فجر اليوم كان استثنائيا في بلاد المليون شاعر بكل المقاييس .. وكان يوما من أيام المصائب في حقل الأدب والإعلام بكل الموازين ..وسرى الحزن الشديد في أرجاء الوطن كما يسري الوجع المض في أعضاء الجسم المصاب..وتاه الحرف كما يتيه العطشان في صحراء تيهاء لاماء فيها ولا مرعى.
لكنها إرادة الله ولاراد لقضائه وقدره .. ولن تجد لسنة الله تبديلا..ولن تجد لسنة الله تحويلا...إنك ميت وإنهم ميتون..
لدوا للموت وابنوا للخراب.. فكلكم يصير إلى تباب
لما نعى الناعي كليبا أظلمت.. شمس النهار فما تريد طلوعا.
أجل.. صرحت جهينة بالخبر اليقين ..وجف القلم بماهو كائن ..
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا.. شرقت بالدمع حتى كان يشرق بي
لكل أجل كتاب.. الشاعرالكبير والأديب النبيل ولإعلامي الفاضل محمد كابر هاشم في ذمة الله
توقف قلب كانت نبضاته حب الخير للجميع ..والتواضع للجميع.. واحترام الجميع... يالف ويولف..
نعى الناعون للشرف المعلى.. فتى الأشراف سيدها النقيبا..
توقف قلب كان يعانق شرف النخيل حين يبوح له بسر مصون لايفهمه ولا يحفه غيره يحدثه عن عراقة أصيلة وعن مجد أثيل لتسمو الكلمات في حديث النخيل .وها هو الآن يخاطب الخابور
أيا شجر الخابور مالك مورقا..كأنك لم تجزع على ابن طريف
لقد تشابه الشاعرمع النخل في كبريائه لذلك خصه بالمناجاة فهو أبدا "شامخ الهام لو يكون قتيلا" وتشابها في العطاء والوفاء للأرض فكل منها يرتل:
طبتُ فرعـاً وموطنـاً وفصيــــــــلاً ..وقبـيـلاً ومنبـتـاً ومَـسـيــــــــــــــــــلا
لقد توقف قلب كان ينبض بحب هذه الصحراء وقد زينها" عبق من دم الشهدا" ويتغنى بالفتح ومضارب تتضوع هدي ابن ياسين ..وينشد شعره العذب الرقراق حين "يسري في الرمل هدي ياسين "
كان كابر هاشم يمتلك من البشاشة ما لو وزع على ساكني تلك المضارب لكفاهم .. ولفاض عنهم خلقا رفيعا وتواضعا جما
كان يوزع البشاشة على من يلقاه كأنما قدره أن يكون ساعي بريد لها وكانت شنشة لاتفارقه محياه أبدا
كأنما نتجت قياما تحتهم..وكأنما ولدوا على صهواتها
مكتبه في مباني الجمعية الوطنية كان محط ومأوى أفئدة التائهين حينها في عالم الحرف الباحثين عن موطئ قدم في وقت عز فيه الخلصاء والصادقون.. فكان كابر هاشم رحمه الله تعالى ذلك العون والسند لأجيال متعددة في محراب الحرف.. يلقاهم بحنان الأبوة وصراحة الأخوة لكل منهم ظل ظليل وموطن خاص ..يهش في التحية ويصدق في النصيحة..
أتذكر مرة مع مجموعة من الشعراء في مكتبه من أجيال متفاوتة فدخل رجل من سكان البلاد السائبة وسلم وبادله الشاعر كابر هاشم التحية بأحسن منها كدأبه وداعبه بما يرى أنه مناسب للمقام ..فقال الرجل أنا أبحث عن النواب فقط لأنهم هم أهل"الفظة" بينما تبحث أنت عن الشعراء وتجلس معهم كما عودتنا.. فضحك كابر هاشم رحمه الله تعالى وقال له هؤلاء نواب عن الشعب في مجال آخر مهم ..
ذلكم هو كابر هاشم الذي أحس منذ بداية مسيرته أن للشعر رسالة نبيلة وأن له دورا في هذه الحياة ..
اليوم تودع موريتانيا علما من أعلامها وأحد أبنائها البررة الذين أخلصوا لها الحب والوفاء ..
والنعش على الأعناق يودعهم ويهمس:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
رحم الله كابر هاشم وأبدله دارا خيرا من دره وأهلا خيرا من أهله.. وألهم ذويه وأحبته الصبر والسلوان