خيارات المعارضة في الترشح والترشيح

خميس, 2019/03/14 - 22:36
مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان: كاتب

بعد أشهر من النقاش والحوار الداخلي خرجت المعارضة الموريتانية بقرار اعتماد "استراتيجية تعدد المرشحين" للرئاسيات القادمة. ليست هذه أول مرة تختلف فيها المعارضة عند مفترق سياسي حقيقي، وليس هذا أول تتنازع بينها على الصدارة ودعوى استحقاق الترشيح أو الترجيح رغم أن الواقع غالبا يشير إلى المستحِق بقرائن ظاهرة.

ولست من الذين يعتبرون ما حدث فشلاً هائلا أو يظهرون حياله صدمة وذهولا، وأرى أن بعض المنذهلين يتصنّع ذلك لخلق جوّ من التشنيع والتفظيع فيه مبالغة ظاهرة، لكن معظمهم إنما جرتهم العواطف والآمال إلى أمانيّ مجنحة قد يكون عدم تحققها - وهو ما حدث حتى الآن - أفضل من تحققها على أحد وجوهها التي كانت محتملة.

كانت أمام المعارضة خمسة خيارات أساسية، هي: دعم الجنرال غزواني وهو مرشح النظام والأوفر حظا، أو الترشيح من داخل المعارضة، أو الترشيح من خارج المعارضة وخارج النظام، أو اعتماد تعدّد المرشحين من داخل المعارضة، أو استصحاب الأصل في حرية الترشيح من داخل المعارضة أو خارجها.

وما رأيته - وكتبته قبلاً- هو أن أمثل الخيارات للمعارضة والسلطة وللوطن والمواطن كان اتفاق الجميع على دعم مرشح النظام إثر حوار وطني يحمل فيه الجنرال هموم المؤسسة العسكرية ورؤيتها وتحمل المعارضة هموم النخبة السياسية المدنية ولا يغيب عن هذا الحوار طرف، على أن يفضي إلى صفقة سياسية وطنية جامعة وواضحة تتضمن تعديلات دستورية محددة ورؤية تسييرية توافقية خلال السنوات القادمة وتعتبر الفترة الرئاسية الأولى للمرشح بمنزلة مرحلة انتقالية، مع وعد بدراسة إعادة ترشيحه لفترة أخرى في حال الوفاء بما اتفق عليه.

ورغم أني أتوقع أن هذا هو ما تمنته المعارضة بمختلف أطيافها وأحزابها فإن مرشح السلطة يبدو غير مستعد لأي تفاهم من هذا النوع لاعتبارات واضحة في صميمها التحرج المفهوم من استفزاز الشريك المحليّ والحليف الخارجي.

أما خيار الترشيح من داخل المعارضة فهو مهوى أفئدة الكثير من القواعد الشعبية للمعارضة، لكنه يبقى حالة نظرية مستعصية من الناحية العملية استعصاء يقود بأسبابه إلى عدم الاستساغة العقلية، وبعبارة أخرى فإن فكرة الترشيح من داخل المعارضة فقيرة إلى الإمكان من جهة التنفيذ وإلى الإقناع من جهة الأسماء التي طرحت للتداول.

لقد تُدوولت أسماء وترددت في التحليلات والتسريبات باعتبارها خيارات مناسبة لترشحها المعارضة، ويحاجج دعاتها بأن أهلها معارضون عريقون ناصعو التاريخ نظيفو الأيدي، وإلى هذا الحد لا يوجد خلاف يذكر - خاصة في بعض الأسماء - لكن هذا لا يصلح سبباً للترشيح لرئاسة الدولة وإدارة البلد فللأمر شروط جوهرية أخرى تتجاوز الشخص إلى مقومات الشخصية وحيازة الخبرة، ولا يُكتفى منها بوجود التاريخ الناصع واليد النظيفة.

كان الخيار الثالث هو الاتفاق على الترشيح من خارج المعارضة وخارج النظام، ورغم وجاهة هذا الخيار وكونه الخطوة الأكثر إقلاقاً لمرشح السلطة وجدية في المنافسة فإنه اصطدم بعقبات لا حصر لها وابتلعته شعاب البيروقراطية التي نسجت بوعي وقصد ومهارة داخل كيان المعارضة وطبخت على نار خلافات أيديولوجية وثارات شخصية تاريخية ينفخ فيها كير الأمن السياسي باستمرار.

كان رفض ترشيح رجال خدموا في الأنظمة السابقة أو النظام الحالي بعلة الأخلاق والمبادئ السياسية أحد الأسباب التي سيقت لإجهاض هذا الخيار، ومن الواضح أن هذا الموقف الذي يعبَّر عنه بصوت مرتفع هذه الأيام إنما قام على علة لا تجري في معلولاتها، فالمعارضة استقبلت على مدى تاريخها الأحدث رموزا من نظام ولد الطايع واستوعب بعضها بعض أساطين ذلك النظام وهذا النظام بالإلحاق والترشيح والتحالف وأنواع التخادم السياسي الأخرى، وربما تكفي الإشارة إلى ظاهرة ترشيح المغاضبين.

لأسباب كثيرة وجدت المعارضة نفسها أمام حقائق ماثلة ماكثة حالت بينها وبين ما تشتهي من عقد الصفقة الوطنية مع المرشح الأوفر حظا أو من الإجماع على مرشح من داخلها أو خارجها، فاختارت استصحاب أصل الحرية في الترشح أو الترشيح، وبقي أن تحسم الأحزاب قراراتها منفردة بين منافسة مرشح السلطة بأقل ما يحسن السكون عليه من الجدية السياسية، أو اللجوء إلى خيار الترشيحات العابثة سعياً وراء بريق هو في عين الناظر أكثر حقيقة منه في المنظور إليه.