الردود الأبية على العلامة ابن بيه

ثلاثاء, 2015/04/21 - 16:24

الردود الأبيهْ

على شُبه دعاوي المرخص للحكام في تعطيل حدود الشريعة المحمديهْ ولو كان مستوجبها متطاولا على الحضرة النبويهْ وإحكام بيان أن أبناء دعاويه دعيهْ

تأليف: العبد الضعيف الفقير إلى مولاهْ الغني به عن كل ما سواهْ اليعقوبي الموسوي أحمد بن اجاهْ ابن ابوه كان لهم ولأوليائهم اللهْ

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدًا لا منتهى لِحَدِّهْ، وإن عجز  من سواه عن حمده حقَّ حمدهْ ،فما كان له إلا أن يظلَّ واقفًا عند حدِّهْ، وأتمُّ الصلاة والسلامُ الأتَمْ، على من بلَّغ عن الله وما كتمْ، ولكن صدَع بما يُؤمرْ، وأعرض عمن أشرك وكفرْ،

وعلى أهل بيتهْ، وعلى أزواجه وذريتهْ، وعلى من استن بسنتهْ، وعضَّ بنواجذه على واضح محَجَّتهْ .

هذا ولا أقصد فائدةَ  ولا لازمَ خبرْ، وأنا أقول: إن ما بين المشرق والمغرب من حدود رب المشرق والمغرب أقفرْ، بل لا أقصد - وأنا لهذا الخبر الأمرِّ أجترْ، - خبرًا وإنما أتأسف وأتحسَّرْ.

 ولكن تشريع تعطيل حدود الله ممن ينتسب للعلم أدهى وأمرْ، وقد جاء: ((حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ ، خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا([1]).)) في الخبرْ.

 وإن كان في هذا الكلام ماهو مجملْ، فدونك تفسيره وتفصيله أي مُفَصَّلْ، بينما نحن  يغشانا موج كالظُّللْ، من الإلحاد والارتدادْ، وسبِّ وشتم وتنقيص خير العبادْ، نتسابق إلى سفينة النجاة من هذا الوبالْ، وهي تجري في موج كالجبالْ، قد غصت بالعلماء والخطباءْ، والشعراء والأدباءْ، وبرز فيها القائد للمَقُودْ، وأعطاه العهود بعد العهود بتطبيق الحدودْ، بينما نحن كذلك قد نفد صبرُنا، وأمِر أمرُنا، إذ طلع علينا بدرُنا، وعلامتنا الذي ضن بمثله عصرُنا، صاحب المراتب العليهْ، العلامة عبد الله ابن بيهْ، وإذ طلع البدر الذي ضن بمثله العصرْ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرْ، رُفعتْ إليه هذه البليه([2])، وخصوصًا عدمَ إقامة حد الله في سابِّ خير البريهْ ، رُفعَ إليه ذلك الإمرْ، فإذا به يرخص عبر الأثير في تعطيل الحدود لأولي الأمرْ.

والعالم يضرب الطبل لزلتهْ، لعلو رتبته ومكانتهْ، فزلته المبينهْ، تؤدي إلى كسر السفينهْ، فكان لا بدَّ من محاورة العلامة ومجادلتهْ، استجابةً لله أولا ثم لطلبه هو في محاضرتهْ، حيث قال إنه يطلب مناقشة أفكاره بدون شتمْ، وأنَّى يطاوع على شتمه قلم أو فمْ، أوَليس هو فضيلةَ العالم المنفقْ، ذي الشيبة المسلم الذي على فضله نتَّفقْ؟، وحكم الجدال بالإحكامْ، أنه مما تعتريه الأحكامْ.   

