها المشرع .
   أما البيع المعقود من المريض لغير وارث ، فتطبق عليه أحكام المادة 343 ، وهذه الأخيرة جاء فيها " الإبراء الذي يمنحه المريض في مرض موته لغير وارث يصح في حدود ثلث ما يبقى في تركته بعد سداد ديونه ومصروفات جنازته "
   فالإبراء هو تصرف يتم بإرادة الدائن ، فهو تصرف إرادي منفرد ينتج أثره بمجرد اتصاله بعلم المدين ودون ما حاجة لاقترانه بقبول من وجه إليه ، وهو يقضي الالتزام دون أي عوض يتقاضاه الدائن الذي تنازل مختارا عن حقه ، فالإبراء تصرف تبرعي محض.
   وبما أن الإبراء تصرف تبرعي يتطلب توافر الشروط التي يتطلبها كل تبرع ، لذا يطلب في الإبراء أن تتوافر لدى الدائن الذي يصدر عنه أهلية التبرع ، وأن تكون إرادته خالية من العيوب وأن تتجمع في كل من محل الإبراء وسببه الشروط القانونية المتطلبة في المحل والسبب عامة .
   فالغرض من تنصيص المشرع على هذه الأحكام ، هو حماية حقوق الورثة ، ففي الفترة التي يتبين فيها أن المريض مرضه قاتل ، تظل تصرفاته مقيدة بموافقة الورثة ، لا يمكنه التصرف في أمواله بمحض إرادته .
  وفي ظل جائحة ( كورونا  covid-19  ) يحجر على المصاب في التصرف في أمواله ، إلى حين شفائه ، فيتصرف في أمواله كما كان قبل إصابته ، أما أثناء الإصابة ، لا يمكنه التصرف في أمواله إلا برضى الورثة دون استثناء .
   فالأشخاص المصابين بأمراض خطيرة قد تؤدي إصابتهم بفيروس كورونا إلى الوفاة بنسبة كبيرة ، حسب ما توصل إليه البحث الطبي ، فبناء على ذلك لا يمكن للمريض بهذا الفيروس بيع أمواله حرمانا لورثته من حقهم ، وفي هذه الحالة يمكن تطبيق مقتضيات المادة 490 ق.ل.ع. بمعنى أن المصاب بهذا الفيروس يعتبر مريضا مرض الموت ، ففي هذه الفترة التي لا زال البحث الطبي لم يتوصل إلى دواء يحد من فتك هذا الفيروس بالأرواح ، فأحكام المادة سابقة الذكر تطبق إذا قام المصاب ببيع أمواله حسب الفرضيات المنصوص عليها في المادة ، وذلك لأحد ورثته بقصد المحاباة ، أو الغير الوارث حرمانا لورثته من تلك الأموال .

 

بقلم الباحث في القانون الخاص : أحمد محمد الحافظ