ولو كنتُ من الأجلاء لكنت ذا إدلاءْ بقول محمد مولود ردُّ الأجلاءْ ، إلى قوله: حق الحقْ، مقدم على حقوق الخلقْ، بل ما كان ليلامْ من أدلى به في هذا المقامْ،:

رد الأجلاء على الأجلا
 

 

من الأبين والشيوخ دلا
 

مع قبول غير واحد نبه
 

 

له على جوازه أو طلبه
 

رد على مالك ابن القاسم
 

 

وابن ابن عاصم على ابن عاصم
 

وابن ابن مالك على ابن مالك
 

 

وسلم النقاد كل ذلك(([3]))
 

كذا الرهوني على رسوخه
 

 

قد أكثر الرد على شيوخه
 

وذاك عندي أن حق الحق
 

 

مقدم على حقوق الخلق
 

وبالله أصول وأجولْ، وهذا أوان شروعي في المقولْ، ملتزما بدقة وصحة النقولْ، ووضوح القيلْ، وسلامة الأدلة من قوادح الدليلْ،

مذكرا فرسان الشريعة غير المِيل ولا المعازيلْ، بقول علامة العلويين الأجل حرمة بن عبد الجليلْ، :

يا من تأمل مكتوبي وطالعه
 

 

سلِّمه أو أبْد ما ألفيتَ من خلل
 

مسلم الحق ماجورٌ ومنكرما        
 

 

يخالف الحق   ماجورٌ فلا تمل
 

وعلى الله  قصد السبيلْ، ومنها جائرٌ وحسبنا الله ونعم الوكيلْ،:

نص السؤال:

سئل العلامة في الندوة التي حضرها نخبة من العلماء والسادة ونُقلتْ عبر إذا عة القرآن الكريم وهي الآن على الإنترنت سئل عن سؤال هذا نصه: ((شيخنا حفظكم الله ورعاكم ... ما نراه في العالم الإسلامي هو بسبب تعطيل الحكام لشرع الله خاصة أننا نرى أن العالم الإسلامي أُلبس بعضُه بعضًا شِيَعًا وذاق بعضُه بأس بعض وهذا لا شك أنه بسبب ضعف الإيمان والعزوف عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 هذا السؤال الأول.

السؤال الثاني: كيف نقارن بين الإسلام الذي نزل به جبريل عليه السلام من عند رب العالمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الإسلام عندنا اليوم في موريتانيا حيث أننا جمهورية إسلامية، ولا شك أنكم تتذكرون أن السيد رئيس الجمهورية قال بأن موريتانيا دولة إسلامية، وليست دولة علمانية، ولن تكون كذلك، في الوقت الذي فيه شرع الله معطل : القاتل لا يقتل ، السارق لاتقطع يده، الزاني لا يجلد ولا يرجم، يساء إلى محمد صلى الله عليه وسلم والمسيء حي يرزق يأكل ويشرب وينام ويستيقظ  مازال يتحرى أمرًا قضائيا من قاض تكوَّن في الخارج وتخرّج من الخارج في الوقت الذي فيه هو مقتولٌ بشرع الله وبالمذهب المالكي.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.))  

نص ما يتعلق بالموضوع من جواب العلامة عبد الله بن بيه:

((تحريمُ الحكم بما أنزل الله إذا أدى إلى مفسدة من نوع المفاسد المعتبرة شرعا: هو دائر بين الوجوب وبين التحريم))

ثم قال: ((أمثلةٌ كثيرةٌ من عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه صلى الله عليه وسلم: الفاروق عندما أوقف حد السرقة عام الرمادة لأنه يرى أن هذا الحكم ليس مؤديا لمقصده المقصد لا يصل إليه فلهذا أوقف ذلك بناءً على ما لديه من المعلومات: عن أن الناس في حالة عسرة ومجاعة ولم ينكر عليه أحدٌ من الصحابة كذلك وهذا – طبعا  - ليس تشجيعا لعدم تطبيق أحكام الشرع بل أنا من أشدكم حماسا لها عند توفر الشروط وقيام الأسباب وانتفاء الموانع 

لكن أريد أن أقول لكم شيئا جاء في حديث بسر بن أرطاة : لا تقطع الأيدي في الغزو. وهو حديث صحيح كما يقول ابن قدامة وغيرُه  

ما معنى ذلك؟

 يفسر لنا عمر ذلك : أن لا تجلدوا أميرًا ولا رجلا من المسلمين حتى يجاوز الدرب قافلا لئلا يركبه الشيطان فيلتحق بالكفار.

هذا محل الاشكال هنا : ماهي حالة العالم اليوم؟

 أليس من الممكن أن يركبه الشيطان في بيته فيلتحق بالكفار ؟

 هذا إشكال أنا وضعته على العلماء في الكويت في يعني ندواتنا المختلفة فلْنحقق المناط لا أقل ولا أكثر لانمالئ ظالمًا ولا جائرًا ولا نجامل أحدًا بل فقط لا نتجاهل واقعًا الفرد اليوم أصبح مشكلة كبيرة الرويبضة الذي جاء في الحديث يخوَّن الأمين ويؤتمن الخائن وينطق الرويبضة قالوا : وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه  أو السفيه ينطق في أمر العامة. هذا الزمان وقع لا أتكلم في موريتانيا طبعا أتكلم عن شيء آخر في المجتمع الإسلامي، بفضل الله سبحانه أنا أعتبر أن المورتانيين كلهم أو جلهم الغالب منهم هم يميلون إلى الخير يميلون إلى الشريعة هم مسلمون يعني حتى العلمانيين لا أصف مورتانيا بالعلمانية ولا أعتبر أن هناك إسلامي([4]) وغير إسلامي كلهم مسلمون لكن هناك مجتمعات في مناطق أنت تعرفها أنت تعرف العالم هي فيها انشقاق نصفي بحيث لو فعلت هذا لكانت حرب أهلية فهل نجعل هذا كحديث بسر بن أرطاة ونقول هذا المكان ليس مناسبا؟ لكن لو قلت ذلك فعليك أن تَنزِلَ من الكلي وهذا ربما أقوله لأول مرة وأريد أن أشرحه والعلماء هنا يدركون ذلك: أن لا تُخلي المكان من عقوبة لأن الكلي إذا لم تستطع أن تعمل كله فاعمل الجزء الذي تستطيع أن تعمل ثم عليك أن تسعى لتخليق المجتمع حتى ينقاد طوعا أو جله ينقاد طوعا أو لا يفتتن أو لا يلتحق بالكفر هذا إشكال كبير لأن عمر هنا وأبو الدرداء كذلك المسألة رواها أبو الدرداء وحذيفة وعمر عمر هنا يخاف على الشخص نفسه، ولهذا الزاني البكرُ أكرمكم الله قال: لا يُنفى قال علي رضي الله عنه: كفى بالنفي فتنةً هم يعرفون الحديث : تغريب سنة أو نفي سنة لكنهم ما دام هناك مقصد آخر وهو أن هذا النفي قد يؤدي إلى الكفر هناك تراتب حافظ عليه.

فما هو مدى التزام الناس بالدين لئلا يفتتنوا ؟

هذا إشكال هذه المسائل على العلماء أن يراجعوها وأن لا يرموا الكلام على عواهنه بل نزِن ذلك بالنصوص الشرعية وبالكليات والجزئيات لنقول للحاكم في أي مكان هذه مسؤوليتك أمام الله وأمام الناس . انتهى الغرض من كلام العلامة في الندوة.

وقد أقر ذلك في كتبه فقال في كتابه: المعاملات والمقاصد - (1 / 14)

المنحى الثاني:                              

العدولُ عنْ مقتضَى نصٍّ خاصٍّ لمخالفتِه أصلاً أوْ قاعدةً  ... كامتناع عمر - رضي الله عنه - من تطبيق تغريبِ الزانِي البكرِ، مع ورودِ ذلكَ فِي الحديثِ الصحيحِ؛ لأنَّهُ يؤدِّي إلى التحاقِ المنفِيِّ بالكفارِ. وقدْ عُلم حرصُ الشارعِ علَى هدايةِ الناسِ، وأنَّ الإبقاءَ على المسلمِ فِي دائرةِ الإسلامِ أولَى مِن تطبيقِ العقوبةِ عليهِ وافتتانِه. وقد قالَ عليّ رضي اللهُ عنهُ : كفَى بالنفيِ فتنةً.

ومعنى ذلك أن المجتهد اعتبر المقصد مخصصاً لعموم النص فهو في قوة الاستثناء فكأن الشارع يغرب سنة إلا إذا خيف كفره.

وقال في كتابه: صناعة الفتوى وفقه الأقليات - (1 / 87)

وهكذا فإن الصحابة فهموا مقصد الشارع والمقاصد هي المعاني التي تعتبر حكما [وغايات التشريع([5])] فتصرفوا طبقا لذلك فهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يترك تغريب الزانى البكر مع وروده في الحديث حيث قضى عليه الصلاة والسلام بجلده مائة [وتغريب([6])] سنة وذلك لما شاهد من كون التغريب قد يؤدي إلى مفسدة أكبر وهى اللحاق بأرض العدو وقال: لا أغرب مسلما.

وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كفى بالنفي فتنة.

و قال: في كتابه ( صناعة الفتوى وفقه الأقليات - (1 / 87): وأيضا فإن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا تولى الملك أجل تطبيق بعض أحكام الشريعة فلمّا استعجله ابنه في ذلك أجابه بقوله : "أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة [فيدفعونه([7])] جملة ويكون من ذا فتنة".(الموافقات 2/148).

انتهى الغرض من كلام العلامة.

وأول خطوة أخطوها - قبل الشروع  في سرد الشبه ونقضها عروةً عروةً شبهةً شبهةً – هي تنبيهات على بعض ما في كلام العلامة:

التنبيه الأول:  عدم مطابقة نقله لكلام الشاطبي حيث قال: في كتابه ( صناعة الفتوى وفقه الأقليات - (1 / 87): وأيضا فإن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا تولى الملك أجل تطبيق بعض أحكام الشريعة فلمّا استعجله ابنه في ذلك أجابه بقوله : "أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة [فيدفعونه([8])] جملة ويكون من ذا فتنة".(الموافقات 2/148).

 ودونك كلام الشاطبي في الموافقات بحروفه:

وفيما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: "ما لك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق". قال له عمر: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة.([9]) (الموافقات - (2 / 148)

وسأعيد الكرة إن شاء الله سبحانه وتعالى على هذه الشبهة في سرد ورد الشبه فلا تستعجل لها فلها ذَنوبٌ مثلُ ذَنوب صواحبها.

التنبيه الثاني: قوله إن حديث بسر بن أرطاة صحيح كما يقول ابن قدامة وغيره. فابنا قدامة :موفق الدين وشمس الدين ذكرا الحديث محتجين به لمذهب أحمد ولم يصححاه ولم يضعفاه. ودونك نصهما:

((ولنا  على وجوب الحدّ أمرُ الله تعالى ورسولِه به ، وعلى تأخيره ، ما روى [بسر([10])] بن أبي أرطاة أنه أُتي برجل في الغزاة قد سرق [بختية([11])] ، فقال : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تقطع الأيدي في الغزاة ) لقطعتك .

أخرجه أبو داود وغيره.([12]) انتهى الغرض منهما.)) بلفظيهما.

ملاحظة طريفة خارجة عن الموضوع:

احتجاج من احتج من الحنابلة  لمذهب الإمام أحمد بحديث بسر يرده مذهب الإمام أحمد نفسِه في بسر فإن الإمام أحمد قال :إن بسرا لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء : بسر بن أرطاة القرشي العامري الأمير، أبو عبد الرحمن القرشي، العامري، الصحابي، نزيل دمشق.

له عن النبي  -صلى الله عليه وسلم - حديث: (لا تقطع الأيدي في الغزو).

وحديث: (اللهم أحسن عاقبتنا).

روى عنه: جنادة بن أبي أمية، وأيوب بن ميسرة، وأبو راشد الحُبراني.

قال الواقدي: توفي النبي  -صلى الله عليه وسلم - ولهذا ثمان سنين.

وقال ابن يونس: صحابي، شهد فتح مصر، وله بها دار وحمَّام، ولي الحجاز واليمن لمعاوية، ففعل قبائح، ووسوس في آخر عمره.

قلت: كان فارسا شجاعا، فاتكا من أفراد الأبطال، وفي صحبته تردد.

قال أحمد، وابن معين: لم يسمع من النبي  -صلى الله عليه وسلم - وقد سبى مسلمات باليمن، فأُقمن للبيع.

وقال ابن إسحاق: قتل قُثَمَ وعبد الرحمن ابني عبيد الله بن العباس صغيرين باليمن، فتولهت أمهما عليهما.

وقيل: قتل جماعة من أصحاب علي، وهدم بيوتهم بالمدينة.

وخطب، فصاح: يا دينار! يا رزيق! شيخ سمحٌ عهدته ها هنا بالأمس ما فعل؟  -يعني عثمان - لولا عهد معاوية، ما تركت بها محتلما إلا قتلته.

ولكن كان له نكاية في الروم، دخل وحده إلى كنيستهم، فقتل جماعة، وجُرح جراحات، ثم تلاحق أجناده، فأدركوه وهو يذب عن نفسه بسيفه، فقتلوا من بقي، واحتملوه.

وفي الآخر جعل له في القراب سيف من خشب لئلا يبطش بأحد.

وبقي إلى حدود سنة سبعين  -رحمه الله([13]).

وقال الذهبي أيضا  في  تاريخ الإسلام:  إن الصحيح أن بسراً لا صحبة له و نص كلامه: ((فمِن أخبث أخباره التي ما عملها الحجاج، على أن الصحيح أن بسراً لا صحبة له. قال الواقدي، وأحمد بن حنبل، وابن معين: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وبسر صغير: قال موسى بن عبيدة: ثنا زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة، عن أبي الزيات، وآخر، سمعا أبا ذر يتعوذ من يوم العورة، قال زيد: فقتل عثمان، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق... إلى أن قال: ويروى عن الشعبي أن بسراً هدم بالمدينة دوراً كثيرة، وصعد المنبر وصاح: يا دينار، شيخ سمح عهدته ها هنا بالأمس، ما فعل يعني عثمان يا أهل المدينة لولا عهد أمير المؤمنين ما تركت بها محتلماً إلا قتلته، ثم مضى إلى اليمن فقتل بها ابني عبيد الله بن عباس، صبيين مليحين، فهامت أمهما بهما. قلت: وقالت فيهما أبياتًا سائرة، وبقيت تقف للناس مكشوفة الوجه، وتنشد في الموسم منها([14]):

ها من أحَسَّ بإبني الذين هما
 

 

كالدرتين تجلى عنهما الصدف([15])
 

 

فارجع إلى بقية ماساق من أخباره ([16])

وقال الإمام البيهقي في السنن الكبرى:

 وكان يحيى بن معين يقول: أهل المدينة ينكرون أن يكون بسر بن أبي أرطاة سمع من النبي صلى الله عليه و سلم، وقال يحيى : بسر بن أبي أرطاة رجل سوء.

أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا العباس الدُّوري عن يحيى بن معين.

قال الشيخ وإنما قال ذلك يحيى لما ظهر من سوء فعله في قتال أهل الحرة وغيره والله أعلم. انتهى بحروفه([17]).

وقال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في السنن الكبرى:

أخبرني عمرو بن عثمان قال حدثني بَقِيَّة قال حدثني نافع بن يزيد قال حدثني حَيْوَة بن شُريح عن عياش بن عباس عن جُنادة بن أبي أُميّة قال سمعت بُسر بن أبي أرطاة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لا تقطع الأيدي في السفر قال أبو عبد الرحمن ليس هذا الحديث مما يحتج به.([18]) انتهى

قال جامعه: من صحح هذا الحديث  كابن حجر مثلا فإنما يصحح سنده إلى بسر فمن نظر الإصابة بدون تأمل ظن الحافظ ابن حجر صحح هذا الحديث لكن من تأمل علم أنه إنما صحح الإسناد إلى بسر بعد أن ذكر الخلاف في صحبته فكأنه  بعد أن ذكر الخلاف في صحبته جاء بالإسناد  والمقصود بالذات عنده قول بسر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم) وادعاء الصحبة إنما يثبتها إذا كان المدعي قبل دعواه الصحبة عدلا هذا هو المعتمد سواء ادعاها بالتصريح كأنا صحابي أو ما يقوم مقامه كسمعت ونحوها لأن وازِع العدل يمنعه من الكذب قال العراقي:

وتعرف الصحبة باشتهار أو
 

 

تواترٍ أو قول صاحب ولـــو
 

قد ادعاها وهو عدل قبلا     
 

 

...........................

وقال في المراقي:

إذا ادعى المعاصرُ العدلُ الشرف   
 

 

بصحبة يقبله جل السلف.     
 

     

وعدالة بسر محل تردد  ومعاصرته كذلك واشتهار وتواتر صحبته خفيا على أهل المدينة  وقد مضى للإمام لذهبي أن الصحيح عدم صحبته وسياتي للإمام البيهقي أن صحبتَه لم تَثبتْ ودونك نص الإصابة في تمييز الصحابة :

بسر بن أرطاة أو بن أبي أرطاة قال ابن حبان من قال بن أبي أرطاة فقد وهم واسم أبي أرطاة عمير بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي القرشي العامري يكنى أبا عبد الرحمن مختلف في صحبته فقال أهل الشام سمع من النبي صلى الله عليه و سلم وهو صغير وفي سنن أبي داود بإسناد مصري قوي عن جنادة بن أبي أمية قال كنا مع بسر بن أبي أرطاة في البحر فأتي بسارق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقطع الأيدي في السفر. انتهى محل الحاجة منه([19]). فهو إنما صحح السند إلى بسر.

ومن هنا كان المناوي دقيقا حيث قال في التيسير بشرح الجامع الصغير: ((وبسر رجل سوء لكن الاسناد جيد.([20])))

 وقد قال  ابن حجر نفسه  - كما نقله عنه المناوي - :إنه يعارضه خبر البيهقي أقيموا الحدود في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم([21])

والخلاصة أن الحديث لم يصححه ابن قدامة وأما غير ابن قدامة فإنما صحح سنده إلى بسر ولم نر من عدل بسرا  إلا أن ابن العربي قال في العارضة  وإلى الآن لم يثبت عندي عليه شيء بنقل العدل على التعيين وقال إنه محمول على العدالة وشرف الصحبة حتى يثبت عليه بنقل العدول معنى معين [يسقط ([22])]مرتبته([23]).

قال جامعه:ولكنه ثبت عند بن معين الذي قال إنه رجل سوء وثبت عند الطبراني الذي غمزه ومعلوم أن الجرح مقدم على التعديل، قال في المراقي:

والجرح قَدِّم باتفاق أبدا
 

 

إن كان من جرح أعلى عددا
 

وغيره كهو بدون مين     
 

 

وقيل بالترجيح في القسمين.
 

والراجح تقديم الجارح مطلقا كما أشار إليه بقوله: "بدون مين" وأشار لمقابله بـ" قيل"وإنما قُدم لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل.

 وقد تقدم آنفا للذهبي :أن الصحيح عدم صحبة بسر.

ولو سلمنا للعلامة – جدلا - أن غير ابن قدامة صحح الحديث وسلمنا له صحبة بسر وعدالته  وأنه من الصحابة المفترى عليهم فهذا لا ينفعه فالحديث لا دليل فيه لصحة دعوى العلامة كما سأبينه إن شاء الله سبحانه وتعالى عند قطع دابر هذه الشبهة ولكن مالا نستطيع أن نسلمه للعلامة ولو جدلا هو أن ابن قدامة صحح الحديث ومن هنا فعزو العلامة له فيه ما فيه مع أن تسليمه له لا ينفعه أيضا.

وبعد أن كتبت هذا وقفت على قول المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير عند حديث: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها) قال: وبسر : بضم الموحدة التحتية وسكون المهملة ثم راء العامري القرشي مختلف في صحبته ، ولاه معاوية اليمن فأفسد وعتا وتجبر ، وضل ، قال ابن عساكر : له بها آثار غير محمودة ، وقتل عبد الرحمن وقثمَ ابني عبيد الله بن عباس [وخلقا([24])] حتى من لم يبلغ الحلم : كولد زينب بنت فاطمة بنت علي كرم الله وجهه ، وقال يحيى : كان بسر رجل سوء ، وأهل المدينة ينكرون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا.

وقد رمز المصنف لصحته وقد عرفت حال بسر.

أما من دونه فموثوقون في بعض طرقه المذكورة لا كلها.

قال الحافظ الهيثمي : رجال أحمد وأحد إسنادي الطبراني ثقات.  انتهى كلام المناوي بحروفه.  ولكن قال بعد ذلك عند حديث (لا تقطع الأيدي في السفر): قال أعني ابن حجر : مختلف في صحبته يعني بسرا وقال : وهذا إسناد مصري قوي وبسر من شيعة معاوية قال ابن معين : وبسر رجل سوء قال البيهقي : إنما قاله لما ظهر من سوء فعله في قتاله أهل المدينة وغيرَهم قال الذهبي : الحديث جيد لا يرد بمثل هذا([25]). انتهى كلام المناوي.

قال جامعه: لم أقف عليه إلى الآن وهو مشكل مع ما تقدم للذهبي من أن الصحيح عدم صحبة بسر.

 وعلى كل حال فالحديث على فرض صحته لا حجة فيه ولا دليل لصحة دعوى العلامة كما سأبينه إن شاء الله سبحانه وتعالى فلْنسلم له صحته جدلا. 

 

([1])- سنن ابن ماجَهْ للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني (207-275ه) –  وبهامشه : كفاية الحاجة في تحقيق سنن ابن ماجه والزوائد من مصباح الزجاجة للحافظ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر البوصيري المتوفى : 840تحقيق صدقي جميل العطار – طبعة دار الفكر 1428- 1429ه- 2008م ج: 2-ص: 51- الحديث:2538.    

([2]) - البلية والبلاء الغم كأنه يبلي الجسم.

([3]) ولم يعب صاحب نقل ذلك (نسخة).

([4]) - كذا قال. وهو يتكلم بدون تكلف  مازجا بين الحسانية والعربية فلا اعتراض ولا تلحين.

([5]) - كذا في الأصل .

([6]) -كذا في الأصل.

([7]) - كذا في الأصل.

([8]) - كذا في الأصل.

([9]) - الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي وعليه شرح الشيخ عبد الله دراز، طبعة دار الحديث  القاهرة ، 1427ه -2006م المجلد الأول ص 325.

([10]) - الذي في المغني:[بشر] بالشين المعجمة. والصواب بالمهملة.

([11]) - عبارة الشرح الكبير: [ جنيبة]

([12]) - المغني تأليف الشيخ الإمام العلامة ابن قدامة المتوفى سنة 630هـ  والشرح الكبير  تأليف الشيخ الإمام بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682هـ. ج:10 – ص: 148 - 528. من طبعة دار الفكر  عام 1432- 1433ه – 2011م وهذه الطبعة تجمع المغني والشرح الكبير  وعنوان هذي الطبعة الخارجي هو:المغني والشرح الكبير على متن المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للإمامين موفق الدين وشمس الدين ابني قدامة طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

([13]) - سير أعلام النبلاء، وبهامشه إحكام الرجال من ميزان الاعتدال في نقد الرجال، كلاهما للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى 748ه – طبعة كاملة تشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة والجزء المفقود من السيَر طبعة دار الفكر – 1417ه – 1997م-  ج 4 – ص: 492- 493.

([14]) - الضمير يعود على "أبياتا" في قوله:"وقالت فيهما أبياتًا سائرة"

([15]) - وأبياتها هي:

يا من أحس بإبني اللذَين هما
 

 

كالدَّرَّتين تَشظَّى عنهما الصدفُ
 

يا من أحس بإبني اللذين هما
 

 

سمعي وقلبي فقلبي اليوم مُزْدَهَفُ
 

يا من أحس بإبني اللذين هما
 

 

مُخُّ العظام فمخي اليوم مختَطَف
 

نُبئت بُسْراً وما صدّقت ما زعموا
 

 

من قولهم ومِن الإِفك الذي اقترفوا
 

أنحى على ودَجَيْ إبنَيَّ مُرْهَفَةً
 

 

مشحوذةً وكذاك الإثم يقترف
 

حتى لقِيت رجالاً من أرومته
 

 

شمَّ الأنوف لهم في قومهم شرف
 

فالآن ألعن بُسْراً حقَّ لعنته
 

 

هذا لعمر أبي بُسْرٍ هو السَّرَف
 

من دّلَّ والهةً حَرَّى مُولَّهة
 

 

على صبيينِ ضلا إذ غدا السلف
 

قال أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني:أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال أخبرني محمد بن مسروق قال: قال الأصمعي:

سمع رجل من أهل اليمن وقد قدم مكة امرأة عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب تندب ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطاة بقولها:

يا من أحس بإبني اللذَين هما
 

 

كالدَّرَّتين تَشظَّى عنهما الصدفُ
 

 

فرق لها واتصل ببسر حتى وثق به ثم احتال لقتل ابنيه فخرج بهما إلى وادي أوطاس فقتلهما وهرب وقال:

يا بسرُ بسرَ بني أرطاةَ ما طلعت
 

 

شمس النهارِ ولا غابت على ناسِ
 

خيرٍ من الهاشميِّين الذين هُمُ
 

 

عين الهدى وسمام الأشوس القاسي
 

ماذا أردت إلى طفليْ مُولَّهة
 

 

 تبكي وتندب من أثكلت في الناسِ
 

إما قتلتهما ظلما فقد شرِقت
 

 

في صاحبيك قناتي يوم أوطاسِ
 

فاشرب بكأسهما ثُكلا كما شربت
 

 

أم الصبيَّين أو ذاق ابن عباس
 

انتهى من الأغاني  الجزء الخمس عشر طبعة دار الفكر - ص: 45- 46.

([16]) -  تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. دار النشر: دار الكتاب العربي. مكان النشر: لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1410هـ  1990م. الطبعة: الأولى. تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري.- ج:5 - ص:369- 370

([17]) -  السنن الكبرى للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي. خرج أحاديثه وآثاره وضبط نصه وعلق عليه إسلام منصور عبد الحميد طبعة دار الحديث – القاهرة 1429ه -2008 م ج: 9 -  ص:196.

السنن الكبرى للبيهقي الطبعة السابقة – ج 9 – ص:196.                      

([18]) - كتاب السنن المعروف بالسنن الكبرى للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303ه) تحقيق ودرا سة مركز البحوث وتقنية المعلومات - دار التأصيل القاهرة - إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الشؤون الإسلامية بتمويل الإدارة العامة للأوقاف - دولة قطر-  الطبعة الأولى 1433ه – 2012م – ج:8 - ص 43

([19]) - الإصابة في تمييز الصحابة طبعة دار الفكر (بدون تأريخ)  وبهامشها الاستيعاب – ج: 1 – ص: 146. 

([20]) - كتاب التيسير بشرح الجامع الصغير للشيخ عبد الرؤوف المناوي طبعة عتيقة بدون ذكر ناشر ولا تأريخ – ج:2 - ص:497. حرف "لا"

([21]) - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير للعلامة محمد عبد الرؤوف المناوي - دار الفكر – بدون تأريخ  ج:6 – ص416. الطبعة السابقة.

([22]) - الذي في الأصل: [تسقط] بالتاء المثناة الفوقية.

([23]) - عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للإمام الحافظ بن العربي المالكي المتوفى 543هـ طبط وتوثيق وترقيم صدقي جميل العطار- طبعة دار الفكر1415هـ – 1995م – المجلد 3 – 416.

([24]) - الذي في الأصل [ وخلفا] بالفاء والصواب باقاف إن شاء الله.

([25]) -   - فيض القدير الطبعة السابقة - ج:2- ص:103.-  ج: 6 – ص:417